عاجل
الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

سماح الخراط: المنسوجة التقليدية هوية تصادق على إخصاب المستقبل

سماح الخراط
سماح الخراط

أكدت الفنانة التشكيلية التونسية سماح الخراط أن ما يميز الإنسان ويعطيه خصوصية وجودية قدرته على عقلنة الأشياء وإنشاء الرموز عبر شبكة معان تعكس تراث الشعوب وإرثًا إنسانيًّا يتمثل في مراكمة لعاداته وتقاليده وقد يكون تراثًا شفويًّا أو مدوّنًا.



 

تتنوع أنماط وأشكال القطع الفنية التراثية بحسب البيئة التي ينتمي لها الحرفي فنجد مثلا صناعة السجاد والكليم والمرقوم في البيئة الرعوية والريفية، حيث يوجد أصناف متنوعة من المنسوجات عرفت بها البوادي التونسية كما الحضر واتًخذها هؤلاء أفرشة بلاطية للتوقي من شدّة البرد في موسم الشتاء ومفارش للجلوس ومن بين القواسم المشتركة من مختلف هذه الأصناف الحياكية المحاكاة باليد والآلة هي الوحدات الزخرفية المكونة للمنسوجة التي يمكن قراءتها من حيث أنها تمظهر مفيد لا للإبداع الشعبي في تونس فحسب وإنما من حيث أنها جزء لا يتجزأ من الرصيد الثقافي والفني باعتبار أن لكل مدينة أو جهة من الجهات تمًيز وخصوصية خاصة بها.

 

وبالتالي تكون أغلب العلامات والرموز والأشكال التي تكون المنسوجة بأنواعها ذات أبعاد أيقونية وتشكيلية هي وليدة أفكار وتصورات اعتمدها الحرفي من مصادر تراثية ذات أبعاد انتروبولوجية جغرا- تاريخية مأخوذة من البيئة الانساني ذاتها، حيث ترتبط المنسوجات عموما بخصائص حاجيات الإنسان في حياته اليومية تسموها جمالية تتنوع داخلها السمات والمؤثرات الفنية.

 

وتعدً المنسوجات حصيلة من إبداع متفرد التنوع رسختها ابتكارات الشعب التونسي الضاربة في عمق التاريخ. 

 

ففي تنوّع الثقافات تتجدد الرؤية الجمالية للموروث الحرفي وفي صدق القراءة البصرية للواقع تتعمق البساطة الظاهرة في المنتج لتعكس كل ما تفرزه الشعوب من تصورات مبتكرة ذات علاقة بالهوية.

 

فكل ما يرسم بنسج هو فضاء لاختزال الأحاسيس والمعتقدات التي تصقل مجددا برؤى يحضر فيها حسً الحرفي ورؤيته الجمالية للتعبير عن هويته وهويًة شعبه تأسيسا لجمال متفرًد الحضور ، للمحافظة على حرفة الأجداد وتطويره المواكبة مقتضيات الحاضر .

 فالمنسوجة عبارة عن "سجل يدوّن فيه شيء قابع في تلافيف المخيال الجمعي أي في الذاكرة الجماعية الفاعلة التي أبت إلا أن تحتفظ، رغم التطوًر وتعاقب الأزمنة والتجارب البعض من مكونتها ترى فيه لغة هويتها".

 

 ففضاء المنسوجة هو فضاء سيميولوجي تتحول فيه الرًموز برمًتها إلى جملة من الدلالات والمعاني تؤثًث مجال تواصل وحوافز وعلامات ورموز ومعاني وإشارات.

 

فالمنسوجة هي تمثًل لهوية وطنية خصوصية وجهوية تحتفي بها عدد من الجهات باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الهوية الثقافية الوطنية ترثها الناشئة للتعريف بها على أوسع نطاق لتكريس الثقافة الوطنية لكل جهة والتعريف به و وبأهم مميزاته ودلالاته.

 

 

ولعمري فإن دراسة النسيج التقليدي بمختلف مكوناته وأنواعه نازعا للتعرف على جزء من التًراث الثقافي اللاًمادي المحلي وما يزخر به من مهارات ومعارف متوارثة ومتناقلة من جيل لآخر،  أنجزت منتجات محملة بمعطيات تاريخية واثنوغرافية وانتروبولوجية.

 

إن المنسوجات مرتبطة أساسا بالحياة اليومية فهي تتعايش مع الإنسان منذ نعومة أظافره.

إلى آخر عمره, وتفرض نفسها كحاجة أساسية في حياته اليوميًة بما تعكسه من أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية لتقف شاهدًا على التغيير التاريخي للمجتمع المحلي وما تعاقب عليه من حضارات بالتالي فإن المنسوجات التقليديًة التي تحضى بها بلادنا هي نتاج تجارب أجدادنا سواء كانت المفروشة أو الملبوسة او الحائطية وهي بمثابة همزة وصل ومصدر توثيقي يبيّن مظهرًا من مظاهر الحياة التقليدية لأي شعب من الشعوب وتعد كذلك عنصرا مهما من عناصر التراث المادي، فالمتأمل فيها يلحظ انتماءها لجهة معينة وبالتالي فإن المنسوجات هي ذلك التراث الشعبي المعني بالأنماط الزخرفيًة واللًونية والأشكال المختلفة وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن المنسوجات التونسية هي نتاج أمم وحضارات تعاقبت عليها لتترك أثرا و نقوشا ورموزا عدة تختلف حسب المناطق وهنا يعتبر التراث الشعبي ذخيرة حية للأجيال القادمة وشاهدا على الهوية ورمزا من رموز هويًتنا التي نعتز بها حيث يعكس عنصرا مهمًا من عناصر الهويّة المحليّة الشعبية للمجتمع التونسي.

 

تتنوع الزرابي وفقا للاستعمالات والمتطلبات اليومية سواء كانت زرابي للزينة أو الافتراش أو المعدة للباس. هذا التنوع يعد أحد العوامل الرئيسية لرواج الزربية في المدن التونسية بمختلف مناطقها ففي منطقة القيروان تعتبر نسيج الزربية نشاط أنثوي دأبت على ممارسته المرأة القيروانية منذ الصغر داخل فضاء منزلها، فالمرأة هي المحرك الرئيسي للعملية النسجية بكل تجلياتها ومراحلها، فيما يقتصر دور الرجل على مساعدتها في صنع أدوات النسيج وصناعة الصوف وترويج المنتوج.

 

تعتبر الزربية القيروانية من المنسوجات التقليدية الأكثر شهرة بالبلاد التونسية وذلك لما تتميز به من مميزات تقنية وأبعاد جمالية جعلتها منسوجا فريدا من نوعه يجمع بين روح الأصالة والهوية والتماهي مع حركة التقلبات والتغيرات التقنية الحديثة .وهي تصنف ضمن المنسوجات التي تكون الحرفية ملزمة باستعمال نموذج مهيأ مسبقا لتقوم  بإتباعه وفق تقنية "العقدة" وتكمن قيمة الزربية "العلوشة" في اعتمادها على الألوان الطبيعية لأصواف الغنم بتدريجاتها من الأسود إلى البني والرمادي إلى الأبيض لتحوز بذلك على إقبال الزبائن بفضل دقتها وإتقانها وخلوها من أي عيوب أو انحرافات في الذوق".

 

وتعتمد الزربية كبساط أرضي أو كزربية حائطية وتعود صناعتها إلى عصور قديمة خلت، أثرت فيها عديد الحضارات التي مرت ببلادنا تأثرا مباشرا على مستوى الأشكال والزخرف والزينة وهي تنتج في عديد المدن التونسية على غرار قفصة وجربة ومن أبرزها زربية القيروان التي تزين بحاشية تتكون من أشرطة متوازية تزينها زخارف زهرية وهندسية يتوسطها محراب معين في الوسط.

رغم ما شهدته الزربية من تغيرات هيكلية نتيجة تحولها للقطاع صناعي يسهم في الدورة الاقتصادية لتونس.إلا أن مكانتها التراثية والتقليدية لم تندثر بل ازاداد تواصلا واستقرارا فهي من أبرز ما تفترشه المرآة القيروانية في بيتها وغيرها من المدن التونسية.

 

فصنعة الزربية في حاجة ماسة لأن تتطور في إطار مواكبة روح العصر ومقتضيات التجديد ولكنها تظل متشبثة بتاريخها باعتبارها حضارة وهوية وثقافة بما تمثله من "ذاكرة جماعية " تختزل عادات وتقاليد وفلسفة حياة تقوم أساسا على مفاهيم العمل وتبادل المجهود واحترام الجودة وتواصل انتقال المعرفة.

 

فالهوية أصالة عروقها منغرسة في أرض الماضي ولكنها تبعث بموجات فروعها في فضاءات الحاضر والمستقبل لأن نسغها يغذي روح التجديد والإبداع لدى كل من يهتم بفرع من فروع الحرف والفنون وكل تمظهرات الحياة اليومية التي تتطور بحكم تطور حاجيات المجتمع . فالهوية إذن ليست ذلك البعد المتكلس المتحجر الثابت ثبات الموت، بل إن الهوية تحيا مواكبة لحياة البشر وتتطور بتطوره وتتغير بمدى قدرة المجموعة التي تتمثلها إبداعا وتجديد أو تغييرا ونسغا حيا يسري في عروقها مؤثرا متأثرا متناغما مع موجة التاريخ في مدها دون جزرها لأن عجلة التاريخ لا ترتد إلى الخلف الا كمهزلة أو كمأساة.

 

 لو أردنا تعريف عمل متميز في مجال النسيج لضربنا مثلا في أعمال الفنانة "فدوى دقدوق كتوظيف نتاج حرفي متداول وقع إخضاعه إلى نظرة تطويرية للهوية كتراث , فأصبح إبداعا حداثيا حاضرا الآن كفعل هوياتي يتماهى مع تطور الزمن ليخلق تمظهرا جديد للهوية كمفهوم يرفض التقوقع وثقافة النقل والإعادة كقاعدة فجة ليقلع نحو آفاق حية يتجدد نسغها عندما يخطلط بدم جديد مبدع متطور متجدد يخلق حياة جديدة تنخرط في تصور دينميكي للهوية لأنه من المستحيل أن يعتبر الفن كتراث ميت نعيد تركيبه حسب قوالب جاهزة قديمة متاكلة أكل عليها الدهر وشرب.

 

حيث اعتمدت الفنانة في منسوجاتها على أطر هندسية متنوعة الشكل والمساحة لتبتعد عن الأطر الهندسية التقليدية لتقدمها في شكل جديد هو بمثابة الفكر الجديد ليس في فن النسيج العالمي ولكن في فن النسيج التقليدي لتحمله نوع من الابتكار هكذا تخرج المنسوجة من البيئة المتداولة أين تظهر  برؤية تشكيلية مبتكرة خارج حدود الإطار المغلق لتتصف بالرؤية الجديدة المستحدثة ,فأعمال الفنانة هي واقع جديد للمنسوجة التي تخلت عن النمط  التقليدي لتخضع إلى نمط جديد ومفاهيم جديدة لفن النسيج، فالمنسوجة إن كانت تخضع لمبدأ النظام والاتزان نجدها تبحث في اللانظام واللانهاية.

 

إن علاقة الفنانة بمنسوجاتها علاقة وطيدة وهو ما نلمسه في جل منسوجاتها فقد أحدثت الفنانة صياغات تشكيلية جديدة للنسيج الفني التونسي، وهذا الاتجاه الجديد في صياغتها لمنسوجاتها يخرج عملها من حدود المغلق إلى حرية الأداء في البناء والتكوين.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز