
واهجرني بالحب..
12:00 ص - السبت 13 أغسطس 2016
بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني
"كان عندي قلم رصاص وأنا صغير بحبه جدًا.. بريته مرة بافترا صغر جدًا لدرجة إني وأنا باكتب بيه انغرس في إيدي وجرحني.. هجرته.. وأظن إنه غيابه كان السبب في إني جبت درجة وحشة في الهندسة"
هذه القصة البسيطة هي الهجر في كل صوره. الهجر لا يتغير، لذا حين تهجر حبيبك أو يهجرك ستظل تشعر بوخزه في قبك كوخزة القلم الرصاص حتى يختفي أثر الطعنة بشكلل طبيعي، وبعض الوخز كالرصاصة قد لا تستطيع استئصالها لكنها طالما سمحت لك بالحياة فأنت قادر على التعايش معها. هذه الرصاصة سمحت لك بأن تعيش. وهو أمر يجعلك محظوظًا سواء سلمت بذلك أم لم تسلم به. فقط فكر كيف نجوت من ألم حب كنت تظن أنك لا تحيا بغيره، فسمح لك أن تحيا بجزء منه، وأظنها أفضل الحلول بالنسبة لك وأنت متعلق به ولا تريد التخلي عنه.
"حاسب م الوحدة عليا.. واهجرني شوية شوية.. خليني أتعود بعدك قبل الأيام الجاية"
هكذا استجدى الكاتب الكبير عبد الوهاب محمد على لسان لطيفة حبيبها كي يهجرها رويدًا رويدًا، لأنها عاجزة عن الاستمرار في الحياة في غيابه، ولكن هل هذا صحيح؟ هل هذا ما يجب أن يحدث؟. قدروا معي أن هذا الحبيب هجرها "شوية.. شوية" وأنهما قاما معًا بتصميم برنامج لتمارين الهجر له إطار زمني أو بغير إطار زمني، فالنتيجة ستكون أنه سيهجرها بعد مرور فترة وستمارس حياتها بشكل طبيعي بعدها، كهدف نهائي للبرنامج. لكن الأمر لو حدث مرة واحدة سيكون أفضل بمراحل، فعلى الأقل ستتجنب الخداع الذي سيسببه استمرار الوصال مع الحبيب رغم تخفيف كثافته، كما أن صورة الحبيب الذ يجاملك بهجرك كما تريد أنت، ويدللك بـ (مواربة) الباب قبل إغلاقه سيصبح أجمل، وستعشقه أكثر، على الرغم من أن اعتمادك عليه سيقل تدريجيًا، لكن كيف سيقل اعتماد قلبك عليه، وههو يصبح فارسًا كل يوم أكثر من سابقه. إذن إن هجرت فاهجر فورًا وإن بقيت فابقَ دهرًا.
"أنا اللي هجرت.. أنا اللي مقدرتش أكمل لأني مش قادر أحب.. ليه أنا اللي بأتألم.. رغم إني شايفه بدأ يعيش ويكون سعيد؟!"
الحقيقة أنك حين تهجر تشعر بأنك تجعل الأشياء تتوقف عن النمو. تجعل الأزهار التي تفتحت تنغلق مرة أخرى على نوافذ الانتظار. تجعل الشمس تغرب قبل شروقها. الأمر ليس سهلًا، فهو ليس شعورًا بالذنب لكنه شعور بالعتب، ولأن الأشياء التي لا تعرف سببًا لميلادها لن تشعر بالرضا عن نهايتها أبدًا، فستظل تلوم نفسك مطولًا. من الطبيعي أن ترسم سياريوهات بديلة للحب الذي رفضته، فهو نعمة كبرى تحلم بها منذ وقت طويل، وحين أتتك شعرت أنها ليست على قياس قلبك فتركت مفتاحها إلى جوار بابك وأغلقت الباب. ألن يناديك المفتاح من حين لآخر طالما هو جار بابك؟!. من يظنون أن رافضي الحب لا يتألمون مخطئون تمامًا. فهم يتألمون كثيرًا لأنهم يشعرون بأنهم يجرمون في حق أنفسهم قبل الآخرين. يحرمون من نعمة قبل أن تصل لسواهم تذكرهم أنها ليست لهم، وأحيانًا أخرى تتألم لألم الآخرين، وتأخذك الشفقة حد أنك لا تقول "لا" لكنك لا تقول "نعم" أيضًا.. وتتألم أيضًا.
"الهجر بحضارة.. زي الاعتراض بصوت واطي.. هنفضل أصحاب"
تلك حقيقة يؤكدها معظم من هجروا أو هُجروا، فصورتك وأنت تهجر تكون آخر ما يبقى من قصة حب من طرفين أو من طرف واحد، وهذه الصورة هي التي تشكل مستقبل علاقة مستقبلية تجعل من كليكما شخصي يحترمان بعضهما البعض بدرجات مختلفة قد تصل إلى حد صداقة متينة. لكن حذار من انتقاد أي منكما للآخر وقت الهجر.
تابع بوابة روزا اليوسف علي