عاجل
السبت 5 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
النظرة لفنون الأداء.. والفرقة الوطنية السعودية

النظرة لفنون الأداء.. والفرقة الوطنية السعودية

المكان مسرح معهد الموسيقى العربية الكائن في 22 شارع رمسيس، المسمى الآن بمسرح محمد عبد الوهاب، تحفة معمارية بديعة تعود إلى عهد الملك فؤاد الأول الذي أُنْشئ المسرح الجميل في عهده 1923.



مجرد أن يحتويك المكان العبقري بسحره الأخاذ، ليصبح الجمال الذي يحتويك هو الباب الذي تدخل منه لانسجام الاستماع للموسيقى. كنت هناك بدعوة كريمة من عضوة مجلس إدارة هيئة المسرح وفنون الأداء السعودية د. ملحة عبد الله الكاتبة العربية، وذلك في حفل الفرقة الوطنية السعودية والكورال في مساء الخميس المبهج في السابع والعشرين من أكتوبر الماضي. 

وذلك في إطار فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية المنتظم الذي وصل عمره للواحد والثلاثين، والذي تقدمه دار الأوبرا المصرية، وصار حدثاً ثقافياً مصرياً عربياً مهماً ومنتظماً وتراكمياً.

الفرقة الوطنية السعودية يشرف عليها الخبير الفني السعودي صاحب التجربة التاريخية في إدارة الفنون في المملكة منذ أكثر من ثلاثين عاماً سلطان البازغي، الذي كافح وأهل فنون الأداء سنوات طويلة حتى تغيرت النظرة لتلك الفنون بدعم واضح من القيادة السياسية للمملكة.

ولكن يبدو أن هناك خيطا متصلا في الوطن العربي كله يجعل من أهل الفن الأدائي رفيع المستوى في فعل المقاومة المستمر الواحد. ذلك أن تلك الفرقة المدهشة لا تزال بعيدة عن الأضواء، شأنها شأن فعاليات هيئة المسرح وفنون الأداء السعودي، والتي لا تزال لم تحصد الانتشار الجماهيري الواسع الذي نتمناه. 

وهي هيئة ذات طابع ثقافي مميز تعتني للغاية بفنون المملكة السعودية التراثية المميزة، وبعدد من فنون المسرح والأداء المعاصرة.

وواحدة من فرق الهيئة هي فرقة الموسيقى الوطنية السعودية، وهي ذات طابع خاص في تكوينها وجمعها بين الآلات الموسيقية الشرقية كالعود والناي والإيقاع بأنواعه. 

ولعل الآلات الإيقاعية التراثية بحضورها النادر في الفرقة تبدو عنصراً متميزاً. 

أما السلم الموسيقي الذي قدمته الفرقة للأغنيات السعودية التراثية والمعاصرة الشهيرة فهو سلم خاص، تبدو فيه الجمل اللحنية محكومة بالإيقاع الخاص الخليجي الشهير، والجمل اللحنية منتظمة متساوية بسيطة ما يمنح تلك الأغنيات خصوصية سعودية تراثية خاصة تحمل ذلك الصفاء النادر.

أما قائد الفرقة ومدربها مهند طلال، فيبدو بوضوح أنه قد أنجز تدريبات طويلة كي تصل الفرقة إلى هذا الحد الواضح من الإتقان والانسجام.

ببساطة متناهية أطلق الفنانون في صالة العرض روائح طيب العود العربي حتى يمكن المساعدة على التمتع بحواس السمع والنظر والروائح الطيبة.

وقد صادف العرض الموسيقي أن كان في ذلك المكان الرائع الذي هو تحفة معمارية تجمع في نقوشها الفن الإسلامي وبعض متحورات الفن القبطي في الزخرفة، وبعضا من زخرفة الطراز الإيطالي في أوائل القرن العشرين، إلا أن طابع الزخرفة والنقوش الإسلامية شديد الثراء ودرجات الألوان المتداخلة هو الإطار الأسلوبي العام في مسرح محمد عبد الوهاب.

صادف أن احتوى المسرح الجميل هذا الطرب والانسجام الموسيقي للفرقة الوطنية.

الإجابة يمكن أن نلحظ احتياج الفرقة لتنوعيات في ملابس المطربات والمطربين، وفي التراث السعودي وطراز الملابس التراثية للرجال والنساء أصول ملهمة. 

إذ تبدو الملابس المعاصرة غير مناسبة لهذا الانسياب الموسيقي النادر شديد المحلية، وهذا هو سر جاذبيته رغم إدخال بعض الآلات المعاصرة القليلة على الفرقة الوطنية محدودة العدد.

ولذلك يبقى من الضروري النظر في أزياء تراثية معاصرة أكثر إلهاماً من الملابس الواقعية للعازفين والمطربين المهرة. الفتيات الرائعات السعوديات يغنين في حياء وبراءة خاصة ولا تعرف الواحدة كيف تحرك ذراعيها وربما يحتاج هذا لتدريبات مكثفة في فن الأداء ومواجهة الجمهور. 

إلا أن تلك البراءة منحت العرض الموسيقي أيضاً خصوصيته.

وكم كانت د. ملحة عبد الله مبتهجة بالمغنيات، وقدرة المملكة على أن تدعم فنون الأداء في اتجاه القبول المجتمعي، والسماح للمرأة السعودية بالغناء في فرقة تابعة لهيئة المسرح والفنون الأدائية ذات الطابع الرسمي.

وجدير بالذكر أن دعم هذا الاتجاه رفيع المستوى ضرورة ليحتل من المعرفة الجماهيرية المكانة التي يستحقها، والتي هي جديرة بالتعبير عن الفن العربي.

مما يعيدنا إلى الفكرة المدهشة ألا وهي بقاء الفنون الأدائية الجادة رفيعة المستوى، في معظم الوطن العربي بعيداً عن عالم الشهرة. وهى المسألة التي يجب أن ينتبه إليها الإعلام العربي عبر الدعم والبث والإلحاح على ما هو جيد ورفيع المستوى، حتى لو لم يكن مطلوباً جماهيرياً، حتى يعرفه الناس، ويبدأ الطلب الجماهيري عليه، كي يحتل الهامش الثقافي الإبداعي في الفنون التعبيرية العربية مكانه الطبيعي في المتن، وفي صدارة اهتمام الجمهور العام.

أما ما يجب أن نثمنه فهو تلك الخطوة الجريئة نحو عمل المرأة السعودية في الفنون الأدائية المتعددة، وهو المسار الذي يعزز مكانتها، ويعيد دعم تلك القضية على المستوى العربي.

والذي لا يزال حتى الآن بما في ذلك الدول التي بدأت مسار الفنون التعبيرية الأدائية منذ قرن من الزمان في الوطن العربي، إلا أن النظرة المجتمعية لتلك الفنون الأدائية لم تزل تحتاج لإعادة صياغة، فيما يتعلق برؤية المجتمع لها سواء لإبداع المرأة أو الرجل على حد سواء.

ذلك أن الفنون الأدائية التي يظهر فيها الجسد المغني والجسد الممثل والجسد الراوي، والجسد المعبر بالرقص رفيع المستوى، لا تزال حتى الآن تبدو في نظرة المجتمع العربي في مكانة أقل من فنون الأدب والكتابة.

ربما لأن الفنون الإبداعية في الكتابة يتوارى فيها الفاعل ليظهر الفعل الإبداعي.

وربما للتقدير التاريخي العربي لثقافة الكتب والكتابة.

ربما لقدرة الكتابة على أن تعيش لمدة طويلة بين سطور الكتب.

ربما لأن فنون الأداء أقل مقدرة على العيش لمدة كافية لإعادة تأملها.

الحقيقة أننا في عصر الثقافة المسموعة المرئية، والقدرة على تسجيل وبث ونشر تلك الفنون الأدائية المسموعة المرئية الآن، يدفعنا لإعادة النظر في إمكانية بقائها حية قابلة للاستعادة والتأمل شأنها شأن الكتابة.

دفعة جديدة قدمتها الفرقة الوطنية السعودية لفنون الأداء.

وهي دعوة غير مقصودة، ولكنها من حيث لا تدري تدعم مسألة ضرورة تعزيز نظرة التأمل والتقدير لفنون الأداء التعبيرية في الوطن العربي لوضعها في مكانة تتساوى مع الفنون الإبداعية الكتابية المختلفة.   

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز