عاجل
الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

د. إيمان ضاهر تكتب: لا.. الكتابة اليدوية لن تموت

د. إيمان ضاهر
د. إيمان ضاهر

عندما كانت الذاكرة هي الكتابة الوحيدة "غنى الإنسان"، وعندما ولدت الكتابة "خفض صوته،" وعندما تم تحويل كل شيء إلى أرقام "صمت".



فيا لها من تحية جميلة إلى قارئي المتيقظ في التحدث عن الكتابة اليدوية، فأنا ما زلت أكتب دائما في دفاتر جميلة كل يوم، وأرسل بطاقات بريدية رائعة لأحبائي وأصدقائي. وقلمي يخط حبره على ورق عالي الجودة، يا لها من فرحة!

 

يقال "لقد ركلني باليد التي يكتب بها"، فكاتب النثر يكتب والشاعر يكتب وبين الحالتين من الكتابة هناك وسيلة موحدة ومتصلة لا تنفصل، حركة اليد، يد الإنسان، التي تلحق الحروف الصورة المجسمة الصالحة والكاملة، المؤرخة والموقعة من يد الموصي.

 

أليست اليد تتكلم في الكتابة، وفي القراءة تسمع العيون الكلمات؟ صور الفكر الملهم باليد كما يقول الشاعر فيكتور هوغو نصغي "لصوت أرجوحة اليد، وهي تتحرك لتعالج، عمل شفاء ليس شفائي فقط بل شفاء الحياة من المعاناة التي تقوضها الظروف الصعبة". ويتابع "بيني وبين العالم نافذة لا يمكنني فتحها لا تمتع بما خولها إلا بقلمي تحركه يدي الوسيلة الفضلى  لتجاوزها دون كسرها".

 

ومن وادي العدم الذي تعيشه الكتابة اليدوية اليوم، أردت انتشالها وإعادة إعمارها لأسأل نفسي لمَ أكتب ولمن أكتب؟ وإذا كان لابد لي من الكتابة فإن يدي ستكون سلامي ودليلي يطلقها قلمي بحرية في محاسن اللغة لا عثر  على الكلمات التي تنير هدفي وتعزز ذكرياتي.

 

 

وتمضي أصابعي برشاقتها المعتادة حاضنة قلمي، قلم من نور كاتب قدري ليجابه الرياح العاتية لتكنولوجيا لوحة الأرقام الخالية من الروح. لقد حان الوقت للبحث في كل أمر عن إمكانيات الآلة واليقين بأنها ليست قوة اساسية  للغد إنما صلابة الجوهر تكمن في الأرابيسك الموصوفة باليد. 

 

ولا سبيل لتعداد فوائدها التي لا تحصى في الحفظ واستيعاب الافكار وتغذية الإبداع ومساعدة الدماغ على التركيز ونموه، وتنمية المهارات الحركية.

 

فلنصغي لعبارات أحد علماء النروج في التربية وتنمية المهارات الأساسية من خلال التعليم  اليدوي: إن استخدام القلم والورق يمنح الدماغ المزيد من الخطافات لتعليق ذكرياتك عليها. فالكتابة باليد تولد نشاطا أكبر بكثبر في الأجزاء الحسية والحركية في الدماغحيث يتم تنشيط الحواس عندما نكتب باليدي يضغط القلم على الورقة وتنساب الحروف بغزارة حبها "اكتب واسمع الصوت الذي ينبع اثناء الكتابة".

 

 أليست هذه التجارب الحسية تخلق اتصالاً بين أجزاء مختلفة من الدماغ وتدعونا أن نتعلم بشكل أفضل ونتذكر بشكل أفضل، كما لخص العالم فان دير مير في بيان صحفي. 

 

دون تجاهل الجوانب الإيجابية للتكنولوجيات الجديدة. لكن يجب الحفاظ على تعلم الكتابة اليدوية. وأليس أمرا مدمرا أن تختفي من حياتنا الإنسانية؟

 

إنه أمر فظيع التخلص من الكتابة اليدوية، فهي تلعب دورًا حيويًا في التعلم، بما في ذلك القراءة.. الإيماءة، الحركة تسمح بالتكامل على المستوى المعرفي.. في الكتابة، نستخدم المهارات الحركية الدقيقة، لذا فإن حركة الأصابع مطلوبة، ولهذا السبب ترتبط القراءة والكتابة ارتباطًا وثيقًا، فمن المهم جدًا الحفاظ على الكتابة اليدوية لإعطاء كل فرصة للتعلم بشكل أفضل.

 

يفضل العديد من الروائيين الكتابة باليد قبل نسخ كتاباتهم على جهاز الكمبيوتر. وهذا يسمح برؤية أكثر تنظيماً على مستوى العقل، وتسمح لنا هذه الإيماءة المكتوبة برفع مستوى الوعي في نفس الوقت الذي نكتب فيه.

 

وأخيرا، يا له من عار لو اختفت الكتابة المخطوطة! أود أن أقول، لما يهمني، بعد أن كتبت كثيرًا ولفترة طويلة بخط اليد، أن الكتابة المتصلةهي كتابة القلب، والإلهام، وفي نفس الوقت هي انعكاس لشخصية المرء. عندما يتم وضع الكلمات على دعامتها الورقية، فإنها تكون  حاسمة تقريبًا إذا كانت عبارة عن حرف لا يمكن شطبه. إذا كانت مخطوطة، فقد يتم  شطبها أثناء القراءة وإعادة القراءة، وربما يتم تجعيد الورقة وإلقائها في سلة المهملات إذا  تم الحكم عليها بأنها غير صائبة. كتابة النص على لوحة المفاتيح لا تتطور بنفس العمق. تتدفق الكلمات بشكل أكثر وبسرعة أكبر الإلهام عفوي، ولكن ربما أكثر فوضوية.

 

ماذا يهم إذا لم يتبين أنهم على حق؟ سيتم حذفها أو نقلها أو استبدالها دون صعوبة، هذه هي سهولة الكمبيوتر. في الكمبيوتر، أدرك بشكل أساسي القدرة على العرض والتنسيق وسهولة القراءة. وما زلت مقتنعًا بأن نصوصي لا يمكن أن تتمتع بنفس عمق التفكير. 

 

أخشى بشكل أساسي شيئًا واحدًا أصبحت على دراية به: الكتابة بشكل أقل باليد، وألاحظ مع الأسف أنني أكتب بشكل أقل جودة وسهولة.

 

 هل سأظل قادرًا على كتابة رسالة حب جميلة، أو قصة قصيرة، أو مخطوطة رواية بنفس القلب، ونفس العاطفة؟

 

ولذلك فإنه من المستحسن عدم فقدان سهولة وراحة الكتابة المتصلة، مع العلم أن الكمبيوتر أصبح الأداة الأساسية للجانب العملي.

 

ربما يكون الوضع المثالي هو المضي قدمًا على مرحلتين: "مسودة" مكتوبة بخط اليد لعمق الإلهام، والانتقال بعدها على اللوحات الرقمية. 

 

أستاذة في الأدب الفرنسي واللغات والفن

الدرامي من جامعات السوربون في باريس  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز