

محمد هيبة
سيناء المستباحة والسيادة المنقوصة
بقلم : محمد هيبة
طفح الكيل.. وأصبح السكوت علامة الضعف والمهانة والخنوع والخضوع.. وأصبحت حياة ودماء وأرواح أولادنا وجنودنا رخيصة إلى هذا الحد، الذى يختطفون فيه ويقتلون فى عقر دارهم أيضا، بل أصبحت سيناء وهى قطعة غالية من أرض مصر خضنا الحروب ودفعنا ثمنا غاليا جداً لاستردادها.. أصبحت مستباحة إلى الحد الذى لا نضمن فيه سلامة أبنائنا وأهلنا والزائرين والسائحين الذين أتوا إلينا.. إلى هذا الحد خرج الأمر عن السيطرة.. وعن فرض السيادة إلى الدرجة التى تم فيها اختطاف سبعة من جنودنا كانوا فى طريقهم إلى وحداتهم، وهى حلقة من مسلسل هدفه الأول زعزعة أمن واستقرار الوطن ووحدة أراضيه..
كل هذا يحدث وسط طرمخة غريبة ومريبة من القائمين على مؤسسات الحكم، والتى كانت وراء الإفراج عن القتلة والإرهابيين.. الذين كانوا فى السجون لخطورتهم على أمن البلد وعادوا يرتعون مرة أخرى يهددون مصر واستقرار مصر.
فالخاطفون من جهاديى سيناء التابعين للقاعدة والتنظيمات الجهادية الإرهابية الأخرى، والذين يقايضون حياة السبعة المختطفين بحياة القتلة والإرهابيين الذين تورطوا عمدا فى قتل الجنود المصريين فى رفح والعريش وغيرهما.
وما فعلوه يؤكد أنهم يعيدون عصر الإرهاب باسم الدين وباسم الإسلام.. والذى عانت منه مصر كما عانى منه العالم كله.
إن ما حدث ويحدث يوميا فى سيناء لم يكن وليد اللحظة أو العامين الماضيين بعد الثورة وانشغال القوات المسلحة فى إعادة ترتيب البيت من الداخل.. بل يمتد إلى ما قبل ذلك أيام عهد مبارك الذى كانت فيه الأوضاع فى سيناء مزرية للغاية.. ونتيجة الإهمال المتعمد من نظام مبارك وإغفال تنميتها.. أصبحت سيناء مرتعا ومأوى للإرهابيين والتنظيمات الإرهابية والإجرامية.. وتجارة السلاح والمخدرات.. والخلايا الإرهابية للقاعدة وأيضا مسرحا للأنفاق غير الشرعية التى كانت وراءها حماس من ناحية والبدو والإرهابيون من ناحية أخرى، وتجارة غير مشروعة تسير بانتظام تحت سمع وبصر القائمين على النظام.. ولكن لا يتم التعامل معها خوفا من أن تخرج إسرائيل على العالم لتكشف الواقع الأليم لما يحدث فى سيناء وكيف أن سيادتنا على هذه الأرض كانت منقوصة والوضع هناك يتطور من سيئ إلى أسوأ.. دون أن نتصدى له بحسم بدعوى أن سيناء منطقة منزوعة السلاح ولا يجوز أن نحرك قوات فيها.. وحتى الشرطة هناك كانت رمزية وغائبة فى أغلب الوقت لأن داخلية مبارك كانت تحرص على حماية مبارك والنظام أكثر من حماية الأمن الاجتماعى والسياسى لمصر.. وسيناء كانت إحدى مناطق الضعف التى كانت تعانى من ذلك.. ولم يعوض الأمن المصرى الغياب المبرر لقوات الجيش فى هذه المناطق، ولم تستطع أن تغطى هذه المساحات الشاسعة من جبال سيناء التى كان يهرب ويختبئ فيها الخارجون على القانون وجماعات الإرهاب والجهاديون وغيرهم.
إن علاج هذه المشكلة البالغة الخطورة.. والاختطاف الذى قد مر عليه ما يقرب من سبعة أيام لابد أن يكون علاجا جذريا رادعا يقضى على كل البؤر الإجرامية والإرهابية فى سيناء حتى لو أدى ذلك إلى حرب إبادة شاملة تقضى على كل ما يهدد استقرار وأمن البلد، وحتى لا تتكرر هذه الحوادث مرة أخرى سواء بالاختطاف أو القتل مثلما حدث فى رمضان الماضى، لذا فأسلوب التفاوض مرفوض.. وقد صدرت الأخبار والبيانات تؤكد رفع حالة الاستعداد القصوى فى صفوف الجيش الثانى.. لكن فى الوقت نفسه فإن الرئاسة تطالب بضبط النفس حتى يتم الإفراج عن المختطفين دون أى خسائر ودون أن تلبى طلبات الخاطفين، والتى تمثل خروجا على القانون وإهدارا له، والحقيقة أن مؤسسة الرئاسة تسلك مسلكا مدهشا جدا فى علاج المشكلة، خاصة بعد أن دعت رؤساء الأحزاب للتشاور فى كيفية علاج هذه المسألة.. والسؤال الذى يلح وألح علينا جميعا يثير ملاحظتين: الملاحظة الأولى: أن مسألة خطف الجنود فى سيناء مسألة تتعلق بأمن مصر القومى، وبالتالى لا علاقة بالأحزاب المدعوة بهذا الأمر من قريب أو بعيد وأنه إذا كانت هناك جهة يجب دعوتها فى هذا الشأن فهى مجلس الدفاع الوطنى أو مجلس الأمن القومى سابقا.
أما الملاحظة الثانية فهى أن الرئيس دائما عندما يطلب رأى الأحزاب ويدعوهم فى أمر، فهو يدعو ويستدعى فقط الأحزاب الدينية التى تدعمه.. حزب الحرية والعدالة.. حزب النور.. حزب البناء والتنمية.. حزب الوسط.. جبهة الضمير، ذلك الكيان الهلامى.. وكلها أحزاب إخوانية أو سلفية أو موالية للاثنين.. ولم نسمع عن دعوة أحزاب ليبرالية فى هذا الشأن.. والسؤال: هل يريد الرئيس غطاء شرعيا لقراراته بدعوة هذه الأحزاب؟ وهل تكفى هذه الأحزاب لإضفاء الشرعية على قرارات الرئيس؟.. ثم إن هذه الأحزاب ومن يمثلونها آراؤها معروفة بشدة، لأن هذه الجماعات التى ترتع فى سيناء مرجعيتها دينية بالضبط مثل مرجعية هذه الأحزاب.. وراجعوا معى تصريحات كل المسئولين عن هذه الأحزاب بعد الاجتماع مع الرئاسة، والتى تسير فى إطار واحد وهو التفاوض وضرورة وجود حل سلمى لهذه الأزمة، بل إننا وجدنا من يبرر منهم ما فعله الخاطفون.. ثم السؤال المحير .. لماذا تلقى مسئولية ما حدث على الفريق أول عبد الفتاح السيسى مع أن المختطفين من الشرطة والجيش معاً؟
أخيرا الوضع الآن فى سيناء على المحك، وبالتأكيد هناك حالة غليان شديدة داخل صفوف الجيش والداخلية معا لأن ما حدث مع السبعة جنود ومن قبلهم الستة عشر الذين قتلوا يمكن أن يحدث مع أى منهم الآن، ولابد فعلا من وضع نهاية لهذه الاختراقات والتطاولات والانتهاكات من الجهاديين والإرهابيين فى سيناء حتى تعود السيطرة والسيادة الكاملة لمصر على كل شبر من أرض سيناء.. ولن يتحقق هذا الأمر إلا بتحرك الجيش تحركا إيجابيا وحاسما، ولابد أيضا أن يدعم الرئيس هذه التحركات لأنه فى النهاية القائد الأعلى للقوات المسلحة وقرار تحريك الجيش قراره ويجب عليه اتخاذه إذا لزم الأمر لأنه فى النهاية مسئول مسئولية كاملة عن تحقيق أمن الوطن وسلامة أراضيه.