عاجل
الإثنين 4 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

دراسة قضائية تكشف أحكام القضاء الإسرائيلي الغائبة لقهر سكان غزة وشرعنة جرائمه

المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى
المستشار محمد عبدالوهاب خفاجى

يتساءل العالم وشعوبه وقاداته عن الأسباب التي أدت إلى العنف الدموى فى الجرائم المرتكبة على أرض غزة والنزاع المسلح الشرس منذ أكتوبر 2023 الدائر بين قوات الاحتلال الإسرائيلى وحركة حماس بقطاع غزة وراح ضحيتها ما تجاوز أحد عشر ألفاً من المدنيين خاصة الأطفال تجاوز 4630 طفلا والنساء تجاوز 3130 امرأة والشيوخ والمصابين أكثر من 29000 مصاب وهو نزاع مسلح لم يقم بين عشية وضحاها بل كان بسبب ماض ٍ طويل من الممارسات الإسرائيلية الخارقة للقانون الدولى وللحقوق الإنسانية لسكان غزة. 



 

وفي إحدى الدراسات القانونية النادرة تفك طلاسم الأسباب السابقة على مدار عدة عقود زمنية أدت إلى النزاع المسلح الاَن وما خلفه من جرائم الإبادة الجماعية بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وتكشف عن مدى المعاناة التي عاشها سكان قطاع غزة خلالها على أيدى قوات الاحتلال من أفعال غير إنسانية أدت إلى ما نحن فيه وتبين للعالم مدى القهر والظلم الواقع على سكان غزة حتى من القضاء الإسرائيلى ذاته الذي احتكم الفلسطينيون إليه من تصرفات الاحتلال البغيض أجرى المفكر والمؤرخ القضائي القاضي الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بدراساته الوطنية والقومية دراسة قيمة بعنوان أحكام القضاء الإسرائيلي الغائبة عن العالم لقهر سكان غزة وشرعنة جرائم الاحتلال غير الإنسانية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة بالمخالفة للحقوق الإنسانية للبشرية.

وهو عمل شاق قام به القاضى المصري من أجل الوصول لأصل الأحكام باللغة العبرية وكشفها للعالم.  

 

ونعرض للموضوع الأول من دراسة القاضى المصري عن حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بتأييد قرار إسرائيل بمنع الوقود والكهرباء عن غزة ووضعه في الميزان الدولي.

 

أولاً: وقائع قضية بقطع إمدادات الوقود والكهرباء عن سكان قطاع غزة أمام القضاء الإسرائيلي.

  

قال الدكتور محمد خفاجي، ترجع وقائع النزاع إن جمعية جيشا الإسرائيلية - المسجلة رسميا من 2005 وتعنى بحقوق الإنسان ومن بين أبرز أهدافها السعي من أجل حماية حقوق الفلسطينيين في كافة مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة خاصة حق التنقل - أقامت دعوى سابقة منذ سنوات أمام القضاء الإسرائيلى ضد رئيس الوزراء الإسرائيلى ووزير الدفاع  بسبب قطع  إمدادات الوقود والكهرباء لقطاع غزة , للمطالبة بالحاجة الضرورية إلى أنواع الوقود - البنزين والديزل - لتشغيل المستشفيات ومضخات المياه والصرف الصحي بشكل سليم، وكذلك لتزويد الكهرباء سواء عبر خطوط الكهرباء من إسرائيل أو عن طريق توفير الديزل الصناعي لتشغيل محطة توليد الكهرباء في قطاع غزة.

 

ثانياً: حجج قرار الحكومة الإسرائيلية بقطع إمدادات الوقود والكهرباء إلى القطاع كانت بسبب حماس.

 

وذكر استندت الحكومة الإسرائيلية إلى القرار الذي اتخذته اللجنة الوزارية لشؤون الأمن الوطني فى وقت سابق بحجة أن منظمة حماس منظمة إرهابية – على حد زعمها - سيطرت على قطاع غزة وحولته إلى منطقة معادية وتقوم بأعمال عدائية ضد دولة إسرائيل ومواطنيها بالعمليات القتالية في قطاع غزة بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون بشكل مستمر على أهداف مدنية في أراضي دولة إسرائيل، التي تستهدف المدنيين وجنود جيش الدفاع الإسرائيلي على المعابر الحدودية بين قطاع غزة ودولة إسرائيل لذا رأت الحد من إمدادات الوقود والكهرباء إلى القطاع وتقييد مرور البضائع إلى قطاع غزة، وفرض قيود على حركة الأشخاص من وإلى القطاع على زعم من أن بعض الوقود الذي يدخل قطاع غزة يستخدم فعليًا لأهداف مختلفة بأعمال عدائية ضد إسرائيل.  

 

وأضاف كان الوقود تشتريه سلطة الطاقة الفلسطينية من شركة "دور ألون" الإسرائيلية، والذي يقوم بتوزيعه موردون من القطاع الخاص لتوفير الوقود بأولويات تراعي الاحتياجات الإنسانية للسكان المدنيين، وعمل المولدات التي تشغل مضخات المياه ومحطات الكهرباء في غزة , ونعت الدعوى القضائية أن قرار حكومة إسرائيل أنه يشكل انتهاكاً للاحتياجات الإنسانية الأساسية لقطاع غزة. 

 

ثالثاً: حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بتأييد قرار الحكومة الإسرائيلية بقطع إمدادات الوقود والكهرباء عن سكان  قطاع غزة وأسبابه.

 

قال الدكتور محمد خفاجي: أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية بجلسة 30 يناير 2008 حكما بتأييد قرار الحكومة الإسرائيلية بقطع إمدادات الوقود والكهرباء عن سكان  قطاع غزة , وأقامت قضاءها على أنه منذ سبتمبر 2005، لم يعد لإسرائيل سيطرة فعلية على ما يحدث في قطاع غزة, وأن السلطة العسكرية الإسرائيلية التي كانت سارية في هذه المنطقة في الماضي انتهت بقرار من الحكومة، وليس على دولة إسرائيل واجب عام في ضمان رفاهية سكان قطاع غزة أو الحفاظ على النظام العام في قطاع غزة وأن الواجبات الأساسية لدولة إسرائيل تجاه سكان قطاع غزة تنبع من حالة النزاع المسلح القائم بينها وبين حركة حماس التي تسيطر على القطاع؛ كما تنبع هذه الواجبات من درجة السيطرة التي تمارسها دولة إسرائيل على المعابر الحدودية بينها وبين قطاع غزة.  ويضيف الدكتور خفاجى أن  فكر القضاء الإسرائيلى كان ظالما وقاهراً لسكان غزة إذ قالت المحكمة " كذلك من العلاقة التي نشأت بين إسرائيل وإقليم قطاع غزة بعد سنوات الغزو العسكري الإسرائيلى , مما أصبح قطاع غزة يعتمد بشكل شبه كامل على إمدادات الكهرباء من إسرائيل. لكن قطاع غزة يخضع لسيطرة منظمة إرهابية قاتلة- على حد زعم المحكمة -  تعمل دون توقف على ضرب دولة إسرائيل وسكانها، ومن ثم يتعين قطع الوقود والكهرباء عن سكان غزة". 

 

رابعاً: الحكم بقطع إمدادات الوقود والكهرباء لقطاع غزة يضر بالاحتياجات الإنسانية الأساسية لسكان قطاع غزة وينتهك القانون الدولي الإنساني.

 

وأشار الدكتور محمد خفاجى الرأى عندى أن حكم القضاء الإسرائيلى بقطع إمدادات الوقود والكهرباء لقطاع غزة قبل قيام حرب 7 أكتوبر 2023 بسنوات كان كاشفاً عن أن قوات الاحتلال الإسرائيلى اعتاد قهر سكان غزة - ولجأ مرة أخرى أثناء حرب أكتوبر ونوفمبر 2023 لذات الأسلوب غير الإنسانى الذي اعتادت عليه إسرائيل  -  وأن هذا الحكم عقابت به المحكمة العليا الإسرائيلية المدنيين من سكان غزة عقاباً جماعياً , ذلك إن قطع إمدادات الوقود والكهرباء لقطاع غزة تضر بالاحتياجات الإنسانية الأساسية لسكان قطاع غزة  سواء وقت السلم أو الحرب ,ولا ريب أن قطع أو تقليص إمدادات الوقود والكهرباء إلى غزة يلقى باَثاره الضارة على  المستشفيات ومن شأنه منع ضخ المياه النظيفة للسكان المدنيين في غزة، ويؤدي إلى نتائج خطيرة بالحياة اليومية والإضرار بالاحتياجات الإنسانية الضرورية لقطاع غزة ومستشفياته ونظام المياه والصرف الصحي وجميع السكان المدنيين , والتي كان على غرارها قصف القوات الجوية الإسرائيلية لمحطة توليد الكهرباء المحلية في عام 2006. ويؤكد إن قطع إمدادات الوقود والكهرباء لقطاع غزة يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنسانى وخرقاً للالتزامات الأساسية التي تحكم الأطراف المتحاربة أثناء النزاع المسلح، التي تتطلب منهم ضمان حماية السكان المدنيين وإخلالاً جسيماً لاحترام كرامتهم ومبادئهم الأساسية وامتناعاً عمدياً عن تعطيل مرور الإغاثة الإنسانية الأساسية إلى السكان المدنيين .

 

خامساً :البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف يوجب مرور السلع الأساسية للسكان المدنيين بالمواد الغذائية والملابس والأدوية المخصصة للأطفال والأمهات الحوامل, ويحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب

 

قال الدكتور محمد خفاجى الرأى عندى أيضا أنه يتطلب من أطراف النزاع المسلح السماح بمرور غير محدود للمعدات الطبية، والسماح بمرور المواد الغذائية والملابس والأدوية المخصصة للأطفال والأمهات الحوامل ذلك أن المادة (23) من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف المعقودة في 12 أغسطس 1949 والمتعلقة بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، تفرض قاعدة عامة والالتزام الأوسع الذي بموجبه يُطلب من أطراف النزاع السماح بالمرور السريع ودون عوائق للسلع الأساسية للسكان المدنيين .

 

وأضاف كما أن (54) من البروتوكول الأول تحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وكذلك أي هجوم أو تدمير أو إزالة أو جعل المنشآت التي يحتاجها السكان المدنيون عديمة الفائدة، بما في ذلك المواد الغذائية والمناطق الزراعية ومنشآت مياه الشرب , خاصة وأن اتفاقية جنيف الرابعة تلزم أحد أطراف النزاع بالسماح بحرية مرور الشحنات الموجهة إلى المدنيين في الدولة الطرف, فضلا عن تجنب إلحاق الأذى بالسكان المدنيين الذين يجدون أنفسهم في منطقة القتال.

 

سادساً : الاَثار الضارة لحكم قطع الوقود والكهرباء عن سكان غزة على مرافق التموين والصحة والتعليم 

وأوضح الدكتور محمد خفاجى قد ترتب على حكم المحكمة العليا الإسرائيلية السابق تأثير خطير على الغذاء والصحة لسكان قطاع غزة مما أدى إلى حالات وفاة المرضى للتأخير فى إجراء العمليات الجراحية والتعليم فتعطلت  المدارس والجامعات والمرافق مثل وسائل النقل العام والمستشفيات ومحطات ضخ المياه في قطاع غزة,  وأصبحت المستشفيات ومحطات ضخ مياه الصرف الصحي بلا وقود حتى  لتشغيل مولداتها الاحتياطية .  واضطرت الأمم المتحدة للتخلي عن المساعدة وتأثرت المنظمات الإنسانية أيضاً بالأزمة, فقد  نفد الوقود لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)  مما اضطرها إلى التوقف عن توزيع الغذاء , وأيضاً اضطرت منظمة أطباء بلا حدود إلى تقليص عملها، ولن تتمكن الأونروا ولا برنامج الأغذية العالمي، اللذان يُطعمان معًا أكثر من مليون من سكان غزة، من البدء في توزيع الغذاء مرة أخرى حتى يحصلوا على وقود الديزل لشاحناتهم على نحو ما انتهى إليه تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر. ويؤكد الرأى عندى أن حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بقطع إمدادات الوقود والكهرباء عن قطاع غزة بحجة الهجمات الصاروخية الفلسطينية على جنوب إسرائيل , يتعارض بصفة صارخة مع تلبية الاحتياجات الإنسانية الحيوية في غزة , ويستهدف المدنيين بشكل عشوائي , الرجال والنساء والأطفال , ويحول الحياة اليومية إلى مستحيل , ويحرم السكان حتى من الحصول على مياه الشرب النظيفة في منازلهم ويعطل عمل مضخات المياه والصرف الصحي.

 

سابعاً : إسرائيل كيان محتل  لقطاع غزة يتوجب عليها ألا تقطع الوقود والكهرباء عن ساكنيها وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة 

 

وذكر هذا الحكم قد عارضته بشدة جمعية جيشا الإسرائيلية ذاتها وهى التي  رفعت الدعوى القضائية ضد قرار الحكومة الإسرائيلية  وأعرب " ساري باشي " المدير التنفيذي لجمعية "جيشا" - حينما صدر الحكم - عن انتقاده لحكم المحكمة العليا الإسرائيلية ووصفها بأنها سابقة قانونية خطيرة تسمح لإسرائيل بمواصلة انتهاك حقوق سكان غزة وحرمانهم من الاحتياجات الإنسانية الأساسية في انتهاك للقانون الدولى وعقاب جماعي في أبشع صوره

 

وأستطرد د خفاجى كما إن التزامات إسرائيل الدولية يتوجب عليها ألا تقطع الوقود والكهرباء , وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة بحسبان أن إسرائيل كيان محتل  لقطاع غزة , وعلى إسرائيل التزامات دولية تجاه قطاع غزة على تلبية "الاحتياجات الإنسانية الأساسية" لسكان القطاع بالمخالفة للقانون الدولي الإنساني المتعلق بالاحتلال العسكري الذي لا يزال ساريًا , كما أن قطع الوقود والكهرباء عن قطاع غزة يرقى إلى مستوى العقوبات الجماعية والأعمال الانتقامية المجرمة دولياً بموجب اتفاقية جنيف الرابعة  .

وأختتم الدكتور محمد خفاجى فكم من ظلم وقهر وطغيان عايشه الفلسطينيون من سكان قطاع غزة منذ سنوات طوال من قوات الاحتلال الإسرائيلى وسائر سلطات إسرائيل حتى القضاء منهم , ولا يعلم العالم أجمع شيئاً مفصلاً عن أحكام القضاء الإسرائيلى التي شرعنت جرائم الاحتلال وخرقت الالتزامات والواجبات الدولية واغتصبت أرض فلسطين وثرواتها وقهرت سكانها , وجعلت من إسرائيل نفسها كياناً متجبراً سامياً مستعلياً مستكبرا فوق البشر والدول,إن سكان غزة تعرضوا لطغمة فاجرة على مدار سنوات مضت ظلت دفينة فى النفوس هديراً مدوياً لا يتحمله بشر حتى تاريخ 7 أكتوبر 2023.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز