حمدي الحسيني
ماذا يريد الشارع العربي من قمة الجزائر؟
وسط أجواء دولية وإقليمية مضطربة، يأتي اجتماع القادة والزعماء العرب في قمة استثنائية تستضيفها الجزائر مطلع نوفمبر المقبل، وتتطلع أبصار وقلوب ملايين العرب إلى هذه القمة أملاً في خروجها بقرارات توافقية، ربما تسهم في التخفيف مما تواجهه شعوب المنطقة من أزمات ومخاطر.
بإطلالة سريعة على ما يجري حولنا من أحداث وتطورات، نجد تحولات سياسية جذرية في العلاقات الدولية، في ضوء استمرار الحرب الحالية بين أوكرانيا وروسيا الاتحادية، وما تشهده هذه الحرب من تغيُّرات خطيرة، قد تؤدي إلى حرب نووية أو اتساع دائرتها لتشمل دولاً ومناطق أخرى من العالم.
قمة الجزائر تأتي في ظل تفاقم أزمات سياسية واقتصادية تعصف بعديد الأقطار العربية، وهنا تتساوى الدول النفطية مع الدول شحيحة الموارد، كثيرة المشاكل، لأن الجميع يعاني تلك التطورات بطريقة أو أخرى.
السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا بوسع القمة أن تقدم للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية؟ خاصة تلك التي تعاني التمزق والاضطرابات الداخلية.
على سبيل المثال، ماذا يمكن للقمة أن تقدمه، لإنقاذ دولة مثل لبنان من السقوط في دوامة الإفلاس والضياع، وماذا يمكن أن يكون شكل الدعم المتوقع لبلد مثل اليمن الذي يعيش شعبه أكبر مأساة إنسانية منذ أكثر من عشر سنوات متواصلة، وكذلك ما نوع المساعدة المنتظرة للسودان الذي يعيش في دوامة من الأزمات السياسية والاقتصادية الطاحنة منذ سقوط حكم البشير، كذلك الحال بالنسبة لكل من العراق وليبيا والصومال وسورية وتونس أيضاً.
أما التحدي الأكبر أمام قمة الجزائر فيتعلق بالقضية الفلسطينية التي لا تزال البند الأول الثابت على رأس اجتماعات الجامعة كافة، منذ إنشائها في عام 1945.
مع ظهور دولة الاحتلال الإسرائيلي على أرض فلسطين العام 1948، لم تفلح الحروب في ردع الاحتلال المدعوم من القوى الدولية الكبرى، فلجأ العرب إلى مسار السلام، أملاً في تحقيق العدل وتقرير مصير الشعب الفلسطيني وتحرير الأقصى، لكن تبين أن طريق السلام على طريقتهم بلا نهاية؛ لأن المحتل أدرك أن التنازل التدريجي هو الوسيلة الأنجع في ابتلاع فلسطين بشكل كامل.
فالتجارب أثبتت أن هذا العدو، لا يعرف سوى منطق القوة، وأن شعارات السلام مجرد وهم وسراب، الهدف منه كسب مزيد الوقت، والتلاعب بمقدرات الفلسطينيين، فشرع الاحتلال في الترويج لأكاذيب حول أولى القبلتين وثالث الحرمين، بل وصل الأمر بمحاولتهم إقناع العالم بأن المسجد الأقصى مبني على بقايا هيكلهم المزعوم، لذلك كثفوا في السنوات الأخيرة من استهدافهم للأقصى سواء بالتدنيس أو الاقتحامات المستمرة لقطعان المستوطنين المتطرفين.
إذن القادة العرب مطلوب منهم توحيد صوتهم في مخاطبة العالم الذي يجب أن يشعر بأن الصوت العربي تجاه القدس موحد لا مساومة فيه، ولا بديل عن دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ثم يأتي الحديث بعد ذلك عن السلام أو التطبيع أو حتى اعتراف عربي بحق إسرائيل في الوجود.
أتصور أن قمة الجزائر ستكون فرصة للقادة العرب بأن يجددوا الأمل لدى شعوبهم في مستقبل أفضل، وأن يتخذوا خطوات فعلية نحو الوحدة والتكامل، بعد أن ينحوا جانباً كل القضايا الخلافية، ويركزوا جل اهتمامهم لكل ما هو مشترك وجامع للعرب وهو كثير جداً.
الشعوب العربية تنتظر من اللقاء المرتقب في الجزائر أن يخرج بقرارات عملية يلمسونها في تعاملاتهم اليومية، خاصة تلك المتعلقة بتحقيق وحدة اقتصادية وعملة موحدة على غرار العملة الأوروبية الموحدة.
فهل يتجاوب القادة العرب مع تطلعات شعوبهم المشروعة؟