مودي حكيم
في حضرة مسؤول محترم
الإدارة في مصر معضلة كبيرة، تحاصرها الكثير من الأمراض المزمنة الموروثة، ومشكلات نتيجة غياب ثقافة العمل، والروتين، والأداء الوظيفي، وغياب الرؤية، تحد من كفاءة الموظف والرضا عن أدائه، وأعباء الإدارة تقع على المدير وحده، يتحمل أخطاء الفريق ككل، ويتعرض للنقد والهجوم دائما، من المرؤسين في السر والعلن. رغم أن التعاون الفعَال والتفاعل السلس بين المديرين وفريق العمل أحد أساسيات النجاح.
وفي الوقت نفسه هناك ثمة من المديرين يظن أن من يحمل لقب المدير يتربع على منصة إغراء جديرة بالتهنئة والتبريكات ومشبعة بما يدهش ويبهج، منهم مهووس التحكم يحتفظ بكل ما يجري في راحة أيديه، يحب ألا يأخذ موظفوه أي قرارات، وهناك المستبد من المستحيل الانسجام معه وهو مقتنع بأنه الشخص الوحيد المختص الذي يعمل في الشركة، ومستبد بآرائه، لا يهتم بالعاملين معه ولا يري أي شيء يفعله الآخرون بما يكفي لإرضائه.
وهناك الباحث عن اللوم، يبحث عن أي مشكلة صغيرة ليبدأ بوضع اللوم على موظفيه، ويلوم فريقه عند أي خطأ.
وضعتني ظروف العمل في لقاء مع مدير مختلف تماماً عن هذه النماذج، وتمنيت أن يكون كل المديرين مثله، يتمتع بشخصية كاريزمية، أحد المديرين المسؤولين في وزارة المالية، عندما طلب مني المحاسب القانوني محروس إسحق مصاحبته لمقر مأمورية ضرائب الشركات، التابع لمصلحة الضرائب المصرية، القريب من مجلس الشعب لمناقشة أوضاعي المالية، وحقوق الدولة المادية تجاهي، ترددت كثيراً، في لقاء البعبع الضرائبي كما يصوره البعض. استقبلتنا ببَشَاشّةُ وطلاقة وَجْه ولُطْف ٌ وابتسامة تهلل أذابت قلق اللقاء، وكأنها التقت عزيزا لها، السيدة سماح محمود عطية مدير مكتب رئيس المأمورية، مرحبة بنا، جلسنا دقائق انتظار في مكتبها، أبهرني أسلوبها في التعامل مع الممولين، تؤمن لهم الحلول قدر الإمكان لمشاكلهم ومتطلباتهم دون إزعاج رئيسها، لم يطل الانتظار طويلاً، لتقودنا لمكتب رئيسها السيد عاطف حمدي حسن وكيل أول الوزارة، ومع إصرار مضيفنا وكرمه تناولنا القهوة، وهو منصت جيد لما يقال متعاطف مع من لجاء إليه، أبهرني أسلوبه والأداء المنسجم والمنظم بمشاركة مجموعة من أفراد مكتبه، يجيد التواصل مع الآخرين والاستماع إليهم. وجدت فيه مديرا قادرا على التنبؤ وبُعد النظر، واتخاذ القرار والقدرة على قيادة الأفراد والتنسيق بينهم ، يوجّه وينسق ويراقب ويحافظ على الأداء المنسجم والمنظم بمشاركة مجموعة من الأفراد، حدّد أدوارهم وبالمقابل مجازاتهم، فهو الرئيس الأعلى في منصبه ودوره القيادة العامه لأفراد المؤسسة. لم يستغرق الأمر الكثير، استمع لي واستمعت له، حدد وعَّرفَ بالمشكلة، قيم وبمهارة شديدة وحنكة، خط سطوراً في ورقة صغيرة، موجهة لأحد أفراد فريق العمل فيها الحل بطريقة عادلة لجميع الأطراف، توجهت بها لمكتب مجاور، وبنفس الجو ودفء المشاعر المنبعث من إدارة حكيمة، تجاوب معي زملاؤه في الإدارة، وضعت النقاط على الحروف، وانقضى الأمر بسلاسة.. وودعني الرجل ومديرة مكتبه بنفس الاهتمام الذي استقبلاني به. تمنيت أن يكون الجهاز الإداري في مصر على هذا المستوى من الوعي فى تقديم الخدمات للمواطن. في بيئة عمل تتمتع بقدر كافٍ من المصداقية والشفافية وسهولة التواصل المزدوج بين الطرفين. لابد من إحداث نقلة نوعية كبيرة في الطريقة التي تعمل بها الإدارات الحكومية، باختيار القائد الجيد الذي يتحمل المسؤولية ويتصرف بحكمة في الأوقات الصعبة. ومن أجل تقييم المهارات القيادية للموظفين واختيار الموظف الأنسب لتحمل المسؤولية والارتقاء في السلم الوظيفي؛ ومؤمن بأنه لا يستطيع أن ينجز كل شيء بمفرده، وأن العمل الجماعي هو الطريق الأمثل لتحقيق النجاح. فلا يستطيع القائد الذي لا يهتم بأعضاء الفريق أن يحقق المطلوب مهما كانت كفاءته، ومن المهم جدًا أن يعمل على إعداد موظفيه ليتقلدوا بدورهم مناصب قيادية في المستقبل، وتقييم أداء الأفراد بالتحفيز والتشجيع اللازم بتقديم المكافآت المادية والمعنوية أو الترقيات أو خطابات الشكر.