12:00 ص - الثلاثاء 20 نوفمبر 2012

لست أدري لماذا يهون المصري في وطنه؟!.. لماذا تهون روحه ودماؤه وتنتهك كرامته وآدميته وحياته يوميا في كل مناحي الحياة دون أي سبب سوي أنه مصري؟!.. لماذا تحصد كوارثنا البشرية التي نرتكبها بأيدينا سواء بقصد أو بغير قصد أو عن طريق الإهمال واللامبالاة، أرواح أبنائنا وبناتنا دون أن يهتز لنا طرف، أو ينام لنا جفن.. ساعة نحزن فيها.. ويعود بعدها كل شيء لسابق عهده.. وكأننا تعودنا علي البلادة وعدم الإحساس؟
لقد كان ذلك مقبولا رغما عنا ولا نستطيع حياله شيئا أيام النظام السابق الذى أهين فيه المصرى فى كل شىء.. لكنه الآن لم يعد مقبولا بعد ثورة قمنا بها لنستعيد حريتنا وكرامتنا الإنسانية وآدميتنا وبشريتنا المنتهكة والمغتالة دوما بأيدى حكامنا أحيانا.. والقهر أحيانا.. والإهمال أحيانا أخرى.
الحادث الأخير لقطار منفلوط لم يكن الأول ولن يكون الأخير، لكنه حادث يحدث وسيحدث دائما وسوف يضاف إلى مسلسل الإهمال الجسيم وسوء الإدارة واللامبالاة والبلادة التى نعيشها وتسيطر علينا.. وسوف يكون الضحايا الأبرياء من أبنائنا مجرد رقم فى مسلسل أرقام وأعداد ضحايا حوادث السكك الحديدية والطرق التى تبلغ أعلى معدلاتها فى مصر دون العالم كله.. ومهما أطلقنا من إنذارات ودقينا نواقيس الخطر فلا شىء يتغير ولا شىء يتقدم.. ولا نفعل شيئا جذريا لنقلل من هذه الحوادث وكأننا نؤذن فى مالطة!
ولم لا؟.. فللأسف كل قطاعات ووزارات الخدمات فى الدولة لا يحصل المواطن على خدماته منها إلا بعد أن تهان آدميته وبشريته.. وهو يكون هنا أقرب للحيوانات منها للبنى آدمين، بل الحيوانات تصان أحيانا لأنها ثروة ومصدر دخل لأصحابها، أما البشر والإنسان المصرى فللأسف لا ثمن له.. والمصريون تعدادهم كبير.. وأكثر من الهم على القلب.. خلى الدنيا تخف.. هذه هى النظرية التى تتعامل بها الحكومة.. أى حكومة مع المواطن المصرى.. فمثلا حال السكك الحديدية ليس جديدا ومر عليه أكثر من 30 عاما وليقم أى مسئول أو وزير بركوب واستخدام قطارات الدرجة الثالثة المتجهة إلى الإسكندرية أو الصعيد أو الأقاليم والضواحى الأخرى ويرى بنفسه على الطبيعة كيف يحصل المواطن على هذه الخدمة.. لا القطارات آدمية.. ولا اللى راكبين فيها يعاملون معاملة البنى آدمين.. حتى القطارات السريعة والمكيفة الخدمة فيها أسوأ وأسوأ وترتع فيها الفئران والصراصير مع التكييفات المعطلة دوما!
فليقم أى وزير أو مسئول بزيارة مستشفى حكومى وبدون سابق إنذار وبدون زفة، سواء كان هذا المستشفى فى القاهرة أو خارجها أو فى الأقاليم والقرى الصغيرة ليرى فى هذه المستشفيات العجب العجاب! معاملة سيئة وفظة للمرضى من الأطباء والممرضات والتمرجية.. معاملة تكسوها البلادة وتسيطر عليها اللامبالاة.. الكل تبلد.. الكل مقهور.. والكل ضحايا.. الأطباء والممرضات يعانين من قهر الحاجة.. وضعف المرتبات والدخل.. ونقص الإمكانات ونقص الأسرّة.. ونقص الأدوية ونقص الأدوات، وكيف رأينا أن حقنة بجنيه غير موجودة فى المستشفى الجامعى بأسيوط الذى نقلت إليه جثث المتوفين فى الحادث وكذلك المصابين.. وهذه عينة صغيرة لما يحدث على أرض الواقع فى باقى المستشفيات الحكومية والوحدات الصحية.. ولكن المسئولين ودن من طين وودن من عجين.. والمرضى يعانون من كل ما ذكرته، إلى جانب معاناتهم من الأمراض اللعينة التى تزيد يوما بعد يوم!
هل أكمل ما يعانى منه المواطن ليحصل على أى خدمة سواء فى أقسام الشرطة أو إدارات المرور أو المصالح المختصة بتقديم خدمات للناس؟!.. الخدمة لا تقدم، وإذا قدمت لابد أن يدوخ المواطن السبع دوخات كل وزارات الخدمات حتى التربية والتعليم وحتى فى المدارس الحكومية التى تحتوى فصولها على أكثر من 70 تلميذا كيف تقدم لهم خدمة التعليم، وكيف يتعلمون، لا تقيسوا الأمور بما تشاهدونه فى مدارس القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى، بل قارنوا بحال المدارس فى المناطق النائية والقرى والعزب، وما ينطبق على النقل والتعليم والصحة والأمن ينطبق بالفعل على كل القطاعات الخدمية الأخرى التى يُعامل فيها المواطن معاملة غير آدمية.. حتى الطرق عندنا هى أسوأ أنواع الطرق فى العالم، نحن ننفق استثمارات ضخمة على الطرق والكبارى.. ونهمل فى الصيانة.. وبالتالى أعلى معدلات حوادث تحدث تكون عندنا.. الصيانة منعدمة.. تأمين الطرق منعدم.. الرقابة على الطرق منعدمة ولا نجد سوى لجان أمنية لفحص الرخص.. أما سير سيارات النقل فى الحارة الشمال للطرق السريعة والسرعات الجنونية.. وتعاطى السائقين للمخدرات، فكل هذا لا يلقى بالا له القائمون على هذه الطرق.. والذين يتولون الرقابة عليها، ومن هنا تأتى وتحدث الكوارث البشرية التى نصنعها بأيدينا ونساهم فى صنعها جميعا!
ولكن إلى متى سيظل هذا الوضع؟ إلى متى سيظل يدفع المواطن المصرى روحه ودماءه جراء هذا الإهمال.. وهذه اللامبالاة؟! متى سيشعر المواطن بآدميته.. ومتى سيشعر المصرى أنه مواطن من الدرجة الأولى فى وطنه؟
∎ترزية القوانين.. وترزية الدساتير
أتابع بذهول ما يحدث فى الجمعية التأسيسية والانسحابات الأخيرة التى تمت.. والأغرب العناد والتعنت اللذان يسيطران على الأغلبية الدينية فى الجمعية التأسيسية «إخوان وسلفيين» وإنذارهم للقوى المدنية بتصعيد الأعضاء الاحتياطيين إذا أصروا على انسحابهم.. والحقيقة أننى أكاد أموت من الضحك بعد كل هذا لأننى اكتشفت أننا قمنا بثورة للإطاحة بالمخلوع ونظامه وحزبه الفاسد المسمى بالحزب الوطنى لنستبدل به حزبا أشد ديكتاتورية.. ولنستبدل ترزية القوانين الذين كانوا سمة عصر مبارك.. ويفصلون القوانين ويعدلون فى الدستور على مزاج مبارك وأسرته بترزية الدساتير الذين يحاولون تفصيل دستور كامل لا يعبر عن طوائف الشعب، بل يعبر عنهم فقط كقوى دينية تصر على اغتيال حقوق كل الطوائف الأخرى من الشعب فى الدستور.. ويصرون على إقحام الدين والشريعة فى كل مادة من مواد الدستور بما يهدد السلام الاجتماعى ويهدد أيضا بانفجار المجتمع وتحوله إلى طوائف وتيارات عديدة متناحرة، وليست متناغمة، وهذا الإصرار والعناد من القوى الدينية المسيطرة على الجمعية التأسيسية جعل الكنيسة بطوائفها الثلاث تنسحب من الجمعية التأسيسية وجعل القوى الليبرالية والمدنية تنسحب أيضا، ويبقى الأزهر فقط الذى أطالبه بالانسحاب حتى لا يشارك فى وضع هذا الدستور المشوه.. إن معركة الدستور ستؤدى حتما إلى صراعات وانقسامات عديدة بدلا من أن يوحد قوى الثورة وقوى الشعب.. وكل ما أتمناه من القضاء الإدارى أن يعجل بالحكم فى كل القضايا المتعلقة ببطلان الجمعية التأسيسية وكل القضايا المتعلقة بالمؤسسات وشرعيتها لأن البلد على المحك حتى لا يحدث ما لا تحمد عقباه.
∎دموع البابا
كان أكثر ما أثر فىّ أثناء متابعتى حفل تنصيب البابا الـ 118 تواضروس الثانى هو دموع البابا نفسه التى لم تنقطع أثناء المراسم وإجراءات التنصيب وهى دموع التواضع ودموع الفرح.. ودموع المسئولية الملقاة على عاتقه.. والحقيقة أننا جميعا نستبشر خيرا بالبابا الجديد الذى أعلن أنه سيعيد الكنيسة إلى دورها الحقيقى.. ونحن نتقدم بالتهنئة للإخوة المسيحيين على جلوس وتنصيب البابا الجديد.. وليوفقه الله فنحن كلنا مصريون أبناء وطن واحد مهما حاولوا الوقيعة بيننا.