![البنك الاهلي البنك الاهلي](/UserFiles/Ads/8372.jpg)
![«أحسن ولاد الحياة ليه بدرى بيموتوا»؟!](/Userfiles/Writers/301.jpg)
أسامة سلامة
«أحسن ولاد الحياة ليه بدرى بيموتوا»؟!
بقلم : أسامة سلامة
وكأن الرجل كان يتنبأ برحيله.. يستشرف مصيره.. ومع ذلك أبى أن يرحل دون أن يترك لنا وصيته وما ارتاح له ضميره!
قال المحامى المناضل «سيد فتحى» قبل أن يباغته الموت لمن حوله: «حافظوا على الثورة وحقوق الفقراء.. ثم فاضت روحه إلى بارئها.. فقد تحمل قلبه العليل «المرض»، لكنه لم يتحمل رؤية الثورة التى شارك بها بجسارة - حالما بوطن حر - وهى تضيع وتسرق!
لم يسعدنى الحظ بلقاء سيد فتحى، ولكننى كنت أتابع نشاطاته بإعجاب بالغ، كانت سيرته تقترن دائما بصفات أهل الجنة: الصدق، التفانى، إنكار الذات، التواضع، الإيمان بقضايا الوطن، الدفاع عن الفقراء والمهمشين،.
كان نموذجاً لمن يعمل فى صمت بعيداً عن صخب الإعلام وأضوائه التى أفسدت الكثيرين ممن تصدوا للعمل العام.. كان رغم عمره الذى لم يتجاوز الخامسة والأربعين يحمل هموم وطن بأكمله.
قبل الثورة كانت قضايا الاعتقال والتعذيب فى أقسام الشرطة همه الأول، وكان العمال بمشاكلهم العديدة بعد الخصخصة والمعاش المبكر على أول قائمة أجندته.
هو بحق التلميذ النجيب لقديس المحاماة ومتصوف الحياة السياسية الراحل العظيم أحمد نبيل الهلالى، فراح يكمل مسيرة النبيل من خلال مؤسسة الهلالى للحريات التى تولى إدارتها.. سار على درب أستاذه فى الدفاع عن الحريات، والوقوف بجانب المعتقلين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، كان هتافه الشهير بمثابة نبوءة تحققت: «التعذيب فى أقسام الشرطة.. يسقط حكما ويسقط دولة»، وعندما سقط نظام مبارك، أصبح همه الأول حقوق الشهداء.
كان ضمن القلة المعدودة المؤمنين بحق بقضية من ماتوا فى سبيل الثورة، لم يزاحم مثل آخرين على الوقوف أمام كاميرات الفضائيات، ولم يسع إلى وسائل الإعلام للإدلاء بتصريحات وهمية من أجل الشهرة، أو جمع تبرعات لا تصل إلى مستحقيها.
كان هدفه الحقيقى هو ألا تضيع دماء الشهداء، وأن ينال كل مجرم جزاء ما ارتكبته يداه، وعندما شاهد إهدار حقوق شهداء الثورة، ورأى شهداء آخرين يتساقطون فى عهد أول رئيس منتخب، وأن جهات عديدة تحاول طمس الأدلة وعرقلة الوصول إلى الجناة والقتلة، وأن الانتهاكات مازالت كما هى قبل الثورة، والقبض على النشطاء يتزايد، لم يحتمل قلبه المرهف كل هذا فأصابه الوهن، وأجرى عملية قسطرة فى القلب، ورغم أن الأطباء نصحوه بالراحة التامة، فإن أمثاله ممن يهبون حياتهم من أجل العدل والحق والحرية لا يعرفون الراحة، خاصة إذا كان فى كل يوم ضحية جديدة للسلطة.
كان يتنقل بين النيابات والمحاكم لحضور التحقيقات مع المتهمين، وجلسات محاكمة المحالين بتهم وهمية مثل إهانة الرئيس، غير عابئ بآلامه الجسدية، وعندما كان ينصحه أحد الأصدقاء بالراحة قليلا كانت ابتسامته ترد عنه: كيف يرتاح والوطن متعب، وكيف ينام ودماء الشهداء لم تبرد.
ولكن يبدو أن الشهداء أشفقوا عليه فنادوه ليكون معهم فى الجنة.
عندما سمعت بوفاة سيد فتحى تذكرت أغنية بمسلسل الأيام كتبها الشاعر الكبير سيد حجاب تقول «الحزن فى القلب ياه لا بد ما بيفوتو.. أحسن ولاد الحياة ليه بدرى بيموتوا».. اللهم لا اعتراض على حكمك.∎