عاجل
الخميس 6 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
كلاكيت تاني مرة

كلاكيت تاني مرة

بقلم : غادة نوارة

إنطلق في الأيام الماضية وحتى اليوم مؤتمر الآستانة، والذي استضافته العاصمة الكازاخستانية للتفاوض بشأن المعضلة السورية، بحضور وفود من فصائل المعارضة المسلحة ونظام الأسد والدول الفاعلة في سوريا (روسيا وتركيا وايران) .. وما أشبه اليوم بالبارحة ففي 25 يونيو 1882 انعقد مؤتمر الآستانة الأول، وكانت الآستانة آنذاك عاصمة الدولة العثمانية ودعا إلى هذا المؤتمر رئيس وزراء فرنسا دي فريسينيه الدول الأوروبية الكبرى انجلترا فرنسا ايطاليا ألمانيا النمسا وتركيا، وذلك عندما شكت فرنسا في نوايا انجلترا ورأت أنها تريد الاستئثار والانفراد بمصر، فانعقد المؤتمر واتفق الحضور على ميثاق نزاهة تعهدوا فيه بألا تنفرد دولة بمصر (الكعكة الكبرى) سواء باحتلالها كلها أو أجزاء منها أو الحصول على امتيازات دون أن تتمتع باقي الدول بمثله .. باختصار فليس كل من هب ودب يستطيع أن يصبح دولة استعمارية فالاستعمار له قواعد ومبادئ وعلى الجميع احترامها والالتزام بها، وبالطبع لا يصح ألا يتقاسم اللصوص ما سرقوه ونهبوه، ويجب أن يتشارك الجميع في التهام قوالب الحلوى التي استولوا عليها، وهو ما فطن إليه مندوب انجلترا عندما أدرك أن ميثاق النزاهة هذا ليس في صالح بلاده فلا يريد أن يشاركه أحد في بلدنا الغالية، ما جعله يضيف جملة (إلا في الضرورة القصوى) وهو ما أعطى لانجلترا المبرر لاحتلال مصر عندما تذرعت بحجة أن مصر تُحصن قلاع الاسكندرية وتنوي حصار السفن الانجليزية، ما دفع بالأسطول الانجليزي بضرب مدينة الاسكندرية وقامت باحتلال مصر في11 يوليو 1882.. ولكن لماذا الآستانة؟ اختلف الزمان والأدوات والقوى العظمى ولكن لم يختلف المكان ( الشرق الأوسط) ولم يختلف أيضاً هدف الدول الاستعمارية الاستعمار والسيطرة وتقسيم الغنائم ( المستعمرات) وزرع الفتن لتفتيت الدول.



وفي الشأن السوري وبعد مرور 6 سنوات من الصراعات، وبافتراض حُسن النوايا وهو لم شمل الأطراف السورية المتصارعة ووقف شلالات الدم السوري التي سالت، وهو ما يحدث لأول مرة منذ بداية الصراع حيث تجلس كل الأطراف المتصارعة، أو معظمها حول طاولة مفاوضات واحدة مع ممثلين عن نظام الأسد في حضور ممثلين عن الدول الفاعلة روسيا وتركيا وايران في غياب الوجود العربي وكانت أمريكا الغائب الحاضر، وهو ما يثير تساؤل وقلق في قلوب أكثر المحللين تفاؤلاً .. فصائل مسلحة تختلف أهدافها وتتعارض مصالحها وتتنوع مسمياتها ما بين صقور الشام - جيش ادلب الحر – جيش النصر-  شهداء الاسلام – الفرقة الساحلية الأولى – لواء السلطان مراد – تجمع فاستقم – الجبهة الشامية وغيرهم .. كيف ستتوحد كل هذه الفصائل وكل فصيل يسعى للحصول على قطعة من قالب الحلوى وبالطبع لا يهم المصلحة الوطنية السورية، وبعد أن تورطوا جميعاً وتلوثت أياديهم جميعاً بدماء الشعب السوري؟ ... هذا الشعب الذي عانى الأمرين فالكل كانوا ومازالوا يسومونه سوء العذاب، هل ستتفق كل هذه الفصائل على مصلحة سوريا؟ وهل ستتوحد كلمات الفرقاء وهم الذين يزداد تفرقهم يوماً بعد يوم، وقد عقدوا بالأمس القريب الكثير من المحادثات وانتهت دون جدوى؟ وان كانت أهداف هذه الفصائل مختلفة ومصالحهم متعارضة، فالدول الفاعلة في سوريا أيضاً والتي تدعم هذه الفصائل بالطبع ذات أهداف مختلفة أيضاً ومصالح متعارضة.

فبالنسبة لتركيا فان سوريا العمق الاستراتيجي لها وتركيا لا تؤيد الدولة الشيعية التي تحاول ايران اقامتها في المنطقة، فان فعلت فسيكون هذا ذريعة للأكراد لاقامة دولتهم أيضاً على حدودها وباقتطاع أجزاء من تركيا وسوريا والعراق، وهي الدولة التي يُقاتلون منذ عقود من أجل اقامتها، كما أن تركيا تطالب بحل سياسي وهي مازالت تدعم المعارضة التي على حدودها بالأسلحة الثقيلة، وهو ما تفعله أيضاً أمريكا بالرغم من غيابها عن المشهد واطلاق اليد الطولى لروسيا في سوريا، وخاصة بعد فرضها واقع جديد على الأرض بعد القضاء على داعش في حلب، كما أن أمريكا أوباما كانت تؤيد اقامة الدولة الشيعية لتنجح مخططاتها في تفتيت المنطقة، أما روسيا فتريد أن تضمن لها قواعد عسكرية في المياة الدافئة وهو ما فعلته في الماضي باقامة قاعدة عسكرية لها في طرطوس والتي تم تجديد اتفاقها هذا في الفترة السابقة وأقامت قاعدة عسكرية أخرى في اللاذقية.

وهل بالفعل سيتم الالتزام ببنود الاتفاق الذي انتهت اليه المباحثات؟ هل على أرض الواقع سيتم وقف اطلاق النار والالتزام بوحدة الأراضي السورية والاستعداد لاقامة انتخابات حرة نزيهة بمراقبة دولية، والانتهاء من تعديل الدستور أو كتابة آخر جديد؟

هل بالفعل مؤتمر الآستانة يُمهد الطريق للتوصل لحل سياسي عبر مفاوضات جنيف ويُنهي الحرب التي استمرت 6 سنوات ويحافظ على سوريا موحدة؟ أم أنه مجرد مناورة لانهاء صراعات وافساح المجال لبدء صراعات جديدة قد تكون أكثر شراسة وقد تنتهي بتقسيم سوريا .. وفي كل الأحوال لا نملك إلا أن نتضرع إلى الله ليحقن دماء اخوتنا السوريين ويحفظ بلدنا الثاني سوريا، ونحمد الله آناء الليل وأطراف النهار على نعمة الجيش المصري العظيم. 
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز