أيمن عبد المجيد
وما جدوى الخوف؟!.. ثقوا في الله ووطنكم
من حقك أن يساورك القلق على مُستقبلك، واستقرار الوطن، لكن الأحق أن الخوف شعور عقيم لا يمكن أن يُنجب أمنًا ولا حلولًا لمشكلاتنا.
يعرّف الأصفهاني الخوف بأنه: "توقع مكروه عن أمارة مظنونة أو معلومة"، ولم يخرج العلماء عن كونه شعورًا بالاضطراب نتيجة حدوث مكروه في الحال، أو توقع حدوثه في المُستقبل.
مخطئ من يُنكر أن هناك تحديات اقتصادية، وصعوبات معيشية، خلّفتها أزمة انخفاض سعر صرف الجنيه في مواجهة الدولار، لكن مُغمض عينيه عن الحقيقة من لا يرى المحاولات المتكررة لتضخيم الأزمات، لتغذية القلق والخوف، ونثر بذور اليأس أملًا في أن تُنبت شعورًا عامًا مُحبطًا.
يستند صناع القلق، إلى أمارة معلومة - ارتفاع الدولار في مواجهة الجنيه، وما لحق به من ارتفاع في الأسعار، أوجعت البسطاء ومحدودي الدخل- للانتقال منها إلى الظن السيئ بالمُستقبل، لرفع معدلات توقع المكروه، فيزداد الشعور بالقلق والخوف، فتهتز الثقة وترتعش الأيدي.
القلق والخوف لا يُنجبان تنمية، ولا يلدان حلولًا لمشكلات، ولا يخففان من أوجاع الطبقة الفقيرة ومتوسطة الدخل، فالهزيمة النفسية يليها مسلسل الهزائم في مختلف ساحات المعارك الحياتية والتنموية.
الحقيقة أن مصر بخير، صدقًا، لا سعيًا لنثر بذور الطمأنينة والأمن، في مواجهة صناع القلق والخوف فقط، بل كون ما نراه حولنا من خيوط الضوء، يُمكن أن ننسج منها مُستقبلًا أجمل واقتصادًا أقوى، على أسس ثابتة راسخة، مع تطوير في السياسات الاقتصادية، وقائمة الأولويات بما يلائم مستجدات الواقع والتحديات.
دعونا، ننحي سعر الدولار جانبًا، قليلًا، دون إغفال أثره على معيشة المواطن، لننظر بعُمق وشمول، لما شهدته مصر من تغيرات، مُبشرة بمستقبل أفضل، مع المزيد من جهود الإصلاح الاقتصادي، لتحقيق معدلات تنمية تقضي على أزمات المواطن وتحقق معدلات رفاهية مُرضية.
1- نجحت الدولة المصرية في تثبيت أركانها واستعادة استقرار مؤسساتها، وحفظ أمنها.
2- انتصرت مصر في معركتها ضد الإرهاب، ولم تعطل المعركة جهود التنمية في رفع كفاءة البنية التحتية والمشروعات القومية.
ولعل النقطتين، الأولى والثانية، لازمتان لبناء اقتصاد قوي، وجذب الاستثمار، فرأس المال جبان لا يأتي لبيئة غير مستقرة سياسيًا وأمنيًا، وتوفير البيئة المستقرة مؤشر إيجابي للمُستقبل.
3- تعظيم الدولة لقدرتها الشاملة، بتعظيم كل مصادر القوة، بشكل متوازٍ:
- تعظيم قدرة الردع العسكري، على كل محاور الدولة الاستراتيجية، وتنويع مصادر التسلح.
- تعظيم الاستفادة من الموقع الجغرافي، بتنمية محوري قناة السويس، والموانئ المصرية بالبحرين الأحمر والمتوسط، وشبكة الطرق والسكك الحديدية للنقل البري بين الشرق والغرب.
- الشروع في تنمية القدرة البشرية، من خلال استراتيجيات الصحة العامة، من قضاء على أمراض مستوطنة مثل فيروس "سي"، الذي كان ينهش أكباد المصريين، للحد من طوابير الانتظار، لمساعي النهوض بالتعليم عبر الجامعات التكنولوجية الحديثة، ولا تزال ملفات الصحة والتعليم تحتاج لأضعاف ما بُذل فيها من جهود، ومراجعة سياسات التعليم ما قبل الجامعي.
- تعزيز لُحمة النسيج الوطني، من خلال تعزيز مفهوم المواطنة بحلول عملية وإرادة سياسية وتفكيك تنظيمات الفكر المتطرف، الساعية لتعميق الاستقطاب المذهبي والطائفي.
- تعزيز القدرة الدبلوماسية، باستعادة قوة الدور المصري الإقليمي، عربيًا وإفريقيًا ودوليًا.
- اقتصاديًا، تحقق نجاحات في تهيئة بيئة الاستثمار، عبر تحقيق اكتفاء ذاتي من الطاقة اللازمة للاستهلاك المنزلي، والتوسع الصناعي والزراعي، وتجهيز البنية التحتية من الطرق ومحطات معالجة مياه الصرف، وربط الدلتا بسيناء، وغيرها من المشروعات القومية.
- بينما الإخفاقات الاقتصادية، تكمن في إعطاء المشروعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، اهتمامًا وأولوية متساوية، مع مشروعات البنية التحتية، وربما لم يتوقع أحدٌ حدوث متغيرات وأزمات دولية مفاجئة على رأسها جائحة "كورونا" والصراع الروسي- الأوروبي في أوكرانيا.
4 - رسمت الدولة بالعرق والدماء، وتضحيات الشعب، خريطة تنموية للوطن، تضاعف فيها العمران الزراعي والسكني، فقد عاش شعب مصر حتى 2014 على عمران تاريخي 7.8% من مساحة مصر الإجمالية، تضاعف حتى تجاوز 103 ملايين نسمة، بمتوسط زيادة سنوية، 2.2 مليون، كان الشعب يعيش في أنبوب ضيق على ضفاف النيل، تلتهم الزيادة السكانية والعشوائية العمرانية في عشر سنوات بدأت عام 2011, حوالي 91 ألف فدان من أخصب أراضي دلتا مصر.
جذور الأزمة
في العام 1970, كانت مساحة مصر الزراعية 5.7 مليون فدان، فيما كان عدد السكان 35 مليون نسمة، تقريبًا، بما يعني أن كل 6 ملايين مواطن ينتج لهم غذاءهم مليون فدان. في العام 2010, بلغ إجمالي مساحة مصر الزراعية 8.7 مليون فدان، بينما كان عدد السكان قد تجاوز 78 مليون مواطن، بما يعني أن وحدة المليون فدان، باتت تنتج غذاء 8.9 مليون مواطن.
وهنا نلاحظ، رغم زيادة الرقعة الزراعية، فإن الزيادة السكانية التهمتها، وباتت وحدة المليون فدان التي كانت تخدم 6 ملايين مواطن عام 1970, مطلوب منها تحقيق متطلبات 8.9 مليون مواطن عام 2010.
ليأتي العام 2013, ومساحة مصر الزراعية 8.9 مليون فدان، بينما بلغ عدد السكان 88.5 مليون نسمة، لتصبح وحدة المليون فدان تخدم احتياجات 9.9 مليون مواطن.
تزايدت الفجوة بين الإنتاج المحلي واحتياجات المواطنين، فتزايدت نسبة العجز وزاد بالتبعية الاستيراد بما يتطلبه من فاتورة دولارية، خاصة تلك اللازمة للسلع الأساسية وعلى رأسها القمح.
تلك الفاتورة الدولارية كانت في تلك الفترة، مصادرها الأولى السياحة، بما يقارب 10 مليارات دولار، وعوائد قناة السويس 6 مليارات دولار، وتحويلات العاملين بالخارج، وجذب استثمارات وتصدير منتجات زراعية وصناعية.
مصادر الدخل الدولارية أصابتها هزات عنيفة، بسبب:
- تقلص سوق العمل الخارجي، والهزات السياسية في العديد من الدول، التي كانت تستوعب عمالة مصرية، مثل ليبيا والعراق، واعتماد الخليج سياسات تقليص العمالة الأجنبية لصالح مواطني الدولة.
- التوترات السياسية التي أعقبت عامي 2011 و2013، أثرت سلبًا على موارد النقد الأجنبي من السياحة.
- ما أن استعادت الدولة استقرارها السياسي، وعافيتها، حتى حلت جائحة "كورونا"، بما صحبها من عزل منزلي عالمي وتأثيرات الجائحة القاتلة للسياحة.
- ما لبثت الجائحة أن تتلاشى آثارها، حتى اندلعت الحرب الروسية- الأوروبية في أوكرانيا، ودولتي المواجهة أهم مصادر السياحة المصرية، وبالتالي فقد تراجع السياح الروس والأوكرانيون.
- مصر الدولة الأولى عالميًا استيرادًا للقمح، وروسيا وأوكرانيا المصدران الأساسيان للقمح، وبالتالي ارتفاع أسعار القمح ضاعف من الكلفة الدولارية لتبلغ واردات مصر من السلع الغذائية 90 مليار دولار في ميزانية 2022/ 2023، بزيادة 2 مليار دولار على العام السابق.
- مع تلك المتغيرات السلبية الناجمة عن مؤثرات خارجية، غادر قرابة 15 مليار دولار استثمارات أجنبية ساخنة، والمقصود بالاستثمارات الساخنة، تلك الأموال التي تأتي لاستثمار قصير الأجل، ويمكنها الانتقال من سوق لأخرى بين الدول.
- وقطعًا هذا الانتقال لا يمكن النظر إليه من منطلق أسباب علمية اقتصادية فقط، دون الأخذ في الاعتبار محاولات تآمرية معادية، لتكبيل أرجل الدولة ووقف مسيرتها التنموية، خاصة بعد فشل محاولات عدة لإعادة تحريك الشارع لإحداث فوضى سياسية.
- كل ذلك حدث بالتزامن مع تنامي الإنفاق التنموي، على مشروعات تُعزز القدرة الشاملة في جميع المجالات، كلفة الحرب ضد الإرهاب لاستعادة الأمن والاستقرار، كل مشروعات تعزيز القدرة المائية لتحقيق الأمن المائي اللازم للتوسعات الإنتاجية الزراعية، مشروعات تنمية سيناء وربطها بالدلتا بالأنفاق، مشروعات المدن الجديدة لتجنب انفجار سكاني ناجم عن التكدس.
- القضاء على العشوائيات وانتشال الطبقة الأكثر احتياجًا من براثن الفقر، وتبعات التنشئة في بيئة غير آدمية.
5- كل هذه المشروعات التنموية، كان الهدف منها استعادة قوة الدولة، لتكون قادرة على تحقيق استدامة تنموية، تنتهي إلى حياة أفضل للمواطن.
ونجحت الدولة في تعظيم قدرتها في مجالات عدة، منها الطاقة وتوسعة الرقعة الزراعية، والقضاء على العشوائيات وتعظيم قوة الردع وربط سيناء بالدلتا بأنفاق ومحاور تنمية، ومضاعفة القيمة المضافة للثروة المائية، من خلال محطات إعادة تدوير مياه الصرف وغيرها من المشروعات.
وإن كانت المتغيرات الدولية، أضرت بالعملة المصرية، وضاعف من ذلك متطلبات قرض البنك الدولي، فإن عملات غالبية دول العالم تأثرت سلبًا برفع البنك المركزي الأمريكي للفائدة الدولارية، في مواجهة التضخم الناجم عن الصراع مع روسيا.
باستثناء الدول المعتمدة في دخلها الأساسي على الصادرات النفطية، لارتفاع سعر الوقود، وهنا فإن التحدي الذي تواجهه الدولة المصرية، اليوم، وانعكاساته على معيشة المواطن، لا ينبغي أن يصيبنا بالإحباط أو اليأس، فما تحقق في مصر من إصلاحات بنية تحتية ومشروعات تنموية يمكن استثمارها في تعظيم قدرة الدولة الإنتاجية والتغلب بحلول جذرية دائمة على التحديات الاقتصادية، حال عبورنا الأزمة الراهنة بمتطلباتها الآنية وسيحدث بإذن الله.
الحلول الجذرية الدائمة، تكمن في الشروع فورًا، في ثلاثة محاور:
الأول: التوسع في الاستثمار الزراعي ورفع القدرة الإنتاجية للأرض الزراعية لدعم الفلاح، بمستلزمات الإنتاج وتكنولوجيا الزراعة الحديثة.
الثاني: تأسيس مجلس قومي للمستثمر الصغير، يقدم دراسات جدوى مرتبطة باحتياجات فعلية للسوق المحلية، وتمويل ودعم فني للشباب لتأسيس شركات مساهمة تنتج سلعًا تحتاجها السوق.
الثالث: تقديم محفزات لجذب الاستثمار الأجنبي وخطط مبتكرة لتعظيم موارد السياحة. مصر - بإذن الله- بقيادتها السياسية المخلصة، وعلى رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسي وشعبها المُقاتل، قادرة على عبور هذه الضائقة الدولارية، فقد عبرت مصر تحديات محاولات اختطاف الدولة، وهزمت الإرهاب، والعشوائيات، وستهزم الفقر وضيق المعيشة، بإذن الله.
أشعر بما يعانيه المواطن الفقير، عامل اليومية، وفئة محدودي الدخل- فأنا منهم- وثقتي في الله راسخة، وفي إخلاص القيادة السياسية ثابتة، بمؤشرات واقعية وعلمية تؤكد أنها ستعالج سياساتها الاقتصادية لتعبر تحدياتها، وتخفف أعباء شعبها، وتحد من آثار التضخم على معيشة الفئات الأكثر تضررًا.
تبقى مسؤولية المخلصين القادرين ماليًا، أن يضاعفوا جهودهم في التكافل الاجتماعي، ودعم الفقراء والمحتاجين، راجعوا أموالكم في البنوك، وأموالكم السائلة التي مر على امتلاكها عام، واخرجوا حق الفقراء، زكاة المال بأدائها تحفظون أموالكم وأبناءكم.
بينما هؤلاء المُتباكون على حال المواطن من رجال الأعمال وأصحاب المهن التي تتجاوز دخولهم مئة ألف شهريًا إلى الملايين، ساكنو القصور والفيلات، المتاجرون بآلام البسطاء على "تويتر"، و"فيس بوك"، و"تيك توك"، وشاشات الفضائيات، كفاكم نثر بذور القلق والخوف، واليأس، ترجموا شعوركم بالمواطنين بالمشاركة في تخفيف أعبائهم بدعم الأكثر تضررًا من الأزمة، وتقديم الحلول العملية والمقترحات لوطنكم، قدموا ما ينفع لا ما يهدم.
فما جدوى القلق والخوف؟! هل ينجبان حلولًا، أو تخفف "التويتات" والتصريحات العنترية أوجاع المواطن؟! بإذن الله القادم أفضل بصدق النوايا والإخلاص في العمل.. اطمئنوا.
رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات.