عاجل
الثلاثاء 14 يناير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
فوضى الألقاب وواقعنا المعاصر

فوضى الألقاب وواقعنا المعاصر

لعل أسبابًا مهمة دفعتني للكتابة عن هذا الموضوع، أهمها فوضى الألقاب التي تضاف إلى كل من هب ودب، ألقاب تمنح وشهادات تعطى بدون وجه حق.



 

ومن هذا المنطلق كان ينبغي أن يكون لنا موقف من هذا الأمر.

فآثرنا أن نتحدث عن هذا الموضوع لعل وعسى صوتنا يسمع وما نكتبه يلاقي صدى عند صناع القرار فيبادروا ويوقفوا  مثل هذه المهازل التي تصيب المجتمع في صميمه فتعم الفوضى ويختلط الحابل بالنابل.

منذ فترة وقبل أن أحصل على درجة الدكتوراه رسميا لأن اللجنة توصي بالمنح وتمر الدرجة بمراحل تبدأ من لجنة الحكم والمناقشة ثم اعتماد المنح من مجلس القسم ثم مجلس الكلية ثم مجلس الجامعة ، قبل أن أمر بهذه المراحل ذهبت لقضاء أمر ما عند مكتب عميد الكلية ألقيت عليه السلام قال أهلا وسهلا يا أستاذ فلان، قلت لقد منحت درجة الدكتوراه ، بادرني بالرد قائلاً لم يأت منحك من الجامعة.

الشاهد فى هذه الرواية أن حتى موظف الكلية لم يعترف بدرجتي العلمية إلا بعد ثبوتها رسمياً وإرسال القرار الرسمي المعتمد من مجلس الجامعة.

عندما أطلق المعصوم ﷺ لقب سيف الله المسلول على خالد بن الوليد، رضي الله عنه فهو لقب استحقه بجداره لصولاته وجولاته وفتوحاته، وكذلك لقب الصديق على سيدنا أبو بكر لقب به بحقه لأنه صدق النبي في رحلة الإسراء والمعراج، وكذلك الفاروق عمر بن الخطاب لاشتهاره بالعدل، وجعفر الطيار، وشيخ المجاهدين عمر المختار لجهاده الطويل ضد الاحتلال الإيطالي لليبيا، وأحمد ياسين الحمساوي شيخ المجاهدين الشيخ القعيد الذي اغتالته صواريخ الصهاينة الغادرة. وغيرهم كثر، هؤلاء استحقوا الألقاب عن جدارة.

أما الآن فنجد سائق الميكروباص والتوك توك، أنا لا أقلل من شأن أي عمل شريف، فكنت يوما ما أعمل في دهانات الموبيليا - نلقبه بالباشمهندس، والبشتمرجي بالدكتور.

إنها فوضى الألقاب التي يعج بها واقعنا الذي نحياه. فضلا عن ألقاب أديب، مفكر، الكاتب الصحفي، الفنان، الكاتب الصحفي الفلاني، المطرب الفلاني وتسمعه تجده مطرما تصاب عند سماعه بالغثيان والكاتب العلاني تقرأ له تجد ما يكتبه حتى لا يستحق عناء قراءته، وكذلك لقب أديب لقب مهم جدا لا يمكن بحال من الأحوال أن نطلقه على عواهنه فليس كل من كتب كام سطر ووضعهم بين دفتي مجلد نشرته له دار مجهولة الهوية (تحت السلم)، نلقبه بالأديب، قصة من تأليف الأديب الفلاني، يا جماعة الخير لا يمكن إطلاق هذه الألقاب ولو حتى على سبيل التشجيع، لأن هناك من تغلب عليهم نرجسيتهم ويعيشون الدور متقمصين شخصية الأديب ويتعالى على خلق الله، وكذلك الشاعر كذا وتقرأ لا تجد شعرا ولا وزنا ولا قافية ولا عروضا ولا مضمونا، أساسا. وكذلك الإعلامي كذا وهو ولا إعلامي ولا حاجة، وإن سألته عن أبجديات الإعلام سواء إذاعة أو تليفزيون أو صحافة لا يعلم الألف من كوز الذرة. أين ثقافة هؤلاء لا توجد، أين لغتهم العربية لا توجد، الإعلام المرئي ليس مظهرا فقط وإن كان المظهر مطلوبا، المظهر المنضبط لا الفج، لا الكاسيات العاريات.

أحبتي الكرام إن ما يحدث من هذه الفوضى لجد أمر خطير يهدر قيمة الكتاب الحقيقيين، فضلا عن أن ذلك يضرب المنتج الثقافي والفكري فى الصميم.

نعلم كثيرون من العلماء الخلص لم يكتبها حتى قبل أسمائهم لقب دكتور ويوقعون بأسمائهم فقط وإذا ما سألتهم تجدهم يردون بمنتهى التواضع، المهم فكرنا يصل للناس وهو الذي سيخلد أسماءنا.

بل وقرأنا ذلك في مخططات كبار الفلاسفة فوجدناهم يكتبون أسماءهم فقط دونما لقب، بل ومنهم من كان يكتب الفقير إلى الله، العبد الراجي رحمة ربه.

نأتي إلى الشهادات التي تمنح، شهادة الدكتوراه الفخرية لمن تمنح هذه الشهادات، تمنح من جهات معتبرة بمجلس جامعة وتختم بشعار الدولة لمن، من أسهم إسهاما حقيقيا فى مشروع ما، أو أتى بفكر جديد أو حصل على جوائز عالمية سواء جوائز ثقاقية أو أدبية، لكن تمنح من جهات غير معلومة المصدر مجهولة النسب، تحت السلم، هذا ما لا يصح.

ما هذه الفوضى التي نحياها، عندما يأتي دارس ليلتحق بالدراسات العليا يمر بمراحل قبل تسجيله للدرجة العلمية، تمهيدي الماجستير أو دبلومة، وبعدها يختار موضوعا ما ومشرف يتعلم على يديه ويمكث سنوات قبل إجازة المشرف طباعته لرسالته، ثم يخضع للجنة حكم من كبار الأساتذة الأكاديميين يجلس أمامهم يتصبب عرقا ويسئل في بحثه عنوانه ومنهجيته ومتنه وهدفه ونتائجه ومصادره ومراجعه، ثم بعد ذلك تقرر اللجنة يجاز أم لا يجاز. حتى بعد الدكتوراه نرى الأمرين في بحوث الترقيات لدرجة أستاذ مساعد خمس سنوات من العطاء والمذاكرة والتعب والسهر وترقى أو لا ترقى، وكذلك الأمر بالنسبة للأستاذية.

احفظوا للألقاب هيبتها، والدرجات العلمية مكانتها. إذا أردنا حقا أن ننهض بكياننا الثقافي فلا بد من وضع النقاط على الحروف ولا بد أن يتوقف هؤلاء وأمثالهم عن الفوضى والعبث.

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز