عاجل
الثلاثاء 17 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
معضلة 25

معضلة 25

بقلم : غادة نوارة

مرت ست سنوات ومازالت المشكلة مستمرة والمعضلة لم تُحل بعد ولم يتفق المصريون هل 25 يناير كانت ثورة أم مؤامرة ونكبة؟؟



وإن كنت ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة التي تتضح معالمها وتتجلي لنا يوماً بعد يوم، وأنها ليست مؤامرة عادية ولكنها مؤامرة مكتملة الأركان، عجز الكثيرون عن استيعاب أحداثها المعقدة والمتشابكة وادراك عمق خطرها الداهم، وان كانت نتائجها اتضحت في الدول العربية الشقيقة من حولنا .. قتل وتدمير ونهب لتتحول كلمات كوندوليزا رايس من عمل شرق أوسط كبير إلى أحداث واقعية لهدم المنطقة، ورأينا ذلك بأعيننا .. وان كنت أرى أن اختيار يوم 25 بالتحديد هو جزء من المؤامرة فلم تكن ثورة المصريين ضد جهاز الشرطة بالتحديد حتى وان كان به بعض الخلل فقد طال الفساد معظم مؤسسات الدولة؛ ولذلك لا يجب أن ننسى التضحيات التي يقدمها رجال الشرطة فهم لا يدخرون جهداً في وسعهم، وكل يوم يقدم الكثير منهم دماءهم وأرواحهم عن طيب خاطر فداءً لهذا الوطن. 

وبغض النظر عن المسميات وعن أن البعض هذه الأيام يخلطون الأوراق ويغالطون ويندمون على زوال نعمة الحقبة المباركية .. فالحقيقة التي لا يجب أن ننكرها أو نغفلها أن ما نواجهه هذه الأيام وما نعيشه من ظروف اقتصادية صعبة هو بسبب أخطاء وخطايا عهده .. نعم أدت ثورة يناير لانفلات مجتمعي غير مسبوق واعتقد البعض أن الحرية معناها الفوضى والانفلات .. ولكن الخطأ لم يكن في ثورة الشعب ضد أوضاع سيئة وظروف صعبة كانوا يعيشونها، وبالرغم من أن البعض كان له أجنداته التي يُنفذها لحساب قوى الشر واسترزق هؤلاء على حس هذه الثورة، ليس معنى ذلك أن نقول أن 25 يناير كانت نكبة، ليس معنى أن الثورة سرقتها جماعة وانحرفت بها عن مسارها الصحيح، وأننا رغماً عنا وبحسن نية من البعض من عاصري الليمون تركنا هذه الجماعة الارهابية والتي تجاهد من عشرات السنين للانقضاض على السلطة؛ ولذلك فالشعب أدرك على الفور هذا الخطر وهب لتصحيح المسار .. وليس معنى أنه كان ومازال هناك مخطط لجر مصر للفوضى الخلاقة التي حدثت في بعض الدول العربية، وأدت لانهيارها وسقوطها وأننا نجونا من الانزلاق في هذه الفوضى ولم نسقط فيما يسمى كارثة الشرق الأوسط الكبير المزعوم بفضل جيشنا العظيم وبسبب عبقرية الشعب الذي أدرك الخطر من وجود الإخوان في سدة الحكم فقام بثورة تصحيحية 30 - 6 لإسقاطهم .. ليس معنى هذا أن ندعي أننا كنا نعيش في رغد من العيش وكانت الحياة جميلة ووردية، وأن كل المصريين كانوا ينعمون بالحياة الآدمية الكريمة، وأن مصر كانت في مصاف الدول المتقدمة أو حتى على أعتابها. 

فقد ثار المصريون ضد هذا النظام لأنه لم يزدهم إلا فقراً وجهلاً .. وليس فقط لم يلب أحلام وطموحات الشعب المصري، بل لم يحقق حتى لنصف الشعب الحد الأدنى من الحياة الكريمة، ثار الشعب المصري ضد أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية ليست فقط سيئة بل أوضاع يُرث لها .. عانت الطبقة الفقيرة، وعانت أيضاً الطبقة المتوسطة والتي كانت على وشك الاندثار .. وهاجر الكثير من أبناء الوطن بحثاً عن فرص عمل وفرص حياة أفضل، ومات الكثير منهم على مراكب الموت.

ألم تكن بلدنا قبل 25 يناير دولة هشة ورخوة؟ فلم تكن مصر دولة قوية ومتقدمة وبسبب الثورة تراجعنا للخلف ولم يكن المصريون يعيشون في رخاء ورفاهية .. فحتى إن لم تحدث ثورة يناير فلم تكن بلدنا تسير في الاتجاه الصحيح على طريق التقدم بل كانت آيلة للسقوط .. كانت كالشجرة المسوسة التي ينخر السوس فيها، أو كالمرض العضال الذي يستوطن جسد صاحبه .. نعم كانت هناك تنمية اقتصادية ولكن لم يشعر بها المواطن المصري البسيط ولم يستفد منها سوى نسبة ضئيلة من الشعب المصري استأثرت بالسلطة والثروة، وازدادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء وبين والريف والحضر فمعدلات الفقر تزيد والعاطلون يزيدون ... وكانت مناطق الصعيد هي الأشد فقراً وتهميشاً .. إذن فلم يستفد من التنمية الاقتصادية الا نسبة ضئيلة من الشعب المصري استأثرت بالسلطة والثروة والنفوذ .. وما نعانيه هذه الأيام هو نتيجة حتمية للسياسات الخاطئة السابقة، وفشل الحكومات المتعاقبة في احداث نهضة حقيقية أو تنمية يشعر بها الشعب المصري كله، حتى لو كانت تقارير المنظمة الدولية كانت تشير لحدوث نمو اقتصادي في مصر فلم يزد هذا النمو الفقراء إلا فقراً وبالطبع زاد الأغنياء غناً، فالعاصمة فقط والقليل من المحافظات الرئيسية هي التي كانت تدخل ضمن خطط التنمية وتم تهميش باقي المحافظات وخاصة محافظات الوجه القبلي حيث لم ينلها أي حظ تنموي، ولم تكن على خريطة أي مشروعات للتنمية. 

من المسئول عن الفساد الذي تحاربه الدولة الآن وعلى رأسها الرئيس السيسي؟ .. الفساد الذي انتشر كالسرطان في كل مؤسسات الدولة ووصل لمرحلة تشريعه وتقنينه؟؟ ألم يصبح أكثر من نصف المصريين تحت خط الفقر؟؟؟ ألم تتدهور المنظومة التعليمية التي تكون قاطرة الدول نحو التقدم، وازدادت نسبة الأمية وزادت نسبة البطالة بسبب الفشل في السياسات التعليمية وتسرب التلاميذ من المدارس وتخرجت أجيال لا تفقه شيئاً ولا تواكب متطلبات سوق العمل؟ ألم يواجه شباب يائس وفي عمر الزهور الموت غرقاً على قوارب مطاطية بحثاً عن حياة أفضل؟؟ ألم تفشل المنظومة الصحية في توفير العلاج لملايين من المرضى ؟؟ ألم تتخل الدولة المصرية عن مسئولياتها في كل مناحي الحياة والقيام بواجباتها والتزاماتها تجاه مواطنيها وأقصد المسئوليات التي تحددها كل الأعراف والدساتير وبدأ الضعف والفساد يصيب مؤسساتها .. ألم تشعر بوجود دولة موازية تقدم نيابة عن الدولة خدماتها للمواطنين؟؟؟  ألم يصب المصريون قبل ثورة يناير بالإحباط واليأس والاحتقان والسخط بسبب أوضاع اجتماعية واقتصادية وسياسية بائسة بل ويرث لها؟؟ ألم ينتشر الجهل والمرض ألم يشعر الكثير من المصريين بالغربة في الوطن ما ساعد الجماعات الظلامية من استقطاب العديد من المصريين؟؟ .. هل لم تنتشر العشوائيات في كل مكان في مصر والذي أدى لانتشار كل الأمراض الاجتماعية البغيضة من ارهاب وتطرف وبلطجة واغتصاب وسرقة .. من المسئول إذن عن كل هذه المشاكل بل والكوارث إن جاز لنا التعبير عنها والتي تنخر منذ عقود في جذور المجتمع المصري؟

إننا وإن كنا نؤمن بنظرية المؤامرة وضرورة تكاتفنا جميعاً ووقوفنا يداً واحدة مع الدولة وقيادتنا السياسية والتي تحاول اصلاح ما أفسده الدهر للنهوض من عثرتنا فلا يجب أن ننكر أيضاً ما حدث في يناير 2011 وأن المصريين ثاروا ضد ظلم وفقر وجهل وفساد .. وفي الوقت الذي علينا فيه تحية هذا الشعب الذي أنهى الحكم الذي جثم على قلوبنا عشرات السنين، علينا أيضاً تحية رجال الشرطة في عيدهم والثناء على ما يبذلونه ليل نهار من تضحيات ليحيا الوطن.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز