عاجل
الأربعاء 5 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
لا .. لدستور يبيح الإرهاب الديني والسياسي

لا .. لدستور يبيح الإرهاب الديني والسياسي

بقلم : محمد هيبة



 
 
سئلت من العديد من الأصدقاء والجيران ليلة الاستفتاء: بماذا سنصوت.. نعم.. أم لا.. ولماذا؟! لأننا لا نفهم بالطبع معظم ما جاء فى الدستور لنعى كل مواده وكل ما نراه ونسمعه من آراء هى خناقة بين فصيلين على مشروع الدستور.. الأول يقول «نعم» لأن الدستور يمثل شرع الله وخلاف ذلك يساوى الكفر.. والثانى يؤكد أن الدستور بشكله الحالى يؤكد الاستبداد والديكتاتورية ويبارك قيام الدولة الدينية.. والحقيقة أن أغلب الناس البسطاء الذين ذهبوا إلى صناديق الاستفتاء فى المرحلة الأولى ليس لديهم أى فكرة عما سيصوتون عليه.. ولماذا «نعم».. ولماذا «لا».. وكلهم يأخذون معلوماتهم من أقارب أو جيران أو أصدقاء أو زملاء فى العمل أو بعض الشيوخ فى الجوامع.
 
 وقد سألتنى سيدة فاضلة عبر الموبايل أنها ذاهبة للاستفتاء وكانت مقتنعة بشدة لتقول لا، لا لشىء إلا لحالة الانقسام التى زرعها مشروع الدستور.. لأن الانقسام يعنى أن الدستور فيه حاجة غلط ومع ذلك فهناك من أقنعها أن نعم تعنى الاستقرار وهدوء الأحوال وأن لا ستدخلنا مرة أخرى فى مرحلة انتقالية ستطول إلى 9 أشهر منها تشكيل جمعية تأسيسية جديدة ومشروع دستور جديد ثم استفتاء جديد.. وبعدها يتم انتخاب مجلس شعب جديد.. يعنى إحنا لسه هانستنى ده كله.. والحقيقة أن هذه السيدة عبرت عن أحاسيس أناس كثيرين مثلها.. لكنها لا تعى أن الدستور بعد الموافقة عليه بهذا الشكل.. وبهذا السلق.. وبهذا الأسلوب الذى فرضه تيار واحد على الناس لن يلم شمل الناس مرة أخرى بل سيزيدهم انقساما ويزيد الهوة بين الشعب.. والأغلبية الحاكمة والمسيطرة على الساحة السياسية والتى جاء منها رئيس الجمهورية.. وأن القوى الثورية ومعارضى التيار الدينى لن يهدأ لهم بال إلا بإسقاط هذا الدستور وحتى ولو جاءت النتيجة النهائية بنعم كما هو متوقع.
 
والحقيقة أننى رددت عليها بأن مواد الدستور فى ظاهرها تبدو مواد جيدة تحمى الحقوق والحريات.. ولكن فى باطنها كلمات وجمل تنسف هذه المواد من أساسها.. وتضع قيودا هائلة على الحقوق والحريات أى أن الدستور يضع السم فى العسل، لأن الدستور كعقد بين الدولة والأفراد والشعب عليه أن يحقق هذه الحقوق والحريات.. وأن يحمى حقوق الأقلية أكثر من حقوق الأغلبية.
 
إن أخطر ما نجده فى مواد الدستور موجود فى المواد 01، 61، 84، وأيضا المادة 912 والتى تنشئ بجانب سلطات الدولة سلطات أخرى للمجتمع بإنشاء جماعات تكون لها سلطات ومهام توازى سلطات الدولة ناهيك عن المواد الأخرى الكارثية الخاصة بسلطات رئيس الجمهورية ومؤسسات الحكم وهى أيضا ترعى قيام الدولة الدينية وسيطرة الدين على الدولة فى كل النواحى ومن خلال هذه المواد تتحكم القوى الدينية والإسلامية فى الدولة وفى المجتمع نفسه وتجعل من نفسها دولة فوق الدولة.. وتصنع لنفسها قوانين فوق القوانين.. وتضع لنفسها قضاء فوق القضاء أيضا، فسلطات الدولة سوف يتم اختزالها فى سلطاتهم هم وهو ما سيدخل الدولة فى غياهب وظلمات الانقسام والانتقام والإرهاب الدينى والسياسى والفكرى.. وما يحدث وحدث الآن من حصار أنصار الداعية حازم أبوإسماعيل لمدينة الإنتاج الإعلامى ثم هجوم أنصاره أيضا على مقرات حزب الوفد وجبهة الإنقاذ كذلك هجومهم على مقرات الصحف المستقلة وتهديده كذلك بحصار قسم الدقى وأيضاً حصار الإخوان للمحكمة الدستورية العليا، وأخيرا هجوم بعض السلفيين وأنصار أبوإسماعيل على مقاهى وسط البلد لهو تهديد صارخ وصريح وفاجر لكل سلطات الدولة وأركانها وذلك دون أن يتحرك للحكومة وللرئاسة والرئيس أى ساكن.. بل يشير ذلك إلى أنهم يباركون ما حدث وأنه حدث ويحدث تحت مظلتهم وبرعايتهم، وكأنه ليس هناك دولة لها هيبة ولا رئيس للدولة يحكمها.. والغريب والأغرب أن هناك من يتحدث باسم الإخوان والسلفيين ودراويشهم بأن ما حدث هو رد فعل طبيعى لحصار الاتحادية من قوى الثورة والليبراليين.. وكذلك حرق مقرات الإخوان والحرية والعدالة فى أكثر من مكان.. وكأن الإعلام والمحكمة الدستورية العليا والأحزاب الليبرالية هى المسئولة عن حصار الاتحادية وحرق المقرات وليس الرئيس وجماعته التى تصر على الانفراد بالسلطة وإصدار إعلانات دستورية مقوضة للحريات وفرض دستور لا يعبر إلا عن فصيل واحد بالقوة أيضا حتى لو احتكموا للصندوق الانتخابى لأن 02٪ من إجمالى الشعب لا يقرأ ولا يكتب وهم يصوتون على أشياء لا يعرفون عنها شيئا وإنما يصوتون لصالح الزيت والسكر.. أو «نعم» فى الجنة و«لا» فى النار.. وهى نفس اللعبة القذرة التى مارسها التيار الدينى من قبل فى استفتاء 91 مارس الذى أدخلنا فى أسوأ مرحلة انتقالية شهدتها البلاد لأنها جعلت الانتخابات التشريعية قبل وضع الدستور وبالتالى سمحت لفصيل واحد فقط بالأغلبية المزيفة هو الذى يضع دستور البلاد بالمغالبة لا المشاركة.. وهذا ما صرنا إليه الآن من انقسام حاد وتمزقات وصراعات لا تؤدى إطلاقا إلى الاستقرار وإعادة بناء المؤسسات التى ننشدها حتى تنتهى هذه المرحلة الانتقالية التى لا يعرف أحد متى وكيف ستنتهى؟
 
إن إصرارنا.. وإصرار القوى السياسية والليبرالية والمدنية على رفض هذا الدستور جاء لأن هذا الدستور باسم الشريعة.. وشرع الله.. والشرعية، يسمح ويبيح الإرهاب والبلطجة السياسية والدينية والفكرية ويقننها أيضا.. ويضع قيودا هائلة على الحريات والحقوق.. بل إنه فى النهاية دستور تفصيل على مقاس جماعة واحدة أو تيار واحد يريد أن يركب السلطة والحكم إلى مالا نهاية باسم الدين وباسم الشريعة.
 
إن أهم ما حدث فى الاستفتاء من إيجابيات، رغم كل التجاوزات والتزوير وتسويد البطاقات وتوجيه الناخبين بـ«نعم» هو انتفاض الناس لقول كلمة حق فى وجه التيار الدينى الظلامى وإنهم ليسوا كالقطيع يساقون إلى ما لا يريدون دون فهم أو وعى.. أما الذين يتشدقون ليل نهار بالديمقراطية والصندوق وحكم الشعب وإرادة الشعب هم أول من يخشى الديمقراطية ولا يقتنعون بها كنظام حكم.. وإلا فلماذا يلجأون إلى ترهيب وترغيب الناخب لأن يقول «نعم» لماذا أسلوب فرض الرأى هذا.. إذن أى ديمقراطية تلك التى يدعون أنهم مؤمنون بها.. وإذا كانوا يؤمنون بها فلماذا لا يتركون الناس يدلون بأصواتهم بحرية تامة لماذا يلجأون إلى التزوير وتسويد البطاقات.. لماذا لا يتركون الناس يطبقون شرع الله بإرادتهم.. ولا يجعلون من أنفسهم أوصياء على هؤلاء الناس.. لماذا لا يؤمنون بالقرآن والسنة كما نؤمن بها نحن.. فمن شاء يؤمن.. ومن شاء يكفر.
 
نعم.. نحن نرفض دستورهم حتى إن جاء بـ«نعم».. نرفض دستوراً يبيح ويقنن الإرهاب الدينى والسياسى والفكرى على المصريين، فقد أفاقوا.. ولن يعودوا إلى سباتهم مجددا.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز