عاجل
السبت 27 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
المحامي البليونير.. صديق النظام!

المحامي البليونير.. صديق النظام!

أومن بمقولة شكسبير "أعظم النعم في الحياة راحة البال، إن شعرت بها فأنت تملك كل شيء". 



 

منذ بدأت استعادة الذكريات خلال غربتي الثانية في مدينة لندن التي عشقتها، وأنا في حيرة من ذكر سيرة رجل التقيت به، وعرفته ورأيته عن بعد، الرجل الصامت بشطارته، كان من الصعب قراءته، ومعرفة ما يمر به من أحداث قد تزلزل عوالم من حوله. وكثيرًا ما كنت أتساءل هل ينعم رشدي صبحي بطل حكايتي براحة البال؟! يكفي أن كريم ابنه.. ركب طائرته الخاصة مع أصدقائه من دبي  لعمل مغامرة في الهند، لكن الطائرة تحطمت وتحطم قلب الأب.. الذي كان قريبًا جدًا من كل دوائر السلطة في مصر.                                                                     

 

ووسط حيرتي حاولت معرفة المزيد عن الرجل، تتوالى القصص والحكاوي المتناثرة عن البليونير الصامت المتواضع، الغارق في بحار الصفقات والتحالفات، ومن ضمن القصص والحواديت والنوادر التي تسمعها دائماً، والأقاويل التي تتناثر حول الرجل قبل هجرته للندن.

كانت شلة رشدي صبحي تسهر في ملهى البلفيدير بالدور الأخير من فندق هيلتون النيل.. وتنفق أكثر  من غيرها.. في وقت كانت فيه الناصرية على أشدها.. وهو ما جعلهم يحظون بلقب "لوردات الاشتراكية". أما شلته في لندن فكان أبرزها أشرف مروان وسمير رؤوف الذي كان يرأس ويدير في بداية السبعينيات المكتب السياحي المصري في لندن، وعندما انتهى تكليفه لم يعد لمصر، بل أسس شركة للعقارات يشتري القصور والمنازل القديمة ويجددها وهو يملك شركة لترميم البيوت الأثرية دون العبث بطابعها. 

 

 

وفي بداية التسعينيات ساعد سمير رؤوف ابنتيه على تكوين شركاتهما الخاصة ليواصلا الحياة الحلوة.. الابنة الكبري مصممة جرافيك ماهرة ومبدعة، عادت للقاهرة لتؤسس شركة للتصميمات بشارع البرجاس جاردن سيتي .. كما كان رؤوف واحدا من المترددين دائماً على صالات المزادات الشهيرة للتحف واللوحات والآثار ككريستيز  وسوثبي فهو جامع للأعمال الفنية، وهو سكندري الأصل.. يمتلك فيلا في منطقة رشدي تقع على "أربع نواصي".. وحاول أكثر من محافظ هدمها ولم يصلوا لشيء. أما صديقه أشرّف مروان، صهر الرئيس عبد الناصر، والمقرب للرئيس السادات والموثوق فيه، الحاصل على درجة الدكتوراه من جامعة لندن، فقد أتي إلى لندن بعد اغتيال السادات، وبقي فيها كمستثمر ورجل أعمال ورأس الجالية المصرية في لندن.                                                                               

 

منذ انتقل صبحي من الصعيد ليعيش في القاهرة، وقبل أن ينتقل ويستقر في لندن، كان  يسكن فيلا على كورنيش المقطم الذي كانت تديره شركة إيطالية فى فيلا على كورنيشه، بعد نصر أكتوبر 1973، تغيرت أحوال المقطم مجددًا.. تم تعيين المهندس عثمان أحمد عثمان كوزير للتعمير، والذي فتح ملف الشركة الإيطالية وناقش أسباب تعثرها ووجد أنها لم تنجز إلا فندقا وكازينو للقمار، وعددا محدودا من الكافتيريات والمطاعم. وبات الصعود للمقطم مرادفا للخطر أو المغامرات غير البريئة. ألغى عثمان عقد الشركة الإيطالية، وطرحها في الأسواق العالمية، فتقدمت شركة سويسرية بعرض للحكومة المصرية لشراء عقد الشركة الإيطالية، أي ما تبقى من الثلاثين عاما، وكان أصحاب هذه الشركة السويسرية اثنين فقط: كمال أدهم رئيس المخابرات السعودية لفترة طويلة من عمره وصديق الرئيس السادات، أما الشريك الآخر فكان رشدى صبحي  المحامي المصري السابق ومستثمر شهير في هذه المرحلة. كانت له مشاكل سياسية ومالية مع نظام الرئيس عبد الناصر فاستقر في أوروبا لفترة طويلة. وهناك تعرف على شخصيات مصرية وعربية رفيعة ومؤثرة ضمنهم كمال أدهم. لم يكن أدهم أو صبحي مستعدين للاستقرار في مصر لإدارة شركة المقطم، فاختارا ممثلا لهما في مصر لهذا المشروع ولغيره من مشروعاتهما. كان ممثلهما الشخصي هو أشرف مروان زوج ابنة الرئيس عبد الناصر، والمقرب جدا في هذا الوقت من الرئيس السادات وكاتم أسراره الثقيلة ومبعوثه الشخصي!

                                                                      

 

…وتتوالى الحكايات التي استعنت بمعلومات من مقال للعزيز الغالي الكاتب الكبير عادل حمودة.. عندما وصل أنور السادات إلى السلطة تضاعف دور رشدي صبحي.. فقد أهدى المصري الثري للرئيس الجديد مجموعة من سيارات المرسيدس المصفحة استخدمها في تنقلاته وتنقلات ضيوفه من كبار الشخصيات الأجنبية. لكن.. المساندة القوية التي قدمها رشدي صبحي إلى أنور السادات كانت بعد مظاهرات  "انتفاضة الخبز " بتسمية اليساريين، والتي أطلق عليها الرئيس السادات "انتفاضة حرامية" التي حدثت فى يناير 1977 التي هزت أركان حكمه وأصابته باضطراب نفسي حاد.. في ذلك الوقت طلبت مصر من البنك الدولي قرضا عاجلا لتجاوز الأزمة.. فاشترط البنك الدولي ضمانا للقرض من عثمان أحمد عثمان أو رشدي صبحي.. فلم يتردد رشدي صبحي في تقديم ما هو مطلوب.. وكان لابد من مكافأته. وافق أنور السادات على منحه مشروع هضبة الأهرام لبناء منتجعات سياحية بالقرب من أهم منطقة أثرية.. وهو ما أثار استياء المثقفين المصريين فشنوا حملة مضادة للمشروع قادتها الدكتورة نعمات أحمد فؤاد.. وانتهت بالتراجع عن المشروع.. ولم يقبل رشدي صبحي تعويضا عما أنفق عليه. أما المكافأة البديلة التي حصل عليها فكانت امتياز التصرف في أرض المقطم والمنتزه.. وأسس شركتين.. الشركة الأولى لتوزيع فيلات وكبائن المنتزه.. بجانب السماح لها بفتح نواد للقمار في فنادق خمس نجوم.. والشركة الثانية لتقسيم وبيع أرض المقطم.. ومقابل قروش زهيدة دفعت في المتر المربع بيع بجنيهات عديدة.. وكسب رشدي صبحي ملايين الدولارات في أيام معدودة. 

                                                                          

                                                                             

الرجل بالمصادفة البحتة كان جاري فى منطقة البيكادلي بلندن، وعندما عدت لمصر بعد غربتي الثانية اخترت مكتبا بحي جاردن سيتي العزيز إلى قلبي، المحتضن أحد جوانب مبنى روزاليوسف، ويحمل أحلى ذكريات بداية العمر، لأكتشف أن خيال الرجل يتتبعني ودون علمي في مقر عملي، الرجل تعرفت عليه كمسؤول يدير مجلس إدارة الكنيسة القبطية الوحيدة وقتها فى منطقة كينسنجتون جنوب غرب لندن، هادئ النفس، قليل الكلام، خَّيْر ويعطي بسخاء، أنفق الكثير على شراء الكنيسة، وتجديدها والإنفاق عليها، ويسكن بفيلا في واحدة من أغلى مناطق لندن سان جونز وود وريجينت بارك، كانت اللافتة التي تحمل اسمه في 8 شارع رستم - جاردن سيتي..رشدي صبحي خليل - استشارات قانونية. 

 

رحم الله الرجل وغفر له.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز