

سارة السيد
أربعة أعوام من الرحيل
لا أعلم كيف مر الوقت ومضت الأربع سنوات تلك، ولا أدري كيف تحملت حينها برودة يد أمي مع دفء ملامحها ونعومة ابتسامتها، ومن أين أتت طمأنينة قلبي وبرودته في تلك اللحظة الفاصلة، برودة قد تعادل برودة يدها وتزيد، يمكن أن يكون إيماني بأن هذا الوجه مضيء لمقابلة رب كريم، منعم بجنة ورفاهية حياة البرزخ.
لم أدرِ وقتها كيف سأخبر إخوتي بهذا النبأ الجلل، كنت دومًا أتساءل كيف سأجتاز ساعات السفر لو أنهم أخبروني برحيلها وأنا هناك بعيدًا عنها، ولم أهيئ نفسي أبدًا لأن يكون كل شيء على مرأي ومسمعي ويدي، لم أتوقع يومًا أن أنقل مثل هذا الخبر، غير أني لم أتحدث حينها، فقد نظرت إلى أختي الصغرى وهي قادمة مقبلة بحساء اشتهته أمي، ألقت على إثر تلك النظرة ما في يدها وعلى وشك إصدار صوت، بادرتها بنظرة أخرى محذرة إياها ألا يصدر منها فعل أو صوت، لا أدري إن كانت استجابت أم فعلت شيئًا ما، انشغلت بتفاصيل أخرى لنقل أمي وأبعادها عن تلك الأجهزة، اكتشفت في نفسي قوة وطاقة لم أدرِ بهما من قبل، وزاد اكتشافي لنفسي بعد ثلاثة أيام وأنا أعيد نفس السيناريو باختلاف تفاصيله لنقل جثمان أبي.
نعم مر الوقت ومضيت أنا مع الأيام بثبات ظاهري وثبوت داخلي، ولكن خاب ظني في الأيام، وأنه يمكن مع الوقت أن تهدأ المشاعر وتقل الأحزان، غير أنه كلما مر الوقت زادت علينا الأيام مرارتها، وكلما انقضى عام تبددت البرودة التي تمسكت بها قديمًا وحلت مكانها مشاعر الإدراك والوعي لما حدث.
قد يبدو أن الأمر أصبح سهلاً، وقد تبدو على ملامحك معالم النسيان، وأنك اعتدت الوضع، غير أن داخلك ما زالت نارًا مستعرة من الحسرة والألم لن يطفئها الزمن أو التناسي ومرور الأيام، كان وما زال حدثًا جللاً ومصابًا عظيمًا، لا يعزينا فيه إلا صلاح عملهما وسيرتهما العطرة وتمسكنا وإخوتي بمحاولة أن نكون عملهما الصالح الذي لم ينقطع بعد.
أعتقد أنه لا أحد قريب أو غريب يستطيع أن يدرك حجم المصاب إلا من مر بتجارب الفقد على اختلاف تفاصيلها وحجمها، إلا أنها تظل الابتلاء الأعظم، ما يجعلنا نذكر أنفسنا دومًا بقوله تعالى “ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ( 155 ) الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ( 156 ) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ( 157 )”.