مودي حكيم
حكاوى العندليب وملك المغرب!
{أنا أحب مصر والعمل بها جدا، وأعتبر القاهرة بوابة العبور لملايين المحبين وعشاق الفن في الوطن العربي، وأعود للقاهرة بعد غياب، في عدد من الحفلات القريبة، أنا سعيدة بالتواجد في مصر، فلها مكانة خاصة بقلبي، فهي بلد الفن والجمال ومنبع الموسيقى والطرب الحقيقي، وأحببت أن تكون أول أغنية أطرحها هي أغنية مصرية، فأنا أعلم مدى أهمية مصر ومكانتها الفنية والموسيقية، فمصر هوليوود الشرق وبها نجوم ومحترفون بكافة المجالات الموسيقية. فأي فنان في مسيرته لا بد أن يكون عنده بصمة في مصر، فالجمهور المصري في الحقيقة ذوّاقون وسميعة والإعلام المصري قوي جدًا، وأنا أحببت أن أكون بين المصريين لأعرف الصدى الذي يشعرون به ليس فقط في مصر ولكن في كل الدول العربية}.
الكلمات لإحدى الفنانات القادمات لمصر صانعة النجوم وأمجادهم، في مقابلة صحفية، كلمات تعبر عن علاقات الحب والاحترام لهذا البلد وفنانيه، طيلة النصف الأول من القرن العشرين كانت مصر، والقاهرة تحديدا، قبلة لكل راغب في ولوج عالم الفن والحصول على "شهادة فنان" من "عاصمة الفن" التي كانت تعج بكبار المغنين والموسيقيين والملحنين الذين كان مجرد الاقتراب منهم مغامرة لا يقوى عليها الكثيرون. في الستينيات وفد إلى القاهرة عدد من كبار المطربين والموسيقيين المغاربة لعل أشهرهم عبد الهادي بلخياط والفنان عبد الوهاب الدكالي، ونجحا في الاقتراب من الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، الذي ساعدهما في صقل الموهبة التي كانت في بداياتها، اما العنصر النسائي فقد جاء للقاهرة نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ليجرب حظه فنجحت مطربات وتراجعت أخريات. منهن سيدة الفن المغربي التي حققت شهرة كبيرة في زمن قياسي و"هددت" عرش مطربات من العيار الثقيل، هي الفنانة المعتزلة عزيزة جلال. ورغم قصر مدة عمرها الفني واعتزالها المبكر، تبقى عزيزة جلال صاحبة الصوت القوي والجميل التي تجاوزت شهرتها مصر لتصل كل دول المشرق من لبنان لسوريا والعراق إلى دول الخليج، وما زالت أغانيها تحظى بإقبال كبير من لدن عشاق الفن الجميل، هي من مهدت الطريق للمطربات المغربيات الوافدات، لحن لها بليغ حمدي وسيد مكاوي وكمال الطويل.
ولم تكن عزيزة جلال هي النجمة المغربية الوحيدة التي تلألأ نجمها إلى جانب نجوم نسائية كبيرة، بل جاءت لعاصمة الفن في الفترة نفسها تقريبا الفنانة سميرة بنسعيد التي عرفناها باسم سميرة سعيد بعد أن أعجب بليغ حمدي بصوتها وأدائها وطلب منها القدوم للقاهرة. ونجحت في اجتياح الساحة رغم وجود أسماء فنية كبيرة شهيرة، وتعاملت مع كبار الموسيقيين المصريين وقدمت أعمالا ناجحة تغنى بها الجمهور. عرفت سميرة كيف "تواكب" تطورات المجال الفني وأصبحت واحدة من مطربات الأغاني الشبابية الخفيفة. لتنضم لنجمات مصر بعد أن استقرت فيها، لتجد لها مكانة في هذا المجال الذي يعج بالفنانين والفنانات وبالتجارب الفنية. ولحقت بها المطربة جنات التي تقيم بمصر منذ نحو عقدين وليلى غفران التي قدمت أيضا في نهاية الثمانينيات وعائشة الوعد وقد تمكَّنَ من إيجاد مكانة لهن في الوسط الفني المصري والعربي. غير أن هناك من الفنانات من آثرن الانزواء أو الانسحاب، لعل أشهرهن هي سمية قيصر التي فضلت الاعتزال بعد أن حققت شهرة في وقت قياسي ولحن لها الموسيقار محمد عبد الوهاب عدة ألحان. حتى الفنان سعد المجرد كان يكرر في كل لقاء صحفي "النجاح يبدأ من مصر" وغيره كثيرون.
كما عشق الفنانون المغاربة مصر، عشق اهل المغرب فنون الغناء المصري، وفتح عبد الحليم حافظ الابواب امام سلاطين الغناء المصريين، رغم أن ام كلثوم غنت "الاطلال" في المغرب عام 1968، فتذكر المراجع أن وفد المغرب لمؤتمر الموسيقى العربية الذي انعقد بالقاهرة في سنة 1932 التقى السيدة أم كلثوم في أول احتكاك بين فناني المغرب ومصر، وحضرت أم كلثوم المؤتمر. في غضون 1950 زار الباشا التهامي الكلاوي حاكم مدينة مراكش عاصمة الجنوب المغربي مصر في طريقه لأداء فريضة الحج، وذكرت المصادر أنه التقى السيدة أم كلثوم في بيت قوت القلوب الدمرداشية في القاهرة، ويحتمل أن يكون قد دعاها إلى زيارة مراكش، وهو الذي استضاف في مراكش شارلي شابلن ومغنية الأوبرا العظيمة إرين شنتال والمغني الفرنسي موريس رافيل وفريد الأطرش وسامية جمال وإسماعيل ياسين ويوسف وهبي غير أن أم كلثوم لم تكن تغادر مصر إلا لمامًا. كما غني محمد عبد الوهاب "ودارت الأيام" في الرباط عام 1971.
كان الفنان عبد الحليم حافظ، يمتلك موهبة خاصة جدًا الشيء الذي جعله يحظى برضى وحب معظم الزعماء العرب (من رؤساء وأمراء وملوك)، فكوّنوا معه علاقات قوية، وعلى رأسهم جمال عبد الناصر (مصر)، الحبيب بورقيبة (تونس)، أحمد بن بلة (الجزائر)، عبدالسلام عارف (العراق)، الرئيس شارل حلو وسليمان فرنجية (لبنان)، الملك الحسن الثاني (المغرب) وغيرهم.. بحيث كان يُستدعى ليحيي لهم حفلاتهم ويشاركهم أعيادهم الوطنية أو الشخصية، وكان يلبي الدعوة كفنان يحبه فنه، وليس طمعا في مال أو جاه.
كان المغرب؛ الذي عشقه وكان أكثر نجوم الزمن الجميل ارتباطا به، محطة هامة في حياة الفنان الراحل الذي احتفظ بعلاقات صداقة وذكريات لا تنسى مع رموزه ومواطنيه البسطاء؛ وشارك المملكة أعيادها وأفراحها وهمومها أيضا؛ وغنى في احتفالات عيد العرش وعيد الشباب عشر أغنيات ترجمت علاقة مودة متفردة ربطته بهذا البلد وشعبه الوفي؛ من أشهرها "ليالي العيد" و"ناداني الحب" و"وليلة قمر" و"أقبل الحسن" و"من المصري إلى المغربي"؛ وهي الأغنية الوحيدة التي غناها لمؤلف وملحن مغربيين، وهما محمد الطنجاوي والموسيقار أحمد البيضاوي.
زار عبد الحليم حافظ المغرب للمرة الأولى عام 1962، ضمن الجولة التي نظمتها إذاعة "صوت العرب"، وشاركت فيها فرقة "أضواء المدينة" وضمت الفنانين؛ محمد عبد المطلب وفايدة كامل ويوسف وهبي وعمر الحريري وسعاد حسني، بمصاحبة الفرقة الماسية بقيادة المايسترو أحمد فؤاد حسن؛ ويروي العندليب في مذكراته: "كانت أول مرة أزور فيها المغرب عندما سافرت مع بعثة الفنانين المصريين؛ وكنا قد أعددنا أغنية إحنا الشعب، ووجدت الجمهور المغربي يطلب هذه الأغنية إلى جانب الأغاني العاطفية الأخرى، وتجولت في شوارع المغرب أردد هذه الأغنية، ثم دعانا الملك إلى القصر حيث استمعنا للأغاني والموسيقى المغربية، وبدأت أشعر بأن الملك يقدرني تقديرا خاصا".
وفي عام 1969، شارك عبد الحليم حافظ في احتفالات عيد الملك؛ ضمن مجموعة من الفنانين، ضمت محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش ومحرم فؤاد وشادية وفايزة أحمد وعمر خورشيد ومحمد رشدي وشريفة فاضل ونجاة الصغيرة وصلاح ذو الفقار؛ وكان الفنان الراحل سعيدا بالبرقية التي تلقاها من الملك لحضور الاحتفال بعد انقطاع استمر سبعة أعوام عن المغرب لأسباب خارجة عن إرادته؛ لما احتوته البرقية من كلمات مودة؛ حيث ذكر الملك فيها: "إلى العندليب؛ إلى صوت العرب، يسعدنا أن نلتف حول صوتك المليء بالشجن والعامر بالألحان في حفل غنائي تقيمه المملكة المغربية".
كان عبدالحليم مسرورا جدا، ولبى دعوة ملك المغرب، فغنى أغنية “يا ليالي العيد“.
ويردد المغاربة حتى الآن، أغنيته الشهيرة "الماء والخضرة والوجه الحسن" التي قدمها "العندليب" على مسرح محمد الخامس عام 1971؛ مرتديا العباءة المغربية؛ ويقول فيها: الماء والخضرة والوجه الحسن، عرائس تختال في عيد الحسن، قال الحمام، لفيت بلاد الدنيا ديا، ولفيت بلاد الدنيا ديا، لفيت بلاد، ورجعت ثاني للمملكة الحرة الأبية، المغربية.. العلوية.. العربية، عالمغربية يا حمام عالمغربية، عالمغربية أم العيون السندسية، أم الرجال زي الجبال الأطلسية …
وتكرر حضور العندليب للمغرب حتى إن وجوده أصبح ضروريا في كل حفلات الأعياد الوطنية، مثل عيد العرش وعيد الشباب، لذلك عايش عبدالحليم أفراح المغرب والملك الحسن الثاني لسنوات عديدة.
عرف العندليب الملك الحسن الثاني منذ كان وليا للعهد، كانت علاقته به في أول الأمر لا تتعدى نظرات متبادلة من بعيد، لكونهما رأيَا بعضيهما خارج مصر والمغرب. وفي المرة الثانية، التقى به في المغرب بعد أن أصبح ملكا. وقد جمع بينهما - كما عبر بذلك حليم - حب إلهي، ونشأت بينهما صداقة وطيدة منذ ذلك الوقت.
والصداقة المتينة التي كانت بينهما، دفعت الحسن الثاني إلى الاعتراف لعبدالحليم- كما جاء في مذكراته- بكون الملك من محبي الموسيقى، بل ولا يكتفي بسماعها، إنما يؤلف أيضا فيها، ويقود الفرقة الموسيقية، وأن الملك بينما كان يعمل طول النهار ويمارس شؤونه كملك، ويسهر على راحة شعبه، يجنح في الليل إلى سماع الموسيقى.
كان للعندليب ذكريات عديدة مع المغرب وغنى فيها أغاني عديدة منها: ناداني الحب بمناسبة جلوس الملك الحسن على العرش كلمات عبد الوهاب محمد والحان حلمي بكر والماء والخضرة بمناسبة عيد ميلاد الملك كلمات مرسي جميل عزيز وألحان بليغ حمدي وعيد ميلاد الحسن كلمات محمد حمزة والحان حلمي بكر وليالى العيد كلمات محمد حمزة والحان بليغ حمدي وليلة قمر كلمات محمد حمزة والحان حلمي بكر.
كان للعندليب قصص وحكايات بالمغرب وطنه الثاني، ولأغانيه حواديت متعلقة بالمغرب منها اغنية ..
"أي دمعة حزن لا لا لا" فما هي حكاية الأغنية؟