بقلم
غادة نوارة
المال وحده لا يكفي
12:00 ص - السبت 10 ديسمبر 2016
بقلم : غادة نوارة
بعيداً عن نزيف الدم الذي لا ينتهي ويحصد كل يوم خيرة شباب الوطن ولم يتم حتى الآن الحكم باعدام هؤلاء الارهابيين، وبعيداً عن السياسة والدولار واليوان والجنيه، وبعيداً عن مافيا السكر ومافيا الاتجار في الأعضاء البشرية وملائكة الرحمة الذين تحولوا لشياطين وتبرأ منهم إبليس نفسه، وبعيداً عن القانون الظالم الذي يريد المجلس البرلماني الموقر اقراره وحرمان المطلقة من حضانة أولادها إذا تزوجت .. اسمحوا لي باصطحابكم في رحلة خيرية في أروقة إحدى المستشفيات الحكومية .. بمجرد أن قلنا للمقربين لنا أننا سنقوم بزيارة لمستشفى حكومي في حاجة ماسة للتبرع بادر الجميع بالمساهمة المادية واستطعنا تجميع مبلغ مالي لا بأس للمستشفى.
بعد الحصول على موافقة إدارة المستشفي لاقامة حفل بسيط انطلقت في الصباح مع ابنتي وزملائها لزيارة مستشفى الأطفال ... بمجرد الوصول بدأنا إعداد المكان الذي سنستقبل فيه الأطفال المرضى وسنقيم فيه الحفلة .. بعض البالونات والقليل من الزينة وبعض الحلويات وبعض الألعاب ثم جاءت فرقة شخصيات ديزني التي تم الاتفاق معها لاحياء الحفل للترفيه عن الأطفال ورفع روحهم المعنوية .. وبدأ توافد الأطفال .. بمجرد أن ترى هؤلاء الأطفال وقد أتوا يحملون أسقامهم وأوجاعهم ستصيبك مشاعر الحزن والحسرة والأسى والألم، وستدرك كم النعم التي منحك الله إياها ولا تشكره عليها، وستعرف أن همومك التي تضايقك وظروفك السيئة التي تمر بها وآلامك التي تعاني منها والأمراض التي أحياناً قد تصيبك لا تساوي واحد على مائة من هذه الأمراض التي أصابت هؤلاء الأطفال وتلك الآلام التي يعانون منها.
وان كان الله يبتلي الإنسان بالمرض ليختبر صبره وقوة ايمانه وتحمله ورضاه بما قسمه الله له فعندما يبتلي المولى عز وجل هؤلاء الأطفال الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة هنا تتوقف وتتأمل ويعجز عقلك على فهم الحكمة من هذه الابتلاءات .. محمد طفل في السابعة من عمره يختبئ نصف وجهه خلف اللفافات البيضاء ورغم ذلك كان أول الذين انطلقوا يغنون ويرقصون مع الفرقة ناسياً أو متناسياً مرضه .. وأمل في الخامسة من عمرها تحاملت على نفسها واشتركت في الغناء والرقص حتى حان ميعاد جلستها التي كانت في منتصف الحفل فتركتنا ومشت، وفرح أيضاً في الخامسة من عمرها تبدو كإمرأة حامل على وشك الولادة ولكنها في الحقيقة تحمل ورم يزن مثل وزنها أو قد يزيد .. وأطفال آخرون كثيرون حاولوا مشاركتنا لحظات من السعادة ولكن بسبب الأمراض التي أصابتهم أبت السعادة أن تعرف طريقهم أو تطرق بابهم .. حيث صار المرض رفيقهم والألم صديقهم،
ظننت أنني ذهبت إليهم لأشد من أزرهم لكن في الواقع هم الذين شدوا من أزري .. فقد بدا الحزن على ملامحي واختلط بابتسامتي التي حاولت رسمها على وجهي وخاصة عندما جذب يدي طفل في السادسة من عمره أبى أن يتركني حزينة أفكر في أحوال هؤلاء الأطفال .. فقمت أغني معهم وشعرت بضعفي وعجزي أمام قوة هؤلاء الأطفال .. وتمنيت ألا تكون هذه الزيارة هي الأخيرة .. وفي المرة الثانية ذهبت إلى نفس المستشفى بعد بضعة أشهر ومعي صديقتي وابنتها وبحثت عن أولئك الأطفال الذين رأيتهم في المرة السابقة، ولكنهم كانوا قد تماثلوا للشفاء وخرجوا واستقبل المستشفى أطفال غيرهم ..
ستشعر بالسعادة عندما تستطيع أن تسري عن طفل وترسم ابتسامة على وجهه بدلاً من تلال من اليأس والحزن التي جثمت فوق صدره .. فلعبة بسيطة أو قطعة حلوى أو قصة وألوان قد تستطيع تحويل الحزن إلى فرح وسعادة، فلا تستصغر أي عمل ولو بسيط .. فببعض الحب قد نعالج أعمق الجروح لديهم ونشفي أصعب الأحزان التي امتلأت بها قلوبهم ونخفف أقسى الآلام التي يشعرون بها .. بقليل من الاهتمام قد نرى ابتساماتهم التي توارت خلف الدموع التي تتساقط على وجوههم حزناً من كثرة الآلام التي يعانون منها، ويأساً من الشفاء من هذه الأمراض والتي تسببت في احتجازهم في المستشفيات عدة أسابيع أو أشهر على الأسرة لا يستطيعون الحركة واللعب.
وعندما نستيقظ ونحن في تمام الصحة والعافية علينا أن نحمد الله على فضله علينا ومنحه ايانا هذه النعم، ولا يجب أن نحزن إن أصابنا مكروه ولا نشكو ان أصابنا البرد وأقعدنا عدة أيام في الفراش فمازلنا نتنفس بدون أنبوبة أكسجين، ولا نحزن ان كسرت أقدامنا وبقينا في الجبس عدة أسابيع فمازلنا نسير على أقدامنا، أو ان استيقظنا على بعض الآلام التي قد تصيب أي عضو من أعضاء جسدنا العظيم .. فمهما نعاني فغيرنا يعاني أكثر ويتألم أكثر، وعلينا في كل الأحوال أن نحمد الله على نعمه التي يغدقها علينا ورزقه الذي يختصنا به .. والمصريون طيبون لا يتأخرون في عمل الخير والتبرع بأموالهم ولكن التبرع بالوقت والجهد لمحاولة اسعاد الآخرين وخاصة ان كانوا أطفال أبرياء متعة ما بعدها متعة ولذة لا تضاهيها لذة .. اللهم متعنا بالصحة واشفي كل مرضانا شفاءً لا يغادر سقماً.
تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز