عاجل
الأحد 7 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
مسرحية تشارلي تشابلن .. اقتراب ثقافي من الأعمال الجماهيرية

مسرحية تشارلي تشابلن .. اقتراب ثقافي من الأعمال الجماهيرية

إنه مسرح جديد أقامه فندق موفنبيك في محيط مجاور لمدينة الإنتاج الإعلامي.



مسرح مجهز بكل وسائل التقنيات الحديثة الصوتية والضوئية، وعلى بابه أطلق عليه تسمية المسرح.

 

وهو إنجاز يضيفه رأس المال المصري إلى عالم الثقافة والفنون.

 

دار عرض حديثة تحمل طابعًا من الفخامة والأناقة المصرية الخاصة.

 

وهي أناقة مبهجة تحتوي الحضور بدفء الألوان الساخنة في معظم الأرجاء، وهي نقطة ثقافية معمارية تضيف إلى المدن الجديدة، وتوسعات القاهرة العمرانية المبان الصديقة للثقافة، وهي مسألة يجب التشجيع عليها في كل المدن العمرانية الجديدة. 

 

يبدو أن حساسية مشتركة بين جيل واحد وقفت خلف تعاون الفنان محمد فهيم والمخرج أحمد البوهي في العودة لقصة حياة تشارلي شابلن ويظهر ذلك في عناصر العرض المسرحي التي تقدم مجموعة جديدة من المبدعين الشبان، والذين هم من المولعين بالسير تشارلز سبنسر تشابلن (16 إبريل 1889– 25 ديسمبر 1977) والمسرحية تعرض مسيرة حياته المهنية الإبداعية ببعض من تفاصيل حياته الخاصة، وهي تضع ذلك في قالب شبه توثيقي يقوم على حبكة بسيطة وهي الصراع بين حرية الفنان تشارلي شابلن وانحيازه للإنسان في مواجهة توحش رأس المال وسطوة القوة وبين سيطرة وانزعاج مدير مكتب التحقيقات الأمريكية الفيدرالية من إبداع وأفلام ورؤية تشارلي تشابلن للحياة، وهو ما يراه تهديدًا لمصالح الدولة الأمريكية.

 

وتبقى شخصية الأم، التي تظهر كطيف وكحلم هي العامل المساعد الأول لتشارلي تشابلن لمقاومة الصعوبات والتحديات الكبرى الموضوعية والذاتية التي واجهته كما تحرص عليها المسرحية.

 

وتأتي المناظر المسرحية لمصمم المناظر حازم شبل في صدارة عناصر العرض المسرحي بين رحابة واتساع فضاء "البلاتوه السينمائي" الذي يقضي فيه تشارلي تشابلن الوقت الأكبر من حياته، وبين ضيق ومحدودية الأماكن الأخرى مثل المنزل، ومكتب مدير التحقيقات الفيدرالي وغيرها.

 

يقدم حازم شبل منطقة أسفل وسط المسرح كمنطقة ساخنة تتحول من العالم الواقعي التوثيقي إلى عالم تعبيري عندما تحظى عبر الإضاءة والمؤثرات البصرية بلحظات اعتراف الشخصيات الرئيسية. 

 

كما تتيح الصياغة المنظرية شاشة خلفية هي جزء سريع التحضير من المنظر العام يمكن رؤية المادة الفيلمية عليها، وهي مادة تبدو دافعة للحنين للماضي، مع حداثة المنظر العام الذي تدور فيه الأحداث.

 

الموسيقى والألحان تحاول صياغة غربية الطابع رغم أن الحكي عن تشابلن هو حكي مصري والموسيقى تأتي كتعبير استعراضي عن حالات وجدانية متنوعة تربطها رابطة متسقة متجانسة من اختيار الآلات الموسيقية بحيث تشعر بأنك في وحدة شعورية موسيقية واحدة تأخذك إلى عالم ناعم موسيقي ينقصه قدر أكبر من المعالجة الموسيقية الدرامية.

 

إلا أننا أمام ملحن هو إيهاب عبد الواحد وموزع موسيقي هو نادر حمدي يبدو أنهما أمل ممكن في الدراما الموسيقية.

 

وتأتي الملابس لريم العدل لتحمل طابعًا مميزًا من التنسيق والدقة ومقدرة على استخدام الملابس المعاصرة بحساسية خاصة، توحي بالمعنى الدرامي للشخصية مثل ذلك التأنق المبالغ فيه في شخصية المدير الفيدرالي أو التأنق المزيف في شخصية الصحفية هيدا هوبر، وربما تصبح رهافة ريم العدل في اختيار وتنسيق الملابس حالة استثنائية حقًا في التعامل مع دلالة الاستخدام الدرامي للملابس المعاصرة، وفي المزج التعبيري في ملابس الأم والتي تحمل صياغة معاصرة لكنها ذات طابع رمزي لأنها تأتي من عالم المخيلة للبطل تشارلي شابلن.

 

أما عمرو باتريك فهو يستخدم مفردات الاستعراض البسيطة الدالة في خطوات تحاول صناعة التكوين الجمالي، وتأتي المكملات المسرحية التي قدمها د. محمد سعيد كجزء من عالم الصياغة الواقعية التي أختارها مصمم المناظر، لكنها تضيف إليه مصداقية، هي مصداقية الإتقان.

 

هذه العناصر المسرحية هي أدوات ومفردات مخرج جديد على عالم الاحتراف المسرحي يدخله من أكبر أبوابه وأصعبها وهو المسرح الموسيقي.

 

إنه المخرج أحمد البوهي وهو يمثل محاولة جادة للتعبير عن حق الفرد المبدع في خطاب مغاير للإنسانية، يأتي اختياره وهو صاحب الفكرة كما تشير إعلانات المسرحية بالمسرح، ذلك أن تعبير و(قصة وإخراج) ليس تعبيرًا احترافيًا، فالنص المسرحي هو لمؤلف محدد أو مجموعة مؤلفين، إلا إذا ذكر الإعلان أن المسرحية هي عن قصة للبوهي.

 

ولكن من الواضح أن البوهي عمل مع د. مدحت العدل أثناء كتابة العمل، وهي مسألة واردة في العمل الجماعي، عندما يلتقي مخرج صاحب مشروع فني مع كاتب محترف، ويجدر الذكر بأن دخول د. مدحت العدل هذه التجربة محتفظًا للبوهي بحقه الأول، ولنفسه بحقوق التأليف المسرحي والأشعار لهو نوع من الدعم المهني لشاب جديد ومقدرة على التفاعل مع مشروع جيل جديد يفكر بطريقته. 

 

والبوهي يحمل وهج التجارب الأولى بموهبته وطموحه ورغبته في صناعة عمل مسرحي مختلف ومعها أيضًا أخطاء الحماسة الأولى، ورغم أن أحمد البوهي يقدم إيقاعًا عامًا مسرحيًا متدفقًا ومبهجًا ومتسقًا في عناصره، ويحرص على رؤية فكرية شديدة الوضوح. 

 

إلا أن استخدام المسرح كله كمنظر واحد كبير حرمه من فكرة استخدام المناطق المسرحية، وقدرة جغرافيا خشبة المسرح على صنع المنظر الكبير والمتوسط الكبير والصغير ومتناهي الصغر.

 

وهي قدرة تتيحها خشبة المسرح، ولا ينتبه إليها إلا القليلون في المسرح المصري.

 

وهو الأمر الذي ينسحب على الفرصة المتاحة في العرض للمزج بين المسرح والسينما، وأعتقد أن أحمد البوهي ربما يفعلها بشكل أكثر دقة في المرات القادمة.

 

إلا أننا قد كسبنا مخرجًا جديدًا مهتمًا، ورغم أنه يبدأ بداية احترافية جماهيرية إلا أنه يحاول أن تأتي تلك التجربة بطابع ثقافي إنساني يفرض حضوره الواضح عبر حضور شخصية تشارلي تشابلن المبدع العلامة في الفن المعاصر، المتشرد الصعلوك المعبر عن القلق الوجودي للإنسان المعاصر، ورؤيته للحرية ومعاداته للقسوة وللحروب وبحثه عن سلام الإنسان.

 

وهو ما يتيح مجموعة عمل من الممثلين المحترفين الجدد، محمد فهيم في دور تشارلي يحمل طاقة جديدة ويمتلك السيطرة على جسده وأدواته، وأيمن الشيوي أستاذ التمثيل يؤدي دور المدير الفيدرالي بطاقة إبداعية شديدة الانضباط، أيمن الشيوي يمثل كما يجب أن يمثل أساتذة التمثيل الأكاديمي، هذا الضبط الانفعالي والمساحات الدقيقة التي تعبر عن فهم عميق للشخصية، وكذلك نور قدري وداليا الجندي تؤديان بحضور مسرحي واضح يحمل طابع الجدية والانضباط. 

 

أما د. مدحت العدل الشاعر الكبير الذي يحمل جمعًا وحساسية مشتركة بين المسرح والسينما والتفكير الإبداعي فسيبقى علامة خاصة على الجمع بين ما هو ثقافي وجماهيري معًا.

 

وتبقى تجربته في الكتابة المسرحية الغنائية تجربة تعد بالمزيد، مدحت العدل احتفل بالجانب السياسي في خطاب تشارلي تشابلن وهو جانب عام يحمل طابعه التاريخي ويمتد لعالمنا المعاصر. ولا شك أن هذه المحاولة للجمع بين ما هو جماهيري مندمجًا في سياق إنتاجي يستهدف موسم الرياض الترفيهي الواضح ومواسم بالقاهرة بجمهور مستهدف جديد في المسرح المصري، يقدم مع شركة "C. CINEMA" والتي يملكها أحمد فهمي وهاني نجيب محاولة جادة لرأس المال المصري الخاص لمحاولة إدماج الجانب الثقافي في المسرح الخاص في مصر، وهي حقًا محاولة جادة للجمع بين ما هو ثقافي وجماهيري في المسرح المصري، تستحق الإشادة والتأمل وتفتح طريقًا نتمنى أن يسير فيه الكثيرون.  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز