عاجل
الأحد 20 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البريكس
البنك الاهلي

عاجل.. باحث في الشؤون الأمريكية يكشف دور مجموعة البريكس في الاقتصاد العالمي

أعد الباحث في الشؤون الأمريكية عمر عبدالعاطي، تقريرًا مطولًا نشره مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحت عنوان "ملامح دور مجموعة البريكس في الاقتصاد العالمي ومستقبله"، 



 

 عمر عبدالعاطي باحث في الشؤون الأمريكية

 

 

وقال :تعد مجموعة البريكس، التي تضم كلًّا من الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، من أهم التجمعات الاقتصادية العالمية، حيث تشكل دولها الخمس 40% من إجمالي سكان العالم، و30% من مساحة الأراضي في العالم، وتمتلك ما يقرب من ربع الناتج المحلي العالمي. وخلال العقد الأخير أضحت المجموعة تلعب دورًا منافسًا للمؤسسات الاقتصادية الدولية التي يقوم عليها على النظام الدولي الحالي، الذي أنشأته الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية في عام ١٩٤٥. وقد أصبحت تشكل قوة اقتصادية متنامية ومحركة للنمو العالمي والتجارة والاستثمار، ولذلك تحظى بمكانة مهمة في الاقتصاد العالمي. ولذلك،  تسعى  عديد من دول الجنوب العالمي بالانضمام إلى عضويتها، فقد أعربت 19 دولة "13 دولة رسميًّا، وست دول أخرى بشكل غير رسمي الانضمام للمجموعة" عن رغبتها في الانضمام للبريكس، بينما تستعد لعقد قمتها السنوية في جنوب إفريقيا في أغسطس 2023، ومنها دول عربية مثل مصر، والسعودية والجزائر. 

وأضاف أن مجموعة البريكس تتمتع بمزايا كثيرة تؤهلها للقيام بدور فاعل في مستقبل تحولات الاقتصاد العالمي، ولتقليل الهيمنة الأمريكية والغربية عليه، والتي استمرت لعقود منذ انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، ونهاية الأزمة الباردة مع بداية  تسعينيات القرن المنصرم؛ لتنوع اقتصادات أعضائها، حيث تمتلك البرازيل اقتصادًا يعتمد على الزراعة، في حين أن روسيا مصدر رائد للطاقة، والهند قوة اقتصادية ناشئة لديها طبقة متوسطة كبيرة ومتنامية، في حين أن الصين قوة عظمى اقتصادية وتصنيعية، وتعد دولة جنوب إفريقيا لاعبًا رئيسا في صناعة التعدين، وهو ما يعطي المجموعة ميزة تنافسية قوية، ويجعلها قادرة على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها مجموعة السبع "G7" وامتلاك القدرة على إحداث تغييرات كبرى في النظام الدولي الحالي، من خلال وضع أسس لنظام اقتصادي دولي جديد. 

 دور دولي متنام

وأشار عبدالعاطي إلي أن مجموعة البريكس تسعى إلى أن تكون بديلًا للمؤسسات المالية والسياسية الدولية القائمة، حيث يحاول أعضاؤها الخمسة وضع نفسها كممثلين للجنوب العالمي في مواجهة مجموعة السبع، التي تعد منتدى غير رسمي للدول الاقتصادية الأكثر تقدمَا في النظام الدولي الراهن، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا، وألمانيا، واليابان، ولإحداث تعددية اقتصادية في الوضع الدولي القائم بعد فترة من الهيمنة الأمريكية والغربية.

 

 وأكد عمر عبدالعاطي أن دور البريكس يشهد تناميًا في الاقتصاد العالمي خلال العقد الماضي، ومتخطية أكبر التجمعات الاقتصادية العالمية. فكشفت تقارير استنادًا إلى معيار تعادل القوة الشرائية "PPP" أن مساهمة المجموعة في الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي في تزايد، وتتجاوز مساهمة دول مجموعة السبع، التي تضم الاقتصادات الأكثر تقدمًا في العالم. 

 

واوضح أن روسيا والصين  تقودان أعضاء المجموعة في الدعوة لنظام دولي أكثر إنصافًا، تتمتع فيه دول الجنوب بدور أكبر، ولذلك دعوا لإجراء إصلاحات في مؤسساته الرئيسة، ولا سيما منظمة الأمم المتحدة، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، لتعكس تحولات القوة دوليًّا من الغرب ممثلًا في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية إلى الشرق ممثلًا في القوى الآسيوية الصاعدة وفي مقدمتها الصين. 

 

وألمح عبدالعاطي إلى أنه بجانب حديث دول مجموعة البريكس عن أن المؤسسات الدولية القائمة التي أسستها الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية لا تعكس الحقائق الدولية، فقد شرعت المجموعة بالفعل في تأسيس مؤسساتها المالية والتمويلية البديلة لمؤسسات بريتون وودز، والتي لا تعطي حقوقًا متساوية للدول في التصويت، وخاصة الدول النامية. فقد أنشأت البريكس بنك التنمية الجديد، الذي يقع مقره في شنغهاي، في عام ٢٠١٥ بقيمة ٥٠ مليار دولار، لتمويل مشروعات البنية التحتية، والتنمية المستدامة في دولها، والدول النامية. وينظر  إلى  البنك على أنه مؤسسة بديلة للبنك الدولي، ولا سيما بعد تحالفه مع البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تقوده الصين. وسيقدم البنك ما يقدر بـ٣٠ مليار دولار أمريكي لدعم الدول الأعضاء خلال الفترة من عام ٢٠٢٢ إلى عام ٢٠٢٦، ويخطط لإنفاق ٤٠٪ منها في التخفيف من الاحتباس الحراري بدول البريكس. 

 

كما أشار عمر عبدالعاطي إلى أن دول المجموعة وفي مقدمتها روسيا والصين في ظل تحديهما للقيادة الأمريكية المنفردة للنظام الدولي الراهن، وعدم رضائهما عنه إلى تحرير الاقتصاد العالمي من هيمنة الدولار. ومؤخرًا صدرت تصريحات متعددة لعديد من مسؤولي الدول الأعضاء في المجموعة عن تكثيف الجهود لتطوير عملة بديلة للدولار، فقد ذكر نائب رئيس مجلس الدوما الروسي، ألكسندر باباكوف، في مارس الماضي "٢٠٢٣" أن روسيا تقود الآن الجهود لتطوير عملة جديدة لمجموعة البريكس تستخدم في التجارة. وقد سبق أن قال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في يونيو الماضي "٢٠٢٢" إن دول المجموعة تعمل على تطوير عملة احتياطية جديدة على أساس سلة عملات للدول الأعضاء. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في يناير ٢٠٢٣ أن قضية تدشين عملة جديدة للمجموعة ستتم مناقشتها في قمة البريكس القادمة في جنوب إفريقيا بنهاية أغسطس 2023.

وخلال لقائه بنظيره الصيني في إبريل الماضي دعا الرئيس البرازيلي الدول النامية للعمل على استبدال التعامل بالدولار في المعاملات التجارية الدولية بعملاتها الخاصة في تدعيم لجهود بكين لإنهاء هيمنة الدولار على التجارة الدولية. ورغم عدم حسم دول المجموعة موقفها من إصدار عملة بديلة للدولار، فإنه استنادًا إلى المؤشرات الاقتصادية تتزايد فرص واحتمالات نجاح العملة الجديدة للبريكس التي من شأنها تهديد هيمنة الدولار كعملة احتياطية لدول المجموعة.

 

وسيمنح انضمام أعضاء جدد تمتلك صناديق سيادية كبيرة، ومن كبار منتجي الطاقة، مثل المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مجموعة البريكس نفوذًا عالميًّا قويًّا في مجال أمن الطاقة العالمي، وسيعزز من توسعها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب شرق آسيا من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة؛ مما يجعله على قدم المساواة مع مجموعة السبع. فوفقًا لصندوق النقد الدولي بلغ الناتج المحلي الإجمالي لدول مجموعة السبع نحو ٤٤ تريليون دولار أمريكي في عام ٢٠٢٢، في حين بلغ الناتج المحلي الإجمالي لأعضاء مجموعة البريكس نحو 26 تريليون دولار أمريكي. 

 

تلعب المجموعة دورًا مهمًا في الأمن الغذائي العالمي، فهي تضم ثلاثة من منتجي الأغذية الرئيسين الأربعة في العالم، حيث تعد روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم، والبرازيل أكبر مصدر للفول الصويا وثالث أكبر مصدر للذرة، والهند أكبر مصدر للأرز، ويمثل إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الزراعي للمجموعة أكثر من نصف المجموع العالمي. وقد اعتمد الاجتماع الثاني عشر لوزراء زراعة المجموعة وثيقة بشأن استراتيجية التعاون في مجال الأمن الغذائي للمجموعة، والإعلان عن إنشاء منتدى بشأن تنمية الشؤون الزراعية والريفية لدول المجموعة، في وقت يواجه فيه العالم أزمة غذاء عالمية في أعقاب الأزمة الروسية- الأوكرانية. 

 

 تحديات عدة

على الرغم من أن هدف مجموعة البريكس التدشين لمرحلة جديدة من التعددية الاقتصادية في النظام الدولي القائم، بموازنة التعددية السياسية الراهنة، وإنهاء الهيمنة الأمريكية الأحادية على النظام الدولي ومؤسساته، فإن هناك جملة من التحديات والعقبات التي تقوض من طموح المجموعة وأعضائها. فهناك مخاوف بين الدول الأعضاء من قيادة الصين جهود توسيع المجموعة، في إطار مساعيها لبناء نفوذ عالمي لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، بضمها حلفاء مقربين منها؛ مما يؤدي إلى تضاؤل نفوذ باقي الأعضاء المؤسسيين للمجموعة. ولا تمتلك دول المجموعة صوتًا مؤثرًا في أقوى المؤسسات العالمية التي يقوم عليها النظام الدولي الليبرالي، والذي يخدم مصالح ورغبات الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية بصورة أساسية.

 

ويعد غياب القواسم المشتركة بين دول المجموعة تحديًا رئيسًا لبناء موقف موحد على الساحة الدولية، والنظر للبريكس كتكتل دولي متماسك وقوي قادر على التعامل مع التحديات والأزمات الدولية المعقدة والمتشابكة في عصر دولي أضحت سمته الأساسية حالة عدم اليقين. فلدى الدول الأعضاء الخمسة أنظمة سياسية مختلفة إلى حد كبير؛ فالصين دولة ذات نظام سياسي قائم على حزب واحد، والحكم في روسيا مركزي للغاية. ورغم أن البرازيل والهند وجنوب إفريقيا تُعد من الدول الديمقراطية، فإنها تواجه تحديات تتعلق بالأوضاع الداخلية التي يتوجب عليها التعامل معها. 

 

كما أن مستويات التنمية الاقتصادية في دول المجموعة متفاوتة، فضلًا عن الاختلاف بينهم في الموارد المتاحة، والاتجاهات الديموغرافية. فغالبية سكان البرازيل حضريون، في حين لا تزال الهند ريفية إلى حد كبير، ولدى روسيا شيخوخة سكانية بينما الهند أكثر شبابًا. ويتمتع أعضاء البريكس بمكانة متفاوتة داخل النظام الدولي الحالي؛ فروسيا والصين قوتان دوليتان لديهما عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، في حين أن الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا دول تطمح فقط إلى التأثير الدولي، وهي مؤهلة حاليًّا كقوى إقليمية.

 

وتحد الخلافات السياسية بين دول المجموعة من تماسكها، فعلى الرغم من اتفاق أعضاء المجموعة الخمسة الحاليين على ضرورة الحد من الهيمنة المالية الغربية، وتعزيز تمويل المناخ للدول النامية، فإن جنوب إفريقيا والبرازيل والهند لا تشترك مع الصين وروسيا في وجهات نظرهما المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية بالدرجة نفسها، فضلًا عن التحالف العسكري والسياسي بين الولايات المتحدة والهند لمواجهة الصين، والخلافات الحدودية بين الأخيرتين التي تتأجج من فترة لأخرى. والبرازيل التي لا تزال تربطها علاقات اقتصادية قوية بواشنطن لا تنظر للأخيرة على أنها منافس استراتيجي. فضلًا عن أن الدول المخطط انضمامها للمجموعة من أقوى الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة الأمريكية، ولا يتوقع أن تعمل على إنهاء العلاقات والشراكات الأمريكية بالانضمام إلى المجموعة، ولن تسمح لعضويتها في البريكس من التأثير على تحالفها الأمني مع واشنطن، وهو الأمر الذي يضع المزيد من القيود على التعاون الأمني بين دول المجموعة.

 

خلاصة القول، رغم ظهور مجموعة البريكس كتجمع غير غربي لخلق نوع من الاستقلالية عن الهيمنة الغربية العالمية، وكتحدٍّ للنظام الاقتصادي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها لن تسعى  إلى تبني سياسات تعديلية في هذا النظام؛ لكون أن استمراره يسمح لأبرز دولها، الصين، من الصعود وزيادة قوتها الدولية، رغم التصريحات الروسية والصينية بعدم عدالة النظام الدولي الذي أسسته الولايات المتحدة الأمريكية على قيم ومبادئ تخدم مصالحها بصورة أساسية في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية في عام ١٩٤٥. 

 

وتفتقد المجموعة إلى مبادئ أيديولوجية موحدة وواضحة، ورؤية مشتركة لإدارة النظام الدولي، رغم مساعيها لتشكيل تعددية سياسية في النظام الدولي الراهن، وكذلك تعددية اقتصادية بتشكيل مؤسسات اقتصادية ومالية موازية ومنافسة لمؤسسات نظام بريتون وودز، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحد من قدراتها لتكون قوة اقتصادية دولية موازية لمجموعة السبع التي تعد المنتدى السياسي الرئيس للدول الغربية لتشكيل السياسات الدبلوماسية والاقتصادية العالمية.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز