د. عادل القليعي
لماذا نسأل؟!
نحاول في هذه المقالة الإجابة عن العديد من التساؤلات، سواء الميتافيزيقية أو الوجودية التي قد تطرح على ذهن وعقل الإنسان وقد تسبب له قلقا وجوديا وقد تتسبب له في اضطرابات نفسية، وقد تؤدي به تارة أخرى إلى التشكك في عقيدته ودينه.
بداية هذه الأسئلة، سيكون بالضرورة المنطقية وتماشيا مع تطورات العصر والأحداث المتلاحقة وما نتعرض له من أزمات وما نتعرض له من أوبئة فتاكة، وأزمات اقتصادية.
وأن الناس تتضرع بالدعاء إلى الله تعالى، وأن الله تعالى يؤخر الاستجابة لحكمة لا يعلمها إلا هو، فمهما بلغنا من رجاحة العقل فلا نستطيع أن نصل إلى إدراك كامل لكنه حقائق الأشياء.
فهل الله تعالى يخلقنا ويتركنا، ولماذا شرع الأديان، وهل هذه الأديان، وهل الإله الذي وهب الإنسان العقل وميزه بالإرادة الحرة التي يختار بها طواعية ودون إكراه من أحد، معتقده الذي يؤمن به ويعتنقه.
ونحن أبناء القرن الواحد والعشرين، قرن الحريات، وقرن الحداثة والمواكبة والمعاصرة والتقدم العلمي والتقني، قرن يعلي من قيمة العقل وإن كان الله تعالى قد أعلى من قيمته منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام في قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار.
ولنا في ابن رشد المثل والقدوة، نُكِّل به أحرقت مؤلفاته فبعد أن كان قاضي القضاة وفقيه قرطبة أصبح من المارقة، لماذا؟! يا أهل الحل والعقد أو كما أزعم، ناقشوه في أفكاره وآرائه بدلا من أن ينكل به ويضطهد من المنسوبين للدين بحجة أنه أتى بآراء مخالفة للعقيدة.
أي عقول أفسدها ولماذا حكمتم عليه هذا الحكم الجائر؟ هل هذه هي الدعوة إلى الله، الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة هل هذا هو الجدال بالتي هي أحسن؟
أين عقولكم أنتم يا أصحاب العقول النيرة حينما صببتم وابلا من اللوم والعتاب على الله سبحانه وتعالى وهو الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وتأخيره استجابة الدعوات، وأن الله لم يعتن بنا ويتركنا هملا تقذف بنا الحوادث والأحداث أنى شاءت، أين عقولكم، ألم تعلموا أن في تأخير الدعاء رحمة من الله تعالى، أما تعلموا أن الله تعالى يحب عبده اللحوح ويحب أن يسمع أصواتنا وأدعيتنا، قد يرد عليّ عقلاني أو متعقلن يقول وما الحكمة في أن يدعو العالم كله الله حتى ينقذ طفلا وقع في بئر، أما تعلم العلة في ذلك لحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى وسيظهرها في حينها، بقدر ووقت معلوم، هناك أمور لا بد أن يقف عندها العقل ولا يتخطاها فأي عقل يقبل أن يخرق الخضر السفينة، أي عقل يقبل أن يقتل طفلا بريئا، أي عاقل يقبل بهدم جدار، وهذه سنة كونية وطبيعة عقلية.
فلسفة السؤال، لكن هناك تساؤلات يأتي الجواب عليها في حينها.
لذلك أقول لا تلقوا باللوم على الله تعالى، إنه لما تأخر في اشفاء هذا من المرض، أو إنقاذ طفل وقع في حفرة، أو ينقذ أطفالا تجمدوا من البرد، فهذا لحكمة ألا وهي الإفاقة والاستفاقة، والاتحاد وترك الشتات والتجمع حول هدف واحد، نصرة الحق وقتها سيستجيب الله الدعاء، فالله تعالى قريب بل وأقرب إلينا من حبل الوريد، وأرحم بنا من والدتنا التي ولدتنا.
فيا أهل العقلاء اعملوا عقولكم بعقلانية وتعقلوا جيدا أنه لا يقع في ملك الله إلا ما قدره، وأن ثم ناموس كوني يسير بمقتضاه هذا الكون فلا يحيد ولا يميد قيد أنملة عن مرادات الله تعالى.
أيا أصحاب العقول إن كنتم حقا تفكرون تفكيرا صحيحا، فلماذا تكيلون بمكيالين لماذا تتركون من يتطاول على الصحابة ويتطاول على رواة الحديث ويتهمهم بهتانا وزورا بل ويسبهم بأبشع السباب والشتائم.
هل مع هؤلاء الأشاوس الأكارم الشتم والسب مباح لا ونترك الحبل على الغارب لمن يفعل ذلك، ولا أحد يمسسه بسوء.
لماذا؟ وكما اعملتم عقولكم وفكرتم في أنه تعالى لم يستجب الدعاء وترك الطفل مهملا في غيابات الجب، لماذا لم توظفوا عقولكم في الدفاع عن الحق وأهله.
مشكلتنا وقضيتنا الرئيسة خطأ التعميم، الدين في عصر مارتن لوثر كان يستغله رجال الكنيسة للحصول على الأموال الطائلة من أصحاب رؤوس الأموال تارة ومن الحكام الذين يريدون استمالة قلوب العوام عن طريق الحناجر التي تزعق بكلام معسول في طاعة أولوا الأمر لأن طاعتهم طاعة لله، وكذلك عصيانهم وعدم الامتثال لأوامرهم عصيانا للإله.
مالكم كيف تحكمون، وهاهو حالنا اليوم إلا من رحم ربي، من يسب ويلعن ويشتم ويأتي بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، صدق فيهم قوله تعالى (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا).
خطيئة التعميم لا نعمم فإذا كان هناك الغث والقبيح، فعلى الجانب الآخر هناك المستمسك بدينه القابض عليه كمن يقبض على الجمر، وهم لا أقول كثر ولكن لهم وجود وكتاباتهم تملأ الدنيا، هناك الذين يقولون قول الحق ولا يخشون فيه لومة لائم هناك علماء دين ربانيون يعلمون ما يفعلون يقفون مدافعين عن الدين بكل ما أوتوا من قوة، ولنا في هؤلاء أمثلة كثيرة تحيا بيننا.
لا تعمموا فالتعميم خطيئة وإصدار الأحكام على عواهنها رذيلة، فالخير موجود مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، الخير في وفي أمتي إلى أن تقوم الساعة.
وبعد هل أدركنا لماذا نسأل؟!
أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان