عاجل
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي

كشفت عنها رسالة دكتوراة بجامعة حلوان

ملامح قصيدة المقاومة عند الشاعر الكبير محمود درويش

 



- درويش الأكثرَ قدرة على تحويلِ فعلِ المقاومةِ من الغنائيةِ إلى موقفٍ وجودي وإنساني

 

 

"حاصر حصارك لا مفر.. اضرب عدوك لا مفر.. سقطت ذراعك فالتقطها وسقطت قربك فالتقطني واضرب عدوك بي فأنت الآن حرٌ وحرٌ وحرٌ حاصر حصارك بالجنون وبالجنون ذهب الذين تحبهم.. ذهبوا فإما أن تكون أو لا.. لا تكون"

ما سبق من إبداع مقاوم واحد من أشهر قصائد محمود درويش أحد كبار شعراء العربية عامة وشعراء المقاومة بشكل خاص، والأخير لا ينتهي طالما أن أسبابه قائمة، ربما لهذا تحمس الباحث محمود حنفي أبوقُورة من البحث عن شعر المقاومة عند درويش، وتمكن من الحصول علي درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرق الاولي عن رسالته التحولات الجمالية في قصيدة المقاومة عند محمود درويش من كلية الآداب- جامعة حلوان.

شِعرُ المُقاومةِ 

وقال الباحث، إن شِعرُ المُقاومةِ واحد من أكثرِ الظواهرِ الفنيّةِ التي شَغلتِ الحياةَ الأدبيةَ والثقافيةَ، وكذلك واقعَنا العربيَّ مُنذُ مُنتصَفِ القرنِ العِشرينَ؛ وخاصةً بعدَ هزيمةِ (1948م) والتي مكَّنت إسرائيل على إثرِها من احتلالِ أغلبِ الأراضي الفلسطينيةِ.

وأضاف إن الشعرُ كان من أهمِّ أدواتِ المقاومة تأثيرًا وحضورًا، وكان لدرويش دورٌ كبيرٌ في هذا الصددِ؛ إذْ استطاعَ كتابةَ شعرٍ جديدٍ للمُقاوَمَة يصفُ الظُلمَ والقَمعَ باعتبارهما حالةً كونيّةً (أو مادةَ حياةٍ يوميةٍ)، يُمكنُ مواجهتُهما بأقلِ الأشياءِ احتمالاً وأشدِّها ضعفًا. إضافةً إلى أنه استطاع أن يَصنعَ من مفرداتِ الوجودِ الطبيعي: (كالزنبقةِ- وحبالِ الغسيلِ- والمواقدَ- وزهرِ النردِ- والوردةِ- والعصافيرَ، وأغصانِ الزيتونِ... وغيرِها)، عناصرَ شعريةً دالةً وموحية.

البداية والنهاية

  وأوضح الباحث محمود حنفي، أن درويش ينتمي إلى الموجة الثالثة من تيار شعر المقاومة الفلسطينية، ويعدُّ من أقوى حلقاتِها متانةً وثراءً. ولعل مَنْ يُمعِنُ النظرَ في شِعرِهِ ابتداءً من ديوانِهِ الثاني (أوراق الزيتون) وحتى ديوانِهِ الأخيرِ: (لا أُريدُ لهذي القصيدةِ أن تنتهي)، يجد أن الفرق شاسعٌ بين البداية والنهاية؛ فقد تخلّلتهما قضايا فكريةٌ وموضوعيةٌ وحيلٌ وأدواتٌ فنيةٌ مُختلفةٌ؛ لذا فإن التحوُّلَ يُعدُّ جوهريًّا، حيث كانت الفترة الأولى أقرب ما يكون إلى الخط الثوري المليء بالتَّحسُّر والإحساس بخيبة الأمل  والحزن، ومع مرورِ الوقتِ تبلورتْ مرحلةٌ جديدةٌ استطاعَ فيها الشاعرُ- بعد أن نَضَجتْ تجربتُهُ – أن يتجاوز المشاعرَ الذاتيةَ إلى (هُمومٍ قوميةٍ) بحيث غَدا صوتُ الآخرِ موجودًا ومُتاخِمًا لصوتِ الشاعر.  وقد امتازتْ تلك المرحلة كما بينت الرسالة ببروز الضمير (نحن)، كما ظهرتْ صُورُ الرحلةِ والتنقلِ والشتاتِ بوصفها وقودًا يتزودُ منهُ الشاعرُ دائمًا لكي يكتب شِعرًا فيّاضًا بدلالات الاغتراب والنفي: سواء نفي الذاتِ أو نفي الوطنِ نفسِهِ باعتباره مسلوبًا ومُنتهَكًا. إضافةً إلى تنامي مفرداتِ الانتماء وترسيخِ الهُويةِ الوطنية.

وأكد الباحث محمود حنفي أنه حاولُ في بحثه الإجابةَ عن عدةِ أسئلةٍ رئيسةٍ؛ وهي: ما المراحلُ والتحولاتُ الجماليةُ التي مرتْ بها قصيدةُ المقاومة عند محمود درويش؟ وما الظواهرُ الجمالية والموضوعية والصوتية التي اكتنفتْ قصيدةَ المقاومةِ عنده؟ وما الاختلافُ البارزُ بينَ كلِ مرحلةٍ مِن مراحلِ تطورِه؟ وكيف تشكَّلتْ رؤيةُ العالم ِعندَه؟ وما الجديدُ الذي أضافه درويشُ لشعرِ المقاومة الفلسطينيِّ خاصةً، وللشعر العربي الحديث عامةً؟ ولذلك قام بتقسيمِ مادةِ هذا البحثِ إلى ثلاثةِ فصولٍ، بحيثُ اشتملَ كلُّ فصلٍ على مرحلةٍ شعريةٍ واحدةٍ من مراحلِ تحولاتِ قصيدةِ المقاومةِ عند محمود درويش، بما تحويه هذه المرحلة من تحولاتٍ موضوعيةٍ وجماليّةٍ وصوتيّةٍ، إضافةً إلى رصدِ التحولاتِ الجزئيةِ داخلَ كل مرحلة على حِدةٍ، في محاولةٍ لكشفِ البنياتِ الأربع المؤثرةِ في نصِهِ الشِّعريِّ، وهي: (البنيةُ الداخليةُ، والبنيةُ الثقافيةُ، والبنية الاجتماعية، والبنية التاريخية).

درويش والمقاومة 

وقد خلُصَ الباحث في رسالته إلى مجموعة من النتائج، من أهمها: - تشتمِل قصيدة المقاومة عند محمود درويش عبر تحولاتها المتعددة، على مجموعة من المقولات والبنيات المتكررة، ومن أبرزها: (الوطن- الكون- الموت- الحياة- النفي- الشتات- العودة- الاغتراب- الهُوية- الأم– الإنسان)، وعلى الرغم من أن تلك البنيات متغيرةٌ في مضمونِها وعلاقاتِها التركيبيةِ من ديوانٍ لآخر، فإنها تكشُفُ عن رؤيةٍ متفردةٍ وخاصةٍ للعالَم؛ وتُعبِّر عن بشر مستلبين وضائعين، يحاولون الهربَ من واقعهم المتردي، ويحيون داخلَ أوطانهم أو خارجَها في عزلةٍ، ويواجهون الصعوبات التي تُلاحِقُهم. وعلى الرغم من أن هؤلاءِ البشرَ يحيون في عالمٍ يخلو من القيمةِ، ويتقبَّلون هذا العالم بوصفه العالمَ الوحيد المُمكن، ويكافحون بمفردهم فيه، فإنهم في الوقت ذاته لا يتوقَّفون عن مجابهةِ هذا العالَم ومقاومة مُنغصاتِه من أجلِ التحررِ واستعادةِ أراضيهم المستلبة.

أفاد درويش من مفردات الحياة اليومية المألوفة، حيث قامَ بتوظيفِها في شعرِه، واستطاعَ تحويلَها إلى مفرداتٍ نابضةٍ بالحياةِ ومعبرةٍ عن قيمٍ جماليةٍ جديدةٍ، خاصةً تلك المفرداتِ المتعلقةَ بالمقاومةِ، مثل: الحَجر، والحصى، والبرتقال، والزيتون. 

جاء تطورُ درويش تراكميًّا؛ فقد اتَّخذَ مسارًا تتابعيًا مكَّنه من توظيف أدواته الفنية، وشحنَ قصيدَه بحركة خاصة، ورمزية متولِّدة من التكنيكات البنائية المتجددة، والصور الشعرية المتضافرة، والألفاظ الموحية والدالة.  تتمثلُ خصوصية درويش عبر رحلته الشاقة تلك في ثلاثةِ أمورٍ؛ ألا وهي: أولاً: النفيُ الدائمُ والبحثُ عن الهُوية والانتماءِ. وثانيًا: (أنْسَنَةُ القضيةِ) وإنتاجُ شعرٍ يتجاوز قطرَهُ المحليَّ إلى نطاقٍ عالميِّ وإنسانيٍّ. ثالثًا: تطوّرُهِ شِعريًّا بشكل كبير، خاصةً في دواوينِه الأخيرةِ. إضافةً إلى تفرُّدِ تجربتِه فنيًّا وموضوعيًّا عن غيره من أبناء جيله، بحيث غدا حالةً شعريةً كاملةً ومكتنزةً بالمضامين الفنية والموضوعية.   يعدُّ محمود درويش من أهمِّ مُطوري الشعر العربي الحديث عامةً، وقصيدةِ المقاومةِ خاصةً، فأهميتُهُ بوجهٍ عامٍ: "لا تكمن في كونه شاعرَ المقاومةِ الأكثر شهرةً وتأثيرًا، بل في كونه الأكثرَ قُدرةً على تحويلِ فعلِ المقاومةِ من الغنائيةِ والتحريضِ التعبويِّ المباشرِ إلى موقفٍ وجوديٍّ وإنسانيٍّ كاملٍ". 

 

أشرف على الرسالة الأستاذ الدكتور صلاح السِّروي (مشرفًا رئيسًا)، والأستاذ الدكتور/ فاطمة حسن قنديل (مشرفًا مشاركًا).

وتكونت لجنة المناقشة والحكم من: الأستاذ الدكتور صلاح السيد السروي (أستاذ الأدب الحديث والمقارن، كلية الآداب، جامعة حلوان)- والأستاذ الدكتور أحمد بلبولة (أستاذ الأدب والنقد، وعميد كلية دار العلوم بجامعة القاهرة)- والأستاذ الدكتور رشا السيد صالح (أستاذ الأدب المقارن والحديث، ووكيل كلية الآداب، جامعة حلوان).

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز