عاجل
الجمعة 7 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
الغيرة مبتعرفش تحب

الغيرة مبتعرفش تحب

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني

كأن الجريمة الأولى في حياة البشرية لم تكن القتل بل كانت الغيرة! ماذا لو لم تثر غيرة قابيل من هابيل لأن هابيل سيتزوج فتاة يراها قابيل الأكثر جاذبية؟! ماذا لو كانت كل الخيارات جميلة وقابيل لم ينظر للخيار المتاح لسواه بغيرة؟! ماذا لو كان قلب قابيل لا ينكمش ويتمدد تحت تأثير رغبته في امتلاك ما هفا له قلبه أوالاستحواذ عليه؟!.. لو تحقق ذلك هل كانت الجريمة الأولى ستتغير؟!. ربما كانت هذه إشارة كبيرة لأن نتوخى الحذر من الغيرة. والغيرة تحديدًا.



"لما مبتغيرش عليا مبأحسش إنها بتحبني. ولما بأواجهها بده بتتهمني إني عايز أعذبها؟!"

من قال أن الغيرة حب وأن الحب غيرة؟! البعض يريد أن يستمتع بحب الآخر بلا وجع، وهذا البعض ينجح أحيانا في فرض إرادته والتكيف مع المشاعر الفياضة بما يجعله يطلق العنان للطرف الآخر. لا يسأل كثيرًا ولا يريد أن يسأله أحد كثيرًا. لا يراقب ولا يقبل أن يكون قيد المراقبة إلا عفوًا. لا يمتلك إلا حبك كحر ولا يريد سوى أن تحبه كحر. ولا يعني هذا مطلقًا أنه يفقدك بهارات الحب التي يدعون أنها "الغيرة" لكنه حقًا لا يرغب في أن يضيع لحظة معك في ألم أو ضغط أو كراهية لأشخاص آخرين لمجرد أنه يشعر بالغيرة من وجودهم. هم يسوسون ويسايسون قلوبهم بنجاح.

"حلاوةالحب عذابه زي الأغنية ما بتقول. لو ما غيرتش واتعذبت يبقا مش هتحس بيه كامل. هتاخد النص".

يبدو أننا نميل للشعور بالألم أو الحزن حتى نستطيع الشعور بوجود الأشياء كاملًا. نمتص الأشياء من الألم أو في الألم بشكل أكثر جودة أحيانًا. وأظن أن هذا قد يكون سببًا منطقيًا لاختراعنا للغيرة. وقد يكون لهذا الاتجاه ما يبرره. لأنه من الثابت أن الإنسان يستمريء الألم أحيانًا في محاولة منه للشعور بجسده أو إحساسه بشيء ما كاملًا قدر إمكانه. البعض يرى الأشياء بوجود أضدادها حتى تزداد حدة كمعرفتنا للوجود من خلال ملاحظة العدم، وتدليلنا على حلاوة السكر بالفارق بينه وبين ملوحة الملح. وعلى هذا الديدن يمكن الوصول لأعلى درجات حلاوة الحب حين نصل لأعلى درجات عذابه وعلى رأسها الغيرة.

"هما مش بيتجوزوا عشان مش عايزين حد يخنقهم".

وتلك نتيجة متوقعة لأقفاص الغيرة الجاهزة التي تبحث عن صيد معظم الوقت. لا يحب عصفور قفصه لكنه قد يعتاد عليه وقد يظن أنه يجد كل ما يريد في ذلك القفص حتى يخرج منه للحظات فيعرف أن الأقفاص لا تجيد حب أصحابها. لذا الغيرة تقتل الحب. وهنا تتعالى الأصوات بأن الغيرة باعتدال أمر مطلوب، عندها ندخل في جدلية نسبية الاعتدال. ما هو حد الاعتدال؟ ومن يحكم بالاعتدال؟ فما تجده أنت اعتدال قد يجده شخص مهووس بالحرية أمرًا مفرطًا. فكما نختار الحب أو اللا حب علينا أن نختار الغيرة مع الحرية أو الغيرة التي تغتال الحرية. علينا أن ندرك بوضوح أن الغيرة ليست شكلًا من أشكال الاهتمام وأنها رأس من رؤوس الأنانية التي قد يسعد الطرف الآخر بإرضاء غرورها مليًا لكنها قد تفسد كل شيء حتى لو لم تكن شرسة.
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز