عاجل
الجمعة 13 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
واقعنا الثقافي العربي المعاصر

واقعنا الثقافي العربي المعاصر

وسط هذا الخضم الهائل من المقالات التي نقرأها في الصحف والمجلات وعلى الصفحات الخاصة بأصحابها على مواقع التواصل الاجتماعي.



 

وسط هذه الفوضى العارمة، فوضى الألقاب التي أصبحت مستباحة لكل من كتب سطرين أو كلمتين، أو امتدح س، أو ص، من الناس من أصحاب الحظوة - أبا خطوة - نجد ألقابا، مثل الأديب الفلاني، الفقيه العلاني، عالم الدين العرمر- وهو للأسف قد يكون أجهل من دابة، وقد يفتي فتوى تقود إلى الهلاك والتيه والضلال، وما زاد الطين بلة، أننا نسمع لقب المفكر كذا والمفكر الإسلامي، والمفكر التنويري والحداثي، وكثيرة هي الألقاب والشهادات الممنوحة مجهولة الهوية كمن يمنح الدكتوراه الفخرية أو شهادات تقدير فوتوشوب، ولا أخفيكم سرا - كنت أفرح بها لكن فرحي بها ليس لقيمتها وإنما لتجاهل الجهات المعتبرة لنا ولأقلامنا واهتمامهم كما ذكرت سالفا بذوي الحظوة.

وسط كل هذه الكوميديا الباكية، التراجيديا الحزينة التي تدخل في باب اللامعرفات - من وجهة نظري المتواضعة على الأقل - لأن المعرف معروف واضح وضوح الشمس لا يحتمل مواربة أو مداهنة أبيض بياضه ناصع أو أسود سواده حالك.

 

يجد المرء نفسه في حيرة من أمره  وقد يصاب باليأس والإحباط، تعصف بفكره الأعاصيف هل يستمر في مواصلة كفاحه الفكري ويحارب ويقاوم بكل ما أوتي من قوة فكرية وملكة خصبة، هل سنستطيع المواصلة والصمود أمام هذه الحرب الضروس التي تشن ضد ثقافتنا ومثقفينا ومفكرينا وكتابنا الحقيقيين، أم ننزوي ونتركها ونعتكف في محارينا ونكتفي بالتفرج بابتسامة حزينة كاظمين غيظنا مبتلعين ألسنتنا، متقوقعين حول ذواتنا مترحمين على ماضٍ تولى، مترحمين على أهل فكر حقيقي كان يشار إليهم بالبنان ، ولو بعثوا الآن من قبورهم لأفزعهم ولراعهم ما سيشاهدونه ويسمعونه ويقرأونه من كل هذه السخافات، وهذه الملهاة الفوضوية العبثية.

 

من ذي قبل كنا نتحدث عن القطيعة المعرفية، ونرفضها بكل تأكيد، ويرفضها كل صاحب فكر معتبر يؤمن بأن الفكر لا دين له ولا وطن، وإنما نتبادل الأفكار والآراء على طاولة فكرية سواء كانت مباحثاتنا علنية أو سرية، المهم نخرج بمنتج ثقافي يثري واقعنا المعيش ويثري فكرنا ويقله من عثراته.

 

أما الآن، فهل نقول قطيعة معرفية؟ أعتقد لا، من الممكن القول: قطيعة لامعرفية ، فماذا سنعرف وسنسعى لمعرفته، هل سنسعى لمعرفة ما يكتبه فلان من باب العلم بالشيء أو نسعى لسماع بيكا وشاكوش وكماشة وكشري (انتش واجري)، فعلا أن هي إلا أسماء سميتموها، والسؤال أين هذا الشيء (شيئية المعدوم)، بالمثل الشعبي الدارج (كلام ابن عم حديت)، لا جديد، لا مواكبة لا معاصرة، لا تأصيل للأصيل، لا توظيف للثابت لخدمة المتغير والناتج ركود ×ركود=ركود ركود فكري.

 

لكن حتى إن وقفنا متفرجين كاظمين غيظنا فإلى متى سنستمر، هل لأجل معلوم ؟ هل ستحتمل عقولنا وسيكون لدينا القدرة على الصمت الذي لو تحرك سيفرج بركانا من الغضب سيزلزل عروش هذه الشرزمة التي أصبحت لا أقول قليلة، بل أصبحت كثيرة؟ وإذا ما حاولنا المواصلة فما الضامن الذي سيضمن نجاحنا وسيجعلنا نكمل مسيرتنا؟ يمكن أن يكون بصيص نور لاح في الأفق، صحيح ضوؤه خافت يحاول أن يخترق هذه العتمة، يريد أن ينير ولو بالقدر اليسير هذا الكهف، هذا البصيص من النور نجده في كتابات بعض المستنيرين القابضين على جمر أفكارهم الصامدين المكافحين المجاهدين المهمومين بقضايا الفكر وقضايا الثقافة، الذين يحاربون طواحين الهواء، تارة ينجحون وتارة أخرى يخفقون لا بأيديهم وإنما بإصبع خفية وأفواه رائحتها كريهة، تحاول أن تطفئ مصابيح فكرهم وتكسر أقلامهم.

 

نعم هؤلاء ومن شايعهم هم الذين يعطوننا الأمل في غد أفضل، في مأمول ثقافي قيمي ينقذنا من هذا الوقوع والسقوط المدوي في براثن الانسحاق الحضاري.

 

لذا كان لزاما على الجهات المعنية البحث عن هؤلاء وإخراج مواهبهم من حيز الوجود بالقوة إلى حيز الوجود بالفعل، وذلك عن طريق الإكثار من الندوات والمحاضرات والمؤتمرات الحقيقية، وعن طريق المسابقات الأدبية سواء الشعر أو القصة أو التمثيل أو الغناء، أو مسابقات فن المقال وتشجيع الموهوبين وتبنيهم مثلما يحدث في أي مجتمع راق ومتمدن، فنحن لا نقل عن هؤلاء بل لو وجهت الأنظار إلى مواهبنا سنكون أفضل بكثير.

 

السؤال لكم هل سنستطيع إكمال السير والمسير أم.......؟!  هل سنصل؟!

 

 

أستاذ الفلسفة الإسلامية

ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز