عاجل
الخميس 8 أغسطس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
بالتأكيد ليست روميو وجوليت

بالتأكيد ليست روميو وجوليت

يبقى عرض المسرح القومي المصري الآن معبرا عن احترافية مخرجه الذي راكم خبرات جمالية ومعرفية طويلة عبر فهم دقيق للعلاقة أيضا مع الجمهور العام.



إنه المخرج الكبير عصام السيد الذي يحرص على الاستمرار في التفاعل مع عمله الإبداعي.

أما المسرحية فهي قراءة معاصرة في مسرحية روميو وجوليت لوليم شكسبير، وهي في جوهرها رؤية إخراجية للنص الأصلي، قام عصام السيد بعملية إعداد درامي لها مع محمد السوري، وهكذا جاء أمين فؤاد حداد للقيام بالصياغة الشعرية.

تلك العلاقة التي تقوم على العداء التاريخي بين عائلتين كانت في مدينة ڤيرونا كما جاء في نص وليم شكسبير (1564-1616) وهما عائلة منتيغيو، وكابوليت. صراع آثار الكراهية، ومن ثم جاء روميو العاشق الذي أحب الحب، وتجسد في حبه لجوليت مما تسبب في مأساة الحب الخالدة، التي تري أن الأجيال الجديدة للعائلات المتصارعة يجب ألا تكون استمرارا للعداء، بل حلا للصراع عبر طريق إنساني هو الحب. ولكن يأتي هذا الإعداد الدرامي ليحدد ويعيد تعيين العائلتين وما بينهما من صراع. ليصبح في عرض (مش روميو وجوليت) صراعا في مدرسة الوحدة، وتصبح جوليت المسلمة هي هدف استمرار الكراهية إذ يتم تفسير علاقة الأخوة بينهما وبين صديق العائلة ورفيق الطفولة في شبرا يوسف المسيحي تفسيرا خاطئا، فهما أصدقاء رفقة عائلية ومسار ورحلة عمر ممتد حتى عملا كمدرس ومدرسة الوحدة المشتركة الثانوية. وفي تقديري أن القراءة التأويلية لنص وليم شكسبير هي قراءة تأويلية مفرطة، أي بالغة الإفراط في إعادة قراءة ذلك الصراع الأصلي عندما يتم تطبيقه على العلاقة بين المسلمين والمسحيين في مصر الآن وغدا وفي الماضي القريب والبعيد. خاصة وأن العلاقة بين نسيج الأمة المصرية الآن لا تعاني من أية مشكلات واضحة، كما كانت منذ فترات، حيث تظهر أعراض أمراض التطرف من حين لآخر، ولا يمكن تأويلها المفرط إلى هذا العداء بين عائلتي كابوليت ومنتغيو للدلالة المفرطة في تأويلها الاجتماعي في مصر الآن. أما رؤية المتطرفين لهذا الأمر وهي علاقة الصداقة بين فتاة مسلمة وشاب أو رجل مسلم فهي مسألة يطرحها العرض ولم يطرحها الواقع، ولا يمكن إعادة التأويل نص وليم شكسبير إلا في حدود قواعد التأويل المتعارف عليها، ذلك أن الصراع في نص شكسبير هو صراع عائلي لأبناء مدينة واحدة هي ڤيرونا، ولا يوجد بين العائلتين أي اختلافات أخري، إنه خلاف تطور إلي عداء ثأري بين عائلة مونيغيو وكابوليت. ولهذا ورغم تلك المغامرة المفرطة في التأويل والإعداد الدرامي، فالعرض يحاول ملامسة القيم الإنسانية النبيلة، ويؤكد حقا أن المحبة حق لكل بني البشر رغم اختلافات ثقافية واجتماعية وما إلى ذلك من اختلافات. تم تأويل روميو وجوليت تأويلات عديدة في بعض العروض كان روميو فرنسيا وجوليت إنجليزية في فترة ما بعد الحرب الطويلة بين إنجلترا وفرنسا، وفي مرحلة رفع المشكلات التاريخية بين الجارتين وهما الآن من أساسيات الاتحاد الأوروبي. يبرأ عرض القومي كل من يوسف وزهرة من علاقة الحب، ويؤكد أن علاقتهما صداقة قوية، لكنه يلامس حقاً أفقاً هو فخ مدهش غير مطروح اجتماعياً ومنقطع الرأي فيه على الصعيد الفقهي والديني. وإذ تتعدد تلك الصداقات في مصر تلك الصداقات في مصر في كل الأجيال ولم تشهد اعتراضاً من أحد، وإذ تجاوز الواقع في مصر تلك المسألة الهامشية الاستثنائية نادرة الحدوث، فعلياً وعلى أرض الواقع بحلول مصرية عبقرية تؤكد انتصار فكرة الحب عند المصريين أصحاب أول أغنيات المحبة في التاريخ الإنساني.  فلماذا بينما تتعدد القضايا المهمة في مصر الآن على كل المستويات يذهب المسرح القومي لمسألة مدهشة وهي البحث عن هامش الهامش وعن علاقة ملتبسة، تكرر التعامل معها على أرض الواقع، وعالجتها الحكمة الشعبية المصرية مراراً وتكراراً.

في واقع تفاعل إيجابياً على سبيل المثال مع قصص حب استمرت بين صفوت غطاس وسميرة أحمد وبين مراد منير وفايزة كمال. وتمت معالجتها على كل المستويات دون أن يفتش فيها أحد، طالما سارت مسارها الاجتماعي والديني والأخلاقي الطبيعي. ولأن ذلك غير متجدد الآن وغير مطروح اجتماعياً، فلماذا نذهب إليه بعيداً عن القضايا الساخنة التي يطرحها الواقع المعاش.

أما الإشارات إلى العيون التي تراقب والملابس التي تشبه خفافيش الظلام وما إلى ذلك، فهي إشارات في غير موضعها الدرامي، وتسحب تصوراً متطرفاً بات غير ملحوظ في الواقع العام الفعلي، إلى المشهد الدرامي في المسرحية، فالأغلبية المسلمة المصرية لا ترى الأمور بهذه الرؤية، وكذلك لا تراها الكنائس المصرية المتعددة والمصريين الذين يعتنقون الديانة المسيحية. 

أما عن التصنيف الدرامي فالمسرحية مسرحية غنائية استعراضية تستخدم مساحات كبيرة شبه متصلة من الغناء لكنها ليست أوبرا شعبية، ومحاولتها البناء على مسرحية انقلاب لصلاح جاهين وجلال الشرقاوي في المزج بين المسرح والصور محاولة جيدة ولكن لا يمكن الدخول بالتصنيف إلى أبعد من المسرح الغنائي الاستعراضي.

العرض الاحترافي في القومي تنقصه الدعاية المحترفة نظراً لغياب الدعاية عن عروض قطاع الإنتاج، وهي مسألة مضادة لتوجه المؤسسة الثقافية للاستثمار، ذلك أن جوهر المسرح هو عمل إبداعي جيد ودعاية جيدة حتى يصل المنتج الفني الذي تتفق الدولة عليه الملايين وتحتشد له الطاقات البشرية المبدعة، وتفتح له أبواب دور العرض الكبرى ليقدم عليها، فكيف كل هذا بدون دعاية؟ وهل يوجد حلاً لهذه المسألة التي تعيدها المؤسسة الثقافية الرسمية لوزارة المالية، بينما تحتاج وزارة المالية لمن يشرح لها فقط طبيعة العملية الإنتاجية الاحترافية في المسرح المصري، وهى عملية تدخل إطار الصناعات الإبداعية المصرية التاريخية. 

لكن ورغم كل تلك الملاحظات إلا أن قيمة الاحتراف وحيوية النجمة رانيا فريد شوقي والفنان الكبير علي الحجار، واحترافية ودقة الصورة الجمالية لمحمد الغرباوي ومحمد عبد الرازق، والاستعراضات الحيوية لشيرين حجازي، والحضور المسرحي لعزت زين وميدو عادل وطارق راغب وآسر علي ودنيا النشار وطه خليفة، والإضاءة المسرحية لياسر شعلان، وألحان وموسيقى أحمد شحتوت المبهجة ذات الطابع الدرامي تبقى مسألة تستحق التقدير لحيوية الإيقاع العام للعرض المسرحي، إلا أن هذا الجهد الكبير الذي حقق جماليات الصورة المسرحية بطريقة إبداعية واضحة، توقف عند التأويل المفرط، ولا تؤثر مسرحية روميو وجوليت التي قرر ناظر المدرسة تمثيلها إلا في تأكيد الشائعة بالمنطق، فالعلاقة أساساً لم تكن صداقة بل حب في عالم شكسبير بل هي صداقة عند عصام السيد.  وما ينقذ الجميع هو محاولة حرق المدرسة واعتقاد الجميع بموت يوسف، ولكنه يعود للحياة وعندها يخيم الحزن على الجميع، لكنهم يحتفلون بنجاة يوسف. روميو وجوليت تعبير دال، "ومش روميو وجوليت" تأويل مفرط مع إبداع احترافي للمخرج الكبير عصام السيد وفريق العمل. ولكن يؤكد المسرح القومي بهذا العرض على العلاقة الحية بين الأجيال المبدعة من المسرحيين المحترفين في مصر، وإن كان السؤال يبقى لماذا يدهشنا المسرح القومي جداً بهذا الذهاب إلى هوامش الهوامش التي تجاوزها الواقع في مصر منذ زمن بعيد.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز