عاجل
الأحد 20 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
العلم .. تلك الفريضة المؤجلة

العلم .. تلك الفريضة المؤجلة

بقلم : محمد عبد السلام

لا تكمن مأساة الحياة في ألا نتوصل إلي هدفنا، وإنما تكمن المأساة في ألا يكون لدينا هدف نتوصل إليه، وليست الكارثة أن نموت وأحلامنا لم تتحقق، وإنما الكارثة هي ألا نحلم، وليس عاراً ألا نصل إلي النجوم، وإنما العار ألا تكون لدينا نجوم نصل إليها، مقولة رائعة للحكيم "مايز" الأب الروحي لتسهيل التعليم للطلاب، وتتطابق في شقيها علي عالمنا النامي وتوضح ما وصلنا إليه من تدن بعد أن أصبحنا لا نحب العلم.



 

فالعلم لدينا أصبح فريضة مؤجلة ومعطلة، أو فريضة غير محبوبة، والعجيب فعلاً أن معظمنا يولدون وهم يحبون العلم بإعتباره الفطرة السليمة للإنسان، والطريقة التي يعرف بها الإنسان الأشياء والحقائق والكون المحيط به، وبالرغم من ذلك نسمع الكثير من الخرافات المروعة حول العلم وصعوبته وما يحتويه من الألغاز التي لا يستطيع المدرسون حلها وتوصيلها بسهولة إلي الطلاب، إلا بالتهديد والوعيد والضرب والدروس الخصوصية.

 

وجميع الدراسات أكدت ان الكثير من الطلاب في مصر يتحولون من القسم العلمي إلي القسم الأدبي لهذا السبب، لأنهم لا يفهمون المواد العلمية الجافة، لذلك يؤكد العالم الكيميائي هيرشباخ والحاصل علي جائزة نوبل عام 1986 علي انه لإظهار سحر العلم لابد من الإيمان أولاً بأن العلم لم يكن جافاً في يوم من الأيام، وان هناك خيطا رفيعا يربط بين العلم والفنون العقلية، لذلك حذر علماء العلوم الحيوية والرياضيات بالمراكز البحثية من ان مصر ستواجه تهديدا لامنها القومي بحلول عام 2030 لغياب العقول العلمية والرياضية ولغياب الإهتمام بالعلوم الرياضية.

 

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، هل يتعلم العلماء تدريس العلم بروح الحكمة، فغير العلميين لا يستطيعون الإنصات للعلماء باستمتاع وفهم، ولأن الهدف الرئيسي هو جذب الطلبة للتوصل إلي تملك الأفكار العلمية يجب ان نلجأ إلي تقديم العلم لهم بأسلوب أكثر إنسانية لعقولهم، هنا فقط يكون لدينا هدف ونستطيع أن نحلم ويصبح لدينا نجوم نصعد إليها، حينما نحب العلم.

 

 

 

بعد أن إنتهي اللواء عمر سليمان من قراءة خطاب تخلي الرئيس المخلوع حسني مبارك عن رئاسة الجمهورية إعتقد الشعب المصري إن بلادنا ستنتقل فجأة لمصاف الدول العظمي، كيف؟ وما هي الألية التي ستجعل هذا يتحقق؟، لم يجد أحد الإجابة رغم مرور اربعة سنوات.

 

الشعب المصري الذي خرج في 25 يناير وتحمل طيلة ثمانية عشرة يوما كل ويلات العذاب، من برد الشتاء الذي لا يرحم، ولا من غدر رصاصة طائشة لا تفرق بين هذا وذاك، لم يكن لدية إجابة لهذا التساؤل العويص، فتفرغوا للسخرية من "الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان"، وتركوا حتي "مضمون" خطاب التنحي، وكيف قال مبارك في الخطاب "تخليه وليس تنحيه"، والتفكير في مصير ثورة 25 يناير، وماذا بعد التنحي.

 

والحقيقة ان الإعلامي المصري بشقية المرئي والمقروء وحتي المسموع لم يكن له اي دور حقيقي في الإجابة علي هذا السؤال، كيف تنهض مصر وتحقق مستقبلها؟، فترك الساحة لعشرات ومئات البرامج الحوارية والتوك شو، وقدمت للمواطن المصري وجبات ساخنة من الجدل العقيم عن شكل الدولة المطلوبة، وكأن نهضة الدولة المصرية ومستقبلها سيتوقف علي كون هذه الدولة إسلامية أو عسكرية أو مدنية.

 

"أعذائي المشاهدين علينا أن نعترف اننا نعيش أزمة حقيقية.. من ظلام كل صيف.. إلي أزمة البنزين.. لطوابير العيش.. لحملة الماجستير والدكتوراة.. للبطالة والصناعة والزراعة".. هكذا يبدأ الإعلامي كمقدمة لبرنامجة كل ليلة، ليطل علي المشاهدين مجموعة اضحت محفوظة للمشاهد المصري، والمهنة خبير أو ناشط!.

 

وطوال أربعة سنوات لم نجد تعريف علمي حقيقي لوظيفة هذا الخبير، سواء كان سياسي أو إستراتيجي، لم نجد توصيف للمهنة التي يمارسها الناشط الحقوقي، سوي انه مجرد شخص مهندم الملابس ذو شعر طويل، يرتدي في الغالب كوفية، وإستبدل ساعة يدة بحظاظة لزوم الروشنة، راح يتحدث في أي شيء وكل شيء، وفي النهاية يخرج البرنامج بلغو ليس له علاقة بواقع المشكلة أو بآلية حلها.

 

لم نفهم في الواقع كيف آتت لتلك الفئة الجرأة لتتحدث في أمور تتعلق بأزمات ومشاكل المواطن المصري، فمن يبحث وراء الأزمات والمشاكل التي يعانيها المجتمع المصري سيجد أن هناك حلا علمياً نتجاهله، فأزمة الطاقة أزمة علمية يلزمها خبير طاقة، وأزمة الغذاء أزمة علمية يلزمها متخصص في الزراعة، وأزمة رغيف العيش أزمة علمية لها علاقة بتكنولوجيا استصلاح الأراضي والهندسة الوراثية النباتية، وأزمات الدواء والمرور والبطالة كلها أزمات علمية، ما دخل الخبير والناشط بها.

 

 

 

"الإسلام هو الحل.. الديمقراطية عنوان التقدم.. المدنية طريقنا للمستقبل.. العلمانية سبيلنا للتطور.....ألخ"

 

بين مختلف الشعارات والأيديولوجيات ضاعت الأحلام التي حلم بها الشعب المصري طوال أربعة سنوات، وكأن مطالبة من عيش وحرية وعدالة إجتماعية تحتاج لتلك الشعارات التي عفي عليها الزمن، وتسائل البسطاء هل ينقذ الله حافظ القرأن أم السباح من الغرق.

 

الغريبة أن الباحثين دائما عن التقدم والتطور والحالمين بمستقبل باهر لأبناءهم وأحفادهم، سواء كانوا من السياسيين أو الحزبيين تفننوا في كتابة العشرات والمئات من الإستراتيجيات والدراسات والأبحاث والتوصيات التي سنتمكن من خلالها عبور الفترة الإنتقالية، والتي دائما ما كانت تؤكد أن الإسلام أو الديمقراطية أو المدنية أو حتي العلمانية هي الحل، وكأن العلم ليس له أي دور في هذا البلد، فأصبح فريضة غائبة.

 

منذ سنوات وقبل إندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير أخبرني العالم المصري الدكتور محمد النشائي إنه يسعي لتأسيس أول حزب مصري شعارة "العلم هو الحل"، علي ان يكون أعضاءة من العلماء والباحثين والمثقفين وأساتذة الجامعات، حزب علمي هدفة الرئيسي خلق ثقافة علمية ورأي عام مناصر ومؤيد للبحث العلمي، وفسر ذلك بأن مصر لن ينصلح حالها وتبدأ في الوقوف علي قدميها إلا بالعلم.

 

السؤال هنا.. هل يناقض العلم تلك الشعارات، هل الإسلام علي سبيل المثال يقف حجرة عثرة في طريق العلم، كيف هذا وهو من أجل نعم الله علينا، منحه الله ومدحه وكرم أهله وأجزل لهم العطاء، ورفع لهم الدرجات، فقال تعالي في الآية 11 من سورة المجادلة "يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ"، كما قال في الآية التاسعة من سورة الزمر "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ".

 

وفي الحقيقة كان علينا ان نتساءل لماذا إفتتح الله عز وجل كتابه الكريم الذي نزل علي نبي أمي بكلمة "إقرأ" في سورة العلق، بل وكررها ثلاثا، ونبي الرحمة يجيب "ما أنا بقارئ"، كيف لأمي لا يقرأ ولا يكتب أن يعي حينما نزلت تلك الآيات الكريمة ان العلم هو الوسيلة لتحقيق كل شيء، لذلك قال تعالي "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)"، فكما أنعم الله عز وجل على الإنسانية بنقلها من ظلمة العدم إلى نور الوجود، كذلك أنعم عليها بنعمة العلم الذي يُخرج  الناس به من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة.

 

قديما أدرك المسلمون تلك الحقيقة الغائبة عنا الأن، أدرك ان العلم أساس نهضتنا، فترجموا كتب العلوم الفارسية واليونانية وغيرها، وشجع الخلفاء على هذه الحركة العلمية، حتى كان الخليفة المتوكل يعطي حنين بن إسحاق أشهر المترجمين وزن ما يترجمه ذهباً، وبرز أبو بكر الرازي أول من أجري جراحة إزالة الماء من العين، وظهر إبن سينا الذي كان كتابه الطبي "القانون" يدرس في جامعتي كمبردج وأكسفورد، وبرع جابر بن حيان  في علم الجبر، واكتشف كثيرا من أسرار الكيمياء، وسبر العرب علم الفلك، فكانوا أول بناة للمراصد الفلكية في العالم، وأول صانعي المناظير أو التليسكوبات، فضلا عن تقدمهم في  فنون الهندسة المختلفة، كل هذا يجعلنا ندرك أن العلم هو الحل.

 

 

 

خلاصه ما سبق إننا لازلنا لم نفهم إننا في حاجة ملحه لسياسة إعلامية تثقيفية تؤكد إنه بالعلم فقط يمكن أن نستعيد قوتنا، به نحقق الإكتفاء الذاتي من الغذاء فتخضر الصحراء، به نوفر العلاج لمرضانا، به ننشئ مؤسسات صناعية للباحثين عن العمل، به نحل كل مشاكلنا، فقد كنت أعتقد إنه بعد ثورتين آن الأون لتبدأ مصر الحديثة، وأنه قد آن الأوان لحذف شعارات عفي عليها الزمن، فمصر الحديثة لن يتم بناؤها إلا بشعار "العلم هو الحل".

 

هل تذكرون برنامج العلم والإيمان للراحل الدكتور مصطفي محمود الذي تم تقديمة للمشاهد المصري والعربي طيلة ثماني عشرة سنة في 400 حلقة، وبرنامج علوم البحار لرائد علوم البحار المصري والعربي الراحل الدكتور حامد جوهر الذي لُقب بملك البحر الأحمر، وبرنامج عالم الحيوان للإعلامي الكبير الذي رحل العام الماضي في صمت محمود سلطان، وبرنامج جولة الكاميرا للإعلامية هند أبو السعود، كانت إبداعات حقيقية للتليفزيون المصري حينما كان رائدا، ويقدر العلم ودورة في تثقيف الشارع المصري.

 

ومع الإنطلاقة التي شهدها الإعلام المصري بعصر الفضائيات والسموات المفتوحة كنا نعتقد إن البرامج العلمية سيكون لها دور في إعادة تشكيل وجدان المشاهد المصري وبتثقيفة، علي ان يقوم بدور مهم من خلال محورين، الأول حلقة وصل بين رجل العلم وصانع القرار، وثانيها خلق رأي عام وثقافة مجتمعية لأهمية العلم في رفعة وبناء مصر الحديثة، وتوعية الشارع المصري بأهمية العلم، وأن مصر الحديثة لن تنهض إلا بعقول أبنائها ومخترعيها ومبتكريها ومفكريها.

 

لا أنكر إنني حاولت وتحدثت بالفعل مع الكثير من النوافذ الإعلامية، كنت دائما أواجه أحد إجابتين، الأولي: "هو في حد في مصر مهتم بالعلم"، إجابة صادمة توضح لماذا تلهث القنوات وراء برامج المنوعات وإكتشاف مواهب الغناء والرقص والتقليد، في حين لا تجرؤ آي منها علي تقديم برامج لإكتشاف العقول والإبتكارات، والثانية: "قبل أي شيء معاك راعي مستعد للإنفاق"، فأتذكر كيف ان برنامج العلم والإيمان لم يكن ليخرج إلي النور لولا إهتمام أحد رجال الأعمال، بعد أن كاد يفشل لأن التليفزيون المصري حدد ميزانية بثلاثون جنيها فقط لا غير.

 

ومجتمع العلماء في مصر ليس ضيقاً، بل ويكاد يكون الأوسع بين جميع مصادر الجماعة الإعلامية، من صحة وطاقة وغذاء وفضاء وفلك ودواء وصناعة وزراعة وغيرها، ويخطئ من يظن أن أفكارهم ستسهدف شريحة العلماء والمخترعين والمفكرين والمثقفين فقط، ويمكن ان تخرج بلغة سهلة قادرة علي تبسيط المعلومة، تشرح للمشاهد المصري البسيط ابعاد المشكلة والحلول الذي يقدمها العالم والباحث والمخترع المصري، وبشكل يغنيهم علي سماع لغو ذو "المهنة خبير"!.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز