نور على نور.. إلى الوراء در!
محمد إسماعيل
يحب الجميع القليل من الأدلة والرسائل الإلهية، فهذا توق طبيعي في البشرية، لكنني لم أحصل على واحدة في فيلم "نور على نور"، المشارك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
هنا بطل لا يبذل أي جهد، فهو يؤمن أن انتماءه لشلة مدروشة يتيح له دخول الجنة دون أي اختبارات، ومخرج دنماركي مثل شخص آمن حتى نهاية حياته بالأمور نفسها التي بدأ بها، يجب أن يحفظ في خزانة بوصفه تحفة نادرة.
الفيلم رحلة للمخرج الدنماركي "كريستيان سور" بحثا عن معنى النور كمفهوم ديني في مصر يختبره الناس في خضم الطقوس، بعدما قدم له صديقه المصري نصيحة: "توقف عن التركيز على الظلام، وانظر إلى النور"، بدأ كريستيان بدراسة التجارب الدينية للنور من خلال محادثات مع أشخاص يلتقي بهم على طول الطريق منهم قديسون والبعض مجرد بسطاء وآخرون نصابون غالبا ما كانوا غير مضبوطين وينظر إليهم بالريبة، ليجدد ممارسات دينية غابرة تخلو عن كل شيء، بعض مدعي الرؤى، مجموعات غريبة الأطوار يتفرغون للتبشير على الطرقات أو في صومعة متقشفة ولديهم أتباع، المخرج التقى في ترحاله في مصر بأفراد من هذا الصنف.
وجه المخرج الدنماركي خياله إلى الصوفية ويبدو أنه قد شطح به الخيال كثيرا، فنقل معلومات متخيلة بدعابة كادت أنت تكلفه مشواره الفني الذي لم يبدأ بعد، وجد صعوبة في جذب الاهتمام لفيلمه الأول فاختار ما يُذيع صيته سريعا.
يرى البطل الراوي خيالا من نور.. لكن خيالا وقادا كهذا لم يكن ليوصله أبعد من الرواق الأمامي للمنزل. هذا الأيقونة ذات القدرة العجائبية، ينتزع أقل ومضة تظهر ليقول إنها "نور"، وقد ظهر ذلك في يومياته سواء أكان في إدارة أزماته أو تقديم مشورة لأصدقاء أو تقديم المواساة لحزن آخرين، استمرت رؤيته في تجاوز أي عتمة، يمنح السعادة العظمى، تلك كانت فلسفته في الحياة باختصار.
نشاهد، بفم مفتوح، فتاة عادية مسكينة متلهفة مغامرة بكل أعوامها الصغيرة لم تطأ عيناها أبدا تجربة كهذه ولم تستطع تصور ما ستراه، تغلق عينيها لترى النور، يتكومون حولها كأنهم عائلة جاءت على فلك نوح، وأخذت تكبيراتهم تعلو، كان الصخب في أوجه، ورؤوسهم تقوم بالذهاب والإياب، والشيخ يرتل بورع وبلهجة خبيثة تماما، هذا التصوف المشبوه.. وفتحت عينيها، وتؤكد أنها رأت النور، يبدو أنها تفيق لكن ما زالت تحت تأثير الدهشة، فلربما أصبحت الصورة ضبابية فظنت أنه نور وذلك لبياض لون الضباب.
أهذا الدنماركي بشعره الأشقر ذي المظهر الأنيق سجين بمثل هذه الأفكار، يقف وسط من يرتدون بزات عتيقة وسترات بالية، فما لبث أن افتتن هو أيضا بشيخ مزيف من الأرجح أنه كان أبله يدعي قراءة الغيب، يؤثر بكلامه غير التقليدي وإحساسه السيكولوجي على شباب غير تقليديين، يعرض عليهم وساطاتهم أمام الله.
الفيلم ينطوي على الكثير من المواقف الهزلية؛ يا إله السموات أهذا حقيقيا، تتحول فتاة من تجهم قلق إلى ضحكة سريعة، لقد كانت مرحة بطبيعتها واتجهت لتوها لمواجهة متاعب الحياة. نشاهد ونتساءل عما لم يسر على ما يرام، كان جمع الجمهور من الشبان المتخرجين اللامعين وغير المعقدين، متشككا جدا، لنتفاجأ ببطل يؤكد لنا أن ذلك لا يبدو صحيحا، لكنه صحيح.. يمكنني إثباته. مشكلتهم في هذا الفيلم أنهم يتوقعون منك معرفة الكثير من الأمور التي لم تتعلمها أبدا. يبدو أنه سيكون هناك انقسام بغيض في القاعة.. أين باب الخروج.
هناك حدود لكل شيء يجب ألا نوفر الذخيرة للعدو. ثماني سنوات من التهدئة السياسية الدينية وإعادة بناء الاقتصاد، تلك السنوات من ضبط المؤسسات الدينية رفعت جيلا جديدا ليس لديهم الهم نفسه.
على أي حال، بمقدورك استخلاص خيال مسل من فيلم ذي طباع قاسية، الوصف الوحيد لهذا الفيلم هو كوميدي لا يراد له أن يكون هكذا، تشاهده وتحاول انتزاع أقل الأسباب لتضحك، تحول بشاعة شريط إلى لحظات مضحكة، واضعا أيانا في منطقة التباس بين الدفاع عن حرية الخلق الفني وإقامة رقابة أيديولوجية لا ترحم.