

د. حسام عطا
باسم يوسف والإعلام العالمي
باسم يوسف ليس بالتأكيد مهرجاً في سرك الإعلام الدولي.. باسم يوسف بالتأكيد ليس الرجل الخطأ في المكان الخطأ، وليس ابن المصادفة.
باسم يوسف أكاديمي مصري تعلم الطب في مصر ثم في الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا، قبل أن يتركه إلى عالم مفتوح سائل وحقيقي ومتعدد الأطياف ليخرج من المستشفى الميداني في التحرير أثناء وعقب ثورة يناير لتضعه الأحداث الكبرى في مصر كنموذج للإعلامي الممثل المهرج الساخر، وباسم يوسف يأسف على أن السياسة هي السبب في وضعه في موقع الشهرة بينما هو أراد تعريف نفسه ككوميديان، وهذه الكلمة في الثقافة الغربية معناها الممثل الكوميدي.
باسم يوسف مثقف بالغ الحساسية في رصد الرأي العام وقادر على التعبير عنه والتفاعل معه بل وهذا هو سره، إلهام، وهو واحد من هؤلاء الذين يستطيعون صناعته أيضاً.
يعرف الأكاديميون جميعهم خاصة هؤلاء الذين تعلموا في الولايات المتحدة الأمريكية عن هذا الخيط الرفيع بين المواطنة وبين الولاء النسبي والرعاية المتاحة التي توفرها فرصة التعليم هناك.
وهذه مسألة يعرفها جيداً الأستاذ طارق نور الذي درس فن الإعلان في الولايات المتحدة الأمريكية وكان واحداً من رواد الإعلانات المصورة المؤثرة في خلق رغبات الاستهلاك وترويج السلع المتعددة.
ويعرف جيداً أيضاً قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على فهم الولاء الأصلي للحاصل على جنسيتها.
المصري الأمريكي المواطن باسم يوسف الحاصل على الجنسية الأمريكية عام 2019 هو مواطن عالمي الآن، يحظى بتقدير وحرية حركة في أمريكا وفي الخليج العربي وفي أوروبا، وتتواتر الأخبار عن برنامج مرتقب له على منصة شاهد.
باسم يؤمن بأن الإعلام والضحك وعالم البرامج هو سلعة، وهذا هو التفكير الأمريكي في النظرة للإعلام والضحك والبرامج.
بينما رأت أجيال عديدة أن الإعلام قضية ورأي وانتماء للملايين الكبيرة والتي أنفقت على تعليمهم ودورانهم حول العالم.
ليس الإعلام سلعا بالتأكيد وإن انهارت الحدود بين الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تدر أرباحاً خيالية وتصنع نجوماً، وباسم يوسف واحد من أهم المؤثرين حول العالم، ومن أذكى من استطاعوا الحفاظ على التواصل مع الجمهور المصري والعربي من أمريكا عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمقاطع المصورة على الشبكة الدولية للمعلومات.
أما أن يخرج ليؤكد أن الرأي العام الأمريكي لا يؤثر فيه أساتذة الجامعات ولا الكتاب، بل هو رأي عام تصنعه المقاطع المصورة والسهولة والضحك فليس هذا بالأمر الصحيح على إطلاقه، ولم يؤثر في الرأي العام الأمريكي وما شهدته الجماعات الأمريكية من احتجاجات لصالح غزة وفلسطين ومن مظاهرات حاشدة إلا حقاً ما تم بثه من مقاطع حية بثاً مباشراً عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر ما نقلته الشاشات الرقمية والصحف والمواقع الإلكترونية من وقائع حرب الإبادة الجماعية هناك.
كان فيضاً كبيراً صنعه الفلسطينيون والمصريون والعرب وعدد من النشطاء حول العالم، ومن أعضاء الوكالات الدولية العاملين هناك، هذا أمر لم يصنعه المؤثرون هناك، وإن شاركوا في صناعته بالتأكيد.
ولكن تم بالفعل حدوث كسر نسبي لهيمنة رؤوس الأموال المنحازة على الآلة الإعلامية الأمريكية الغربية، وسمع العالم آراء جديدة وشاهد وسمع أحداثاً حقيقية عبرت عن مشاعر ألم بشأن وصمة عار الإنسانية المعاصرة في حرب الإبادة والتجويع هناك، وحدث هذا عبر سهولة سفر الصور والأخبار والآراء بسرعة مذهلة في ذات الدقيقة التي يتم بثها، وهو أمر يساهم في صنع ذلك المجتمع العالمي الذي نختلف ونتفق حول تنوعه الثري، ولكنه يقترب من كونه حقيقة واقعة.
ليصبح درس المستقبل حقاً هو ضرورة أن يطور الإعلام العربي نفسه ليخاطب البشر حول العالم ويصل إليهم عبر منصات الشبكة الدولية للمعلوات، وإن كان هذا حقاً لا يجدي دون جهد أساتذة الجامعات والكتاب والدبلوماسيين وحملات مخاطبة الرأي العام المنظمة.
وهذا لا ينفي حقاً الدور المهم الذي لعبه باسم يوسف في الدفاع عن القضية الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر، كمؤثر مصري يحمل الجنسية الأمريكية أو قل كمؤثر أمريكي من أصول مصرية.
وهو دور يشبه الدور الذي لعبه مع ثورة يناير 2011، دور يستحق التأمل، ولكن يبقى باسم يوسف حقاً كما وصف نفسه هو صنيعة الأحداث ولا شك أنها أحداث كبرى.
كما يجدر الذكر أنه ليس من الإنصاف الموافقة حقاً على ما قاله بشأن المصريين والعرب الذين هاجروا في اتجاه تحقيق حلمهم المهني الذهبي هناك، ووافقوا على أن التفوق الأمريكي الغربي أمر مسلم به، وأستعير تعبير الأكاديمية الأمريكية المسرحية وفاء عبد الشافي عن نفسها إذ تقول لي همساً وتقولها في علانية أنا شجرة جذورها في مصر وفروعها في الميريلاند في أمريكا الشمالية.
فهذه المشاعر وهذا السلوك تجاه قضايا الوطن الأم الأول لا يمكن الموافقة على أنه متصل بالأجيال الجديدة التي ولدت مؤخراً وعاشت هناك.
أما أحاديث الملايين الكبرى التي رددها بسخرية والتي سبقها أيضاً شائعات أطلقها عدد من الإعلاميين المصريين عن صحة الأرقام، فهي مسألة تساهم في التأثير على معنويات هؤلاء الذين لم يتفاعلوا مع الإعلام كسلعة، وعلى هؤلاء الذين دفعوا أثماناً غالية من أجل الثقافة الوطنية.
أما الدرس الذي يجب إعادة التأكيد عليه حقاً فهو متعلق بالنظر إلى الإعلام. فليس الإعلام سيركاً ولسنا مصارعين ولا أسود تقتل العبيد في ساحات الرومات القديمة، ولسنا بحق في مصر يمكننا أن نمرر تلك النظرة للإعلام.
وليس من الممكن استقرار فتح الطريق أمام سيطرة الإعلانات على الدراما المصرية وعلى البرامج والمواقع الإعلامية، وعلى كتاب الرأي.
رأس المال في مصر مختلف بالتأكيد في حضوره عن ذلك الذي يدير الآلة الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإن كانت الإطلالة السهلة خفيفة الظل المحملة بفهم أكاديمي عميق لباسم يوسف وصياغته الاحترافية للحوار بمقاطع مصورة وأخبار وموسيقى وملابسه الحرة وثقته فيما يقول ويعتقد هي علامات احترافية بالغة الإتقان يجب إدراكها كما يجب أن يحظى أهل الرأي والفكر والإعلام بتلك المساحة الحرة التي تعرف كيف تبني المصداقية مع الجمهور العام، خاصة هؤلاء الذين لا يزالون يعتقدون أن الإعلام ليس سلعة، رغم عالم تؤثر فيه الشركات عابرة الجنسيات وتأخذ فيه المصالح الاقتصادية موقع الصدارة، وتتداخل وتنهار فيه الحدود البينية بين الفنون والعلوم والإعلام والسياسة وفنون الضحك والتسلية.