مفتي الجمهورية: ينبغي إعلاءِ قيم التعايش والحوار مع الآخر لأنها مقاصد إلهية عليا
السيد علي
قال الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الذي يقرأ السيرة العطرة يلحظ أمرًا لم يحدث في التاريخ لأيِّ أحد؛ وهو نقل التفاصيل والأحوال الخاصة ببيت وشخص رسولنا الكريم، وبرغم النهي عن إخراج الأسرار الخاصة من حيِّز الثنائية إلى أطراف أخرى، فإنَّ النبيَّ حرص على ذلك لحكمة تشريعية؛ وذلك لتعليم الناس، بل نقل الصحابة الكرام وصفًا تفصيليًّا لكلِّ سكناته وحركاته ووصف أدواته وأغراضه، بل أدق الأشياء المستخدمة، وهذا يدلُّ على شدَّة التعلُّق والحب والاتِّباع له، حتى بعض الصحابة نقلوا أدقَّ تفاصيل تعامله مع الغير وحلمه وقدرته على ضبط النفس مع المسيئين.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أنَّ الصحابة قد استضاءوا ونهلوا من نور النبي ﷺ بفضل قربهم وحبهم له فكان لهم السبق والفضل.
واستعرض فضيلة مفتي الجمهورية خلال حواره صورًا لمنافسة الصحابة على خدمة النبي ﷺ من شدة حبهم له، وغيرها من صور التواضع والحلم مع المرأة والخدم.
وأكَّد فضيلة المفتي أنَّ هذه الإطلالة من الأخلاق الحميدة، والتشريعات المحكمة تؤكِّد سمات القدوة الصالحة، وماهية الأسوة الحسنة التي ينبغي سلوكها لمن أراد الصلاح والتقوى ومكارم الأخلاق، سواء في ذلك الفرد والمجتمع والأمة، وذلك متحقِّقٌ على وجهٍ مُعجزٍ في النبي ﷺ الذي أمر الله تعالى بالتأسِّي بهَديه وسنته في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
الصحابة استضاءوا ونهلوا من نور النبيِّ بفضل قُربهم وحبهم له فكان لهم السبق والفضل
وأوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن الصحابة رضوان الله عليهم قد تلقَّوا أحكام الشرع الشريف من رسول الله ﷺ وكانوا يفهمون مراده ويطمئنون إلى ما يفعلون بسبب قربهم من رسول الله ﷺ ووجود القرائن والأمارات الدالَّة على تحديد المراد من أقواله وأفعاله ﷺ.
ولفت فضيلة المفتي النظر إلى أن الصحابة تربَّوا تربية خاصة؛ تربية محمدية بفضل قربهم من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد شاهدوه وعاصروه وهو ينزل عليه القرآن والسياقات التي فيها النص، ثم انطلقوا في الآفاق حال حياته ﷺ وبعد مماته متسلحين بالضمير الحي فكانوا قدوة لغيرهم مهتدين بهديه ﷺ.
وأثنى فضيلة المفتي على مشروع "السلام عليك أيها النبي" بمكة المكرمة، والذي يُعد من أضخم وأجلِّ المشاريع العلميَّة، التعليميَّة والدعويَّة في العصر الحديث مؤكدًا أنَّ هذا المشروع يمثِّل واجهة إسلامية حضارية تُعرِّف الناس بالدين الإسلامي ورسالته السامية السمحة من خلال تعريف وعرض وتجسيد لسيرة النبي ﷺ بأحدث الوسائل وأرقى سبل العرض، وتساعد على نشر القيم التي ينبغي أن يتحلى بها الفكر والعلم؛ فضلًا عن قيم الجمال والمحبة والتسامح والإخاء، وذلك بالرجوع المباشر إلى كلام الله تعالى وسنة نبيه الصحيحة والمتواترة.
وشدد فضيلة المفتي على ضرورة إعلاءِ قيم التعايش والحوار مع الآخر؛ ليس لأنها أمرٌ ضروري للحياة البشرية فحسب؛ بل لأنها مقاصد إلهية عليا من خلق الإنسان وجعله خليفةَ الله في الأرض؛ فقد أعلن ﷺ صحيفة المدينة دستورًا لمن يعيش فيها من المسلمين وغيرهم، ليأتي القرآن مؤكدًا على ذلك كله باحترام قيمة التعايش السلمي القائم على الاحترام المتبادل، فيقول تعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾" [الممتحنة: 8].