مودي حكيم
مبارك والعلوي في قصر المقري!
رغم أنه طاقة بشرية إعلامية نادرة، وفي فترة ما كان مدافعًا عن كثير من القضايا الوطنية؛ فلم أستطع أن أغض النظر عن دوره الإعلامي المعادي، الذي يصعب عليّ تجاوزه، فقد كنت مؤمنًا- مثلي مثل معظم أبناء جيلي- بقائدنا الخالد وزعيمنا الراحل عبد الناصر، وهو أمر نغّص عليّ فرحة الصحبة الممتعة مع أقطاب الإعلام والفن المغاربة في ضيافة الزميل رمزي صوفيا.
في بداياته تقدم الفتى الذي لم يبلغ سن العشرين، واجتاز الاختبار لولوج الإذاعة بملكاته في الإلقاء وسلامة النطق ما ساعد الشاب النحيف في تخطي حاجز الاختبار، فكانت ولادته الإعلامية ليصبح نجم الإذاعة والتليفزيون المغربي، وكان يقدم البرنامج الإذاعي "دعوة الحق"، كان العلوي الناطق باسم المغرب ضد جمال عبد الناصر، ومعمر القذافي وهواري بومدين، فقد كان المغاربة يعلقون صور جمال عبد الناصر إلى جانب صورة الملك، وكانت المهمة الصعبة هي إقناع المغاربة بأن الرجل يقف ضد مصالح البلاد، فهو يدعم الجزائر عندما اندلعت حرب الرمال والصراع المسلح بين المغرب والجزائر، وأنه ليس تلك الشخصية البطولية المناصرة لقضايا الأمة. وهو ما تولى المذيع الشاب مصطفى العلوي التصدي له. وفي أوج أزمة الصحراء استطاع استقطاب اهتمام جل المغاربة وقام بإذكاء الخطاب المعادي للجزائر.
وكان هو المتقن للغة الدارجة المغربية في تقريب خطاب الحسن الثاني إلى الفلاحين والبسطاء والقرويين بلسان دارج فصيح. شخصية مصطفى العلوي الإعلامية بدأت في البروز مستهل السبعينيات، ليس في التعليق على الأنشطة الملكية أو تقديم النشرات الاخبارية، ولكن في مجال كان أول من تميز فيه، وهو استعمال الدارجة المغربية في التواصل مع المغاربة. وهكذا تخصص في تقديم البرامج التي تخاطب عامة الناس بلغتهم عوض العربية الفصحى، وبرز بشكل رائع وغير مسبوق في استعمال الدارجة في المواضيع الدقيقة التي تهم المغاربة.
لا شك أن مصطفى العلوي- الذي عرف بلقب عميد الصحفيين، أو شيخ الصحفيين المغاربة- كان طاقة بشرية إعلامية نادرة، ومن ذاكرة المغرب التي ترك بصماته على ذاكرتها، تحفظ له، إنه واحد من أحسن الأصوات الإذاعية التي دافعت عن القضايا الوطنية عبر التاريخ، ويغفر له أنه واحد من المؤسسين الاوائل لنقابة الصحفيين سنة 1963، قبل أن يكون الصحفي والمعلق الإذاعي للأنشطة الملكية، ودافع عن القضايا الوطنية، وحبس من أجلها.. ويحفظ له المتتبعون أنه أول من استدعى مجموعة ناس الغيوان وتعني "أهل الفَهَامة" وهم أناس يفهمون ويستنبطون ما وراء العبارة إلى الإذاعة المغربية، وهي فرقة روحية للموسيقى الروحية والنغمة الشعبية، بالحي المحمدي أفقر أحياء الدار البيضاء، تتماوج موسيقاهم مع المواضيع ذات البعد والإشعاع الروحي الذي يلمس القلب، واستمدت إلهامها من عمق أعماق الثقافة الشعبية المغربية وأحدثت تغييرًا جذريا تاما في المشهد الموسيقي في البلاد، وأنه الوحيد الذي استضاف الأمير مولاي رشيد، وهو طفل صغير في برنامجه الإذاعي 12 – 13 الذي استضاف له شخصيات مرموقة في مجالات مختلفة، ويعتبر مصطفى العلوي واحدا من الإذاعيين الذين أعطوا الانطلاقة للبرامج المباشرة والتفاعلية بالإذاعة المغربية.
يبدو أن مصطفى العلوي لاحظ ضيقي، والأصدقاء من حوله يستعرضون مسيرته ويغدقون عليه بالثناء والمديح، وهم يستعرضون دوره العدائي لسياسات الرئيس عبد الناصر، قرأ تجاهلي، واستيائي لهذه الفترة من حياته، التفت إليّ ليوجه كلامه لي في محاولة لتلطيف الاجواء "تعرف يا أستاذ مودي إني صديق للرئيس مبارك، التقيت به في دار المقري، وشاركته الإقامة في القصر الذي شيده التهامي المقري نجل الصدر الأعظم الذي عايش في عهده خمسة ملوك من السلالة العلوية، لكن مكر التاريخ حوّل القصر الفسيح إلى معتقل".
ومن سنوات كذب مصطفى العلوي تصريحات لاثنين من الشخصيات الحزبية، هما الفقيه البصري والحبيب الفرقاني في جريدة “المشعل” (عدد 10 فبراير 2011) التي قالا فيها إنهما التقيا مع حسني مبارك في "دار المقري".
هذا الصحفي الظاهرة أبصر النور بمدينة مكناس، وهناك ترعرع وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في الآداب، استفاد من تلاقح ثقافي داخل بيت أسرته الصغيرة، وسط محيط الشرفاء المتشبعين بعقيدة الولاء وثقافة تراثية عربية.
... ومع إغلاق عام 2019 دفاتره في الشهر الأخير منه، جاءني خبر رحيل قيدوم الصحافة المغربية رحمه الله، ورحل معه عموده "الحقيقة الضائعة".
... وعن أيامي في المغرب حكاوى أخرى!