عاجل
السبت 28 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
ثقافة الاعتذار

ثقافة الاعتذار

بداية ما المقصود بثقافة الاعتذار؟!



الاعتذار يعني اعتذارًا عن خطأ ما ارتكبه إنسان ضد إنسان آخر، أو اعتذارا عن خطأ في حق معتقد ما أو فكر ما، كأن ينتقد إنسان شخصًا آخر ويثبت بعد ذلك أنه كان على خطأ فيبادر دون تكبر وعنجهية بالاعتذار للشخص الآخر.

 

أما ثقافة الاعتذار، وكيف يمكننا أن نجعل من مفهوم الاعتذار ثقافة للجميع؛ الكبير يعتذر إذا أخطأ والصغير يعود عن خطئه وكبره ويبادر بالاعتذار لمن هو من سنه أو أكبر منه.

 

وصور الاعتذار كثيرة منها التعبير التصريحي عن طريق المواجهة كأن يواجه الشخص المخطئ من أخطأ في حقه وجها إلى وجه، مقدما اعتذاره وعلى الآخر تقبل هذا الاعتذار أو لا يتقبله، فالأمر هنا نسبي مختلف من إنسان إلى آخر وحسب طبيعة الخطأ المرتكب في حقه.

 

ومن صور الاعتذار، الاعتذار المجازي عن طريق الإيماءات والإيحاءات للآخر أنه يقدم له اعتذارًا حفظًا لماء وجه الطرفين المعتذر والمعتذر له بضم الميم وفتح التاء.

 

كذلك من صور الاعتذار أيضا الاعتذارات المكتوبة، كأن يخطئ طالب في أستاذه لكنه يخشى بطش هذا الأستاذ أو نهره أو إحراجه أمام زملائه فيكتب قصاصة ورق مكتوبًا عليها أنا متأسف، أو عن طريق كتابة مقال في الصحف إن كان صحفيًا أخطأ مثلا في نقد سياسات ما للدولة أو هاجم أحد المسؤولين، أو وجه نقدًا لاذعًا ولا يمتلك أدلة على نقده أو سبه وقذفه فلان، فشجاعته الأدبية تقتضيه أن يبادر على الفور بتقديم الاعتذار وقرأنا كثيرا عن مثل هذه الاعتذارات فليس عيبا أن نعتذر عما بدر منا تجاه الآخرين.

 

أو اعتذار خطيب من الخطباء عما بدر منه من خطأ في تفسير آية أو نقل حديث موضوع منسوب خطأ للنبي ﷺ.

 

وأيضا من صور الاعتذارات الاعتذار المرئي المشاهد كأن يخرج على السوشيال ميديا شخص ما كأن يكون شخصية عامة كلاعب كرة مشهور أو سياسي كبير أو أديب وكاتب كبير ويقول والله حقكم عليّ لقد أخطأت في حقكم ورميتكم بالباطل، كمن يهاجم مثلا متهكما على الصعايدة أو الفلاحين أو يخوض في الأعراض فيخرج معتذرا وشاهدنا ذلك كثيرًا، لكن نقول لمثل هؤلاء تريسوا قليلا قبل إصدار الأحكام على عواهنها ورمي الناس بالباطل.

 

إلا أن هناك ثلاثة أنواع من الاعتذارات:

 

الأول: الاعتذار المادي، بمعنى كأن يرد المعتذر ما أخذه بغير حق من إنسان آخر فيعيده إليه مقدما اعتذاره ومغدقا عليه العطاء متمنيا أن يعفو عنه.

 

الثاني الاعتذار المعنوي، بمعنى الطبطبة بمحبة وعطف على من نخطئ في حقهم كأن مثلا الوالد صوته يعلو على أهل بيته في ساعة ضيق ونرفزة نتيجة قسوة وضغوط الحياة فيثور قليلا ثم يهدأ فيستشعر أنه أخطأ في حق زوجه وولده فيقوم بملاطفتهم بكلمة طيبة حنونة وودودة يزول معها كل شيء.

 

أما النوع الثالث فهو الجمع بين المادي والمعنوي، وهو الجمع بين النوعين السابقين.

 

أما ضوابط الاعتذار فأولها الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه وهذا ما حدث مع سيدنا آدم عليه السلام عندما اعتذر لربه ومن قبله الملائكة، واعتذارات سيدنا موسى المتكررة لربه سبحانه وتعالى.

 

وهذا ما حدث مع النبي، صلى الله عليه وسلم، عندما قال لعبد الله بن أم مكتوم، تعالى يا من عاتبني فيك ربي، مداعبا إياه معتذرا عما بدر منه في حقه، وما فعله عمر بن الخطاب معتذرا للمرأة عندما قال أصابت امرأة وأخطأ عمر، ليس هذا وحسب واعتذاره للمرأة التي كانت تربي أطفالها ولم تجد ما يسد جوعهم فشكت عمر وقال لها بعد أن حمل القمح إليها تعالى إلى أمير المؤمنين لتأخذي حقك، وقال لها بكم تبيعين مظلمتك؟ أليس هذا أروع اعتذار.

 

أما الضابط الثاني فهو عدم المكابرة والمعاندة والاعتراف بالخطأ والعزم الصادق على عدم العودة والتريث وعدم العودة إلى الفعل وإن كنت أرى أنها حياة نحياها وبما إنها كذلك فلا يمكن أن تخلو من أخطاء ومن ثم بات الاعتذار واجبا.

 

وبعد فإن واقعنا المعاصر وواقع أمتنا العربية والإسلامية يعج بالتناقضات والمتغيرات بين سلبيات وإيجابيات، عالم يظن الإنسان فيه أنه دومًا على صواب ورأيه الحق وقوله الصواب ومن ثم بات الوقوع في شراك الخطأ حتمًا محتومًا وقدرا مقدرا.

 

ومن هنا بات الاعتذار أمرا مقضيا على من يخطئ دون مكابرة وعنجهية وعناد خصوصا ونحن مجتمعات شرقية، لها عاداتها وتقاليدها ومبادئها وقيمها، والإنسان بطبعه لا يستطيع أن يعيش منعزلا عن واقعه وعن بني جلدته، ومن ثم وجب عليه الاعتذار إذا أخطأ سواء في حق إنسان مثله أو حيوان أو جماد أو شجر أو أي مكون ومقوم من مقومات حياته.

 

فكل بني آدم خطاؤون وخير الخطائين التوابون.

 

فلا تكابروا ولا تبرروا للخطأ بخطأ أكبر منه، وإن اعترفتم بخطئكم واعتذرتم فالجميع سيلتمس لكم الأعذار وستقبل اعتذاراتكم بل وسيثني عليكم الجميع.

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية – آداب حلوان  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز