عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
ثورة شاملة لبناء الإنسان المصرى

ثورة شاملة لبناء الإنسان المصرى

بقلم : طارق رضوان

لمصرَ دُنْيا. وحياةٌ. ولشعبها سماتٌ وله دنيته. تاريخها وجغرافيتها خلقت منها دولة استثنائية وسط محيطها. خلقت المصرى. نابعة من ظروفه التاريخية والجغرافية والسياسية والاقتصادية. فهو إفريقىٌّ عربىٌّ بحُكم الجغرافيا. آسيوىٌّ بِبُعده الاستراتيجى وبحُكم الغزوات المتتالية الآتية من الشرق نحو سيناء. فكلُّ حروبه تقريبًا كانت على أرض آسيوية. أوروبى فى السّمات والطباع. كوزموبليتى متفرد. يَقبل جميع الأديان والأعراق. عاداته وتقاليده ودرجة تدينه هى ما يتحكم فيه. مزيجٌ من العوالم والأديان جعلته مهدًا للأمم الكبرى. وصانعَ حضارة.



الآن. مصرُ عازفةٌ عن أن تكون أى شىء إلا مصر. فكلمة المفتاح فى الشخصية المصرية هى الوسطية. فهى أسلوب الإنسان المصرى فى مواجهة الجميع وفى مواجهة كل الظروف التى يتعرض لها. وسطيةٌ فى الأديان والتمازج ما بين الماضى والحاضر وما بين المحلية والعالمية. وما بين هويته والحداثة. الحفاظ على الهُوية وبناء الإنسان المصرى هى قضية الأمة. فالمستقبلُ مفتوحٌ والتطوراتُ التكنولوجية رهيبةٌ تجعل من العالم كله أرضًا واحدة وحضارة واحدة تتدثر بعباءة الغرب. انتهت القوميات تمامًا.

وهناك شىءٌ آخر يصنع بديلاً معالمه واضحةٌ واسمه الدقيق غير معروف إلى الآن. وإن كان لفظ العولمة هو الأشمل والأدق. وفى تلك الظروف العالمية تقف مصرُ تشاهد وتراقب. تتابع وتدقق النظر. وتبدأ فى الاستعداد لكن ببطء. لكنها بدأت فى طريق بناء الإنسان المصرى؛ لأنها تبنى المستقبل. ولذلك علينا أن نعود إلى الماضى. إلى التاريخ. فهو المُعَلّم وهو التجربة وهو الموجّه وهو المرشد. وقد قال التاريخ كلمته فى الأمة المصرية وفى المصرى ظهرت فى أبحاث وفِكر علماء الاجتماع من ابن خلدون إلى المقريزى وصولاً إلى جمال حمدان. والجميع اتفقوا على صفات مصر وصفات المصرى. تشرح الشخصية بمشرط دقيق. بنظرة مُنصفة حيادية.

وتصف مصرَ. فالمصرى يميل للمَرح والصفاء. روحُ الفكاهة والفرح والخفة والغفلة والنكتة والسخرية من نفسه ومن ظروفه. يميل للحُزن وبسيط ومتعاون. يُحب أسرته وأسلافه، متدينٌ ويمتلكُ نزعة روحية، يؤمن بالغيبيات، ومؤمن بالتواكلية أو الاتكالية، راضٍ دون دونية. لديه قناعة. ومطيعٌ طاعة لا تدعو إلى التمرد أو الثورة دون غضاضة. وديعٌ وصبورٌ، لديه سلبية والاستعداد للسلبية وغلوّ السلبية وسيادية السلبية دون ذلة أو استكانة. ومع ذلك كثير الخضوع والشعور بالتبعية واللا مبالاة، مقهور ويكفّ العدوان، يميل للمحسوبية والمحاباة والنفاق. سريع الخوف ويمارس النميمة والسعى إلى السُّلطان. الدينُ عاملٌ أساسىٌّ ومُهم  فى حياته وتكوينه وسُلوكه. فمن أقدم خصائص المصرى القديم التسامح الدينى. ترى فى حىّ واحد وفى عمارة واحدة يسكن أصحاب أديان مختلفة دون غضاضة أو كراهية فى التعامل. فهو الذى أدخل من نابع تسامحه الدينى الرهبنة إلى المسيحية. وإلى الإسلام التصوّف. ولم تعرف أرضُه محاكم التفتيش أو المذابح الدينية. فالتسامح عنده ضرورة حياة. كما أنه يعشق يومه. لذلك فهو متطرفٌ فى الدفاع عنه لو حدث تعكير لنظام يومه الآمن. الاستقرار عنده مقدس للاستمرارية. التطور عنده بطىء، تطور الخُطوة خُطوة وبالجرعات الصغيرة ليضمن له البقاء الطويل على المدَى البعيد، ولا تمثل له تغييرًا عنيفًا فى يومه. وبحُكم الاعتدال فالمصرى أميلُ للشخصية الاجتماعية المنطلقة غير المنغلقة، يميل للتعاون منه للتنافس، ومن الاعتدال إلى الواقعية، فقد عَلّمته البيئة والتجربة وظروفه الاجتماعية. أى الجغرافيا والتاريخ.

احترامَ الواقع وعدمَ الانفصال عنه أو التناقض معه، ولو حدث خللٌ فى كل ذلك فهو يجنح إلى التطرّف. يهرب القليل منه إلى الدين المتطرف والكثير منه إلى المواجهة بالتنكيت والسخرية من نفسه ومن ظروفه ومن حاكمه. أمّا مصرُ فهى لم تعرف كراهية الأجانب مطلقًا طوال تاريخها. بحُكم موقعها الجغرافى ولم تعرف التعصبَ الجنسى ولا العنصرية. تمتزج وتنصهر فيها كل العناصر كيميائيّا. وذلك بقوة الامتصاص والانصهار بدرجة نادرة. والمثيرُ حقّا هو كيف تتمتع مصرُ بنظرة كوزموبوليتانية، دون أن تفقد هويتها وكيانها وسماتها وشخصيتها. لا تَستنخ إنما يُستنتخ عنها. فهى إذا زادت تغيرًا وتطورًا. زادت شخصيتها وذاتيتها تأكيدًا واستمرارًا، كأنما هى تجسيم للمَثل لفرنسى المعروف (كلما تغير هذا. كان نفس الشىء) حتى فى الماضى البعيد. مصرُ كانت «تُمَصّرُ» كل جديد، تهضمه وتُصهره وتمثله وتنتجه كائنًا مصريّا صميمًا. الغزو والاستعمار الطويل والاجتياح الثقافى والفكرى والحضارى وحتى الدينى تبتلعه وتُمصّرُه. رعاة الغنم والجيوش الأجيرة امتصتهم فى قالبها الكبير.

وصاروا مزارعين مستقرين. فهناك تمازجٌ عظيمٌ ما بين الدولة وما بين شعبها. فخلقت حضارة مصرية خالصة خالية من الشوائب الخارجية. وفى تلك المرحلة التى تعيشها مصرُ وهى مرحلة خطرة. مرحلة تحولات وترتيبات عنيفة تبنى مصرُ نفسَها من جديد وتبنى إنسانَها العصرى. فقد مرّت مصرُ بمراحل سكون وصل إلى التعفّن. وبتجريف وصل إلى التخلّف. وكان على الإدارة الجديدة للأمة برئاسة الرئيس السيسى أن تبدأ فى مرحلة البناء سريعًا ودون توقف وبحزم وبإيمان بتلك الأمة وذلك الإنسان المصرى. وتلك الإدارةُ على وعىّ كامل بأن القيادة السياسية هى التى تتحمل المسئولية الأولى فى عملية التنمية البشرية والبناء الذى يهدف إلى الاستفادة المُثلى بالموارد البشرية فى سبيل تحقيق الأهداف القومية. فعملية التنمية لم تعد كما كانت فى عصر الثورة الصناعية فى أوروبا عملية اقتصادية بحتة تقوم على دور الاقتصاديين وإنما تحولت لتصبحَ عملية سياسية ثقافية اجتماعية بالدرجة الأولى تؤدى إلى إحداث الآثار الاقتصادية المطلوبة للبناء. ومرحلة البناء تواجه دائمًا أعباءً مادية كبرى وتضحيات مطلوبة من الجميع وحاجة مُلحّة إلى الالتزام بقيم أخلاقية جديدة. وكانت ملامح أول طريق البناء أنه يحتاج إلى قيادة مؤمنة بالهدف ورائدة. فهو طريق طويل ينبغى التعرّف على أبعاده ومسالكه وأن توضع خطة للسير عليه. طريق شاق يحتاج السير عليه إلى مشاركة كل أفراد الشعب مشاركة جادة وملتزمة وصابرة.

الأمة فى مرحلة التحضير وهى جاهزة تمامًا. قيادةً وشعبًا. وهناك إخلاصٌ من الدولة وقادتها لبناء إنسان مصرى جديد وعصرى. فالقيادة السياسية وضعت الخُطط وتتحمل المسئولية التاريخية للبناء. وهى خُطوات لإحداث ثورة شاملة لبناء الدولة الحديثة وبناء الإنسان المصرى. ينطوى على تلك الثورة تغيير أساسى فى القيم والمواقف والسلوك. مرحلة البناء طويلة وشاقة وقاسية على الجميع فى ظِلّ ظروف خارجية محيطة مفترسة متحفزة لأى بناء لمصر. وظروف داخلية فى وجود خونة وفقراء فِكر يثقلون ظهر البناء. لكن الإيمان بالله وبالأمة وبالشعب قوة دفع للنصر. والإرادة موجودة والهدف واضح. والله معنا. ودائمًا الله معنا.

إنه طريقٌ يحتاج إلى قيادة مؤمنة بالهدف ورائدة. وهو طريق طويل ينبغى التعرّف على أبعاده ومسالكه وأن توضعَ خُطة للسّير عليه. وهو طريقٌ شاقٌّ يحتاج السّير عليه إلى مشاركة كل أفراد الشعب مشاركة جادة وملتزمة وصابرة. 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز