عاجل
السبت 19 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
We
البنك الاهلي
عندما تكون وحيدا

عندما تكون وحيدا

بقلم : أمل حجازي
 الوحدة؛ تلك الكلمة التي قد تؤلمك عند سماعها. ذلك الإحساس الموحش بالفراغ الذي يعتريك. قد تضطرك الظروف أن تكون وحيدا، فتقبل وضعك الجديد وتصاحب نفسك في وحدتها. أوقد ترفض وتتمرد وتلجأ إلى من يؤنس وحدتك؛ لأنك لن تستطيع الجلوس مع نفسك طويلا، فلن تصمدا معا في مكان واحد. وتتنوع أسباب وأشكال الوحدة، ولكن هل كلنا يعرف أن للوحدة عشاق؟ أن هناك من يفضل أن يبقى وحيدا؟ أن هناك من يكون في وحدته أسعد الناس؛ لأنه 
ببساطة لم يجد من يستحق أن يحظى بصحبته! وهل تعرف أيضا أن للوحدة أنواع واشكال؟
 
:أنواع الوحدة
   وحدة مع وقف التنفيذ:
 تلك الوحدة التي تعاني منها ولكنك لا تشعر. تمر عليك أيام وليال وأنت سعيد ومبتهج بالصحبة الزائفة التي تحيط بها نفسك. تتكلم فيسمعونك، يضحكون، يتفاعلون، يعلقون، يهللون لك فتشعر بقيمك وأهميتك وأنهم بدونك لا يستطيعون العيش. ثم تأتي تلك الليالي السوداء التي تستيقظ فيها من غفوتك فتنظر حولك وتجد أن من كانوا في صحبتك هم مجرد أشباح، وأصدقاء فقط داخل شاشة تليفونك أو جهاز الكومبيوتر. لن يستطيع أي منهم مد يده من خلال تلك الشاشة اللعينة لك عندما تحتاج مساعدة. لن يستطيع أحدهم أن يمسح دمعتك أو يربت على كتفك. ولن يحتضنك إلى صدره أحدهم. فالأميال التي تفصلهم عنك هي نفسها التي تفصل مشاعرهم عنك.
 
 لتتأكد من أن أحدهم يشعر بك عليه التواجد والإقامة داخل قلبك إقامة كاملة " فول بورد ". هو فقط من ستنطفأ أنوار الدنيا في عينيه عندما تغيب. هو فقط من سيعد الساعات والدقائق حتى تعود. هو فقط من يكون وجودك في حياته حيويا كالماء والهواء. هو الذي يؤلمه وجعك، وتشرق شمسه حين يرى ابتسامتك. هذا هو فقط من يستحق أن تبقى معه.
 
وحتى لا تنجرف وراء تلك " اللمة الكدابة "، تذكر دائما أن تلك الأجهزة وهذه التكنولوجيا قد اخترعت من أجل راحتك، فلا تجعلها سببا لتعاستك. فقد وجدت لتخدمك، فلا لتكن عبدا لها. تحرر من عبودية الأنترنت وأهرب قبل أن يقتلك شبح الوحدة الذي يخيم على المكان في كل مرة تترك العالم وتنطوي وحيدا حاضنا عالمك الخيالي بين يديك.
 
وحدة إجبارية:
    وتلك أقسى أنواع الوحدة. وللأسف أنك ستمر بها لا محالة، شئت أم ابيت، عاجلا أو آجلا. هي الوحدة التي يفرضها عليك القدر عندما تكبر في السن. ذلك العمر الذي نخافه جميعا. فكنت أتأمل أمي _أطال الله في عمرها_ وكيف تقلص عالمها وضاقت دائرة اهتماماتها في الحياة مع تقدمها في العمر. لم تعد تلك الأشياء التي تسعدها في الماضي هي نفسها التي تفرحها الآن. فأقل القليل هو ما ترضى به. وهي التي كانت تملأ الدنيا حركة ونشاطا. تدور الآن عجلة الزمن ببطيء شديد. يمر الوقت عليها طويلا، ونحن كل مشغول في حياته وبأبنائه. مشغولون ولا نشعر كم من الوقت قد يمضي ونحن لم نسأل، لم نشعر بوحدتهم، بمشاعرهم، أو حتى بكلامهم الذي يعاد مرارا وتكرارا. ولكن ليس الأمر بهذا السوء في كل الأوقات؛ فربما يكون عالمها الآن أقل صخبا، وأقل دورانا، ولكنه الأفضل بالنسبة لها ولعمرها. فقد أصبح لدى أمي وكل من أعرف في نفس عمرها طقوسا يومية لحياتهم الخالية من الناس. فتتعلق بمكانها الخاص في المنزل، بسريرها، بمخدتها، بكرسيها المفضل. فقد عقدت صداقة أبدية مع تفاصيل حياتها الصغيرة هذه، بل وتعلقت بها كثيرا.
 
   تلك الوحدة التي سوف نمر بها جميعا، عندما ينهك الجسد فتقل حركته. عندما تترك العمل وتجلس بالساعات في اجازة مفتوحة ولكنك لا تعرف أين وكيف ستقضيها بعد هذا العمر! سوف يأتي ذلك اليوم الذي ستتركك فيه الدنيا لأنك لم تعد قادرا على مجاراتها واللحاق بها، وحتى ذلك الحين، عليك أن تنهل من كل لحظة في حياتك وتستمتع بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة قبل أن تضيق عليك الدائرة.
وحدة وسط الناس:
 
   تلك الوحدة التي تشعر بها وحولك كثير من الناس. تجلس معهم، تشاركهم أحاديثهم وضحكاتهم ولكنك بينك وبين نفسك لا تشعر بأنك تنتمي لهذا المكان، وقد تتمنى لو أنشقت الأرض وابتلعتك حتى تنتهي هذه الضوضاء من حولك وتضع حدا لهذا الجمع الذي لا تندمج معه، بل وتشعر بالوحدة الشديدة في وسطه. حين تتمنى فعلا أن تبقى وحيدا، فوحدتك في وسطهم زائفة. ألم نمر جميعا بهذا النوع من الوحدة؟ قد تشعر بها لغياب صديقك المقرب عن المجموعة. أو لغياب عقلك لأمر يشغلك. وأحيانا لغياب قلبك وتعلقه بحبيب تشتاق لرؤيته فينشغل بالك به. تختلف الأسباب والغياب جزء من هذه الوحدة.
 
عندما يغيب جزء منك، سوف تشعر أينما ذهبت بالنقص، ولن يكون للاندماج وسط الناس معنى، وعندها فقط تصبح الوحدة هي الحل الأمثل. لحين إشعار آخر، أو حتى تكتمل روحك.
الوحدة الجميلة:
 
 هي التي تكون فيها على موعد مع نفسك. تختلي إليها وتدللها كما تشاء. فتختلس من يومك الصاخب دقائق معدودة تجلس فيها أنت فقط ولا أحد غيرك. وأخيرا جاء موعد قهوتك التي تشتاقها طيلة النهار، فتجلس متكأ على الكرسي وتحتسيها بهدوء دون أن يعكر صفو مزاجك أحد. أو ربما هو وقت قراءة جزء جديد من الكتاب الذي يشدك. أو لعله وقت الاسترخاء فحسب، عندما تحتاج أن تغمض عينيك وتحلق عاليا بعيدا عن هذا العالم المزعج؛ فتغفو قليلا أو تحلم قليلا، وفى كلتا الحالتين أنت تفعل ما يحلو لك " لوحدك " وتستمتع به.
 
نسيت أن أقول لكم أننى أشتاق كثيرا لهذه الوحدة الجميلة من حين لآخر، فبدونها لا يكتمل يومي. فهي الوقت المستقطع من صخب الحياة التي لا تكف عن إزعاجي.
 ألم أقل لكم، فليست كل أنواع الوحدة سيئة...فلا تحزن عندما تكون وحيدا، وتذكر ان القمر يظل جميلا رغم وحدته في السماء.
 
قد تكون وسط المئات ولا تشعر بصحبتهم، وقد لا يكون هناك أحد غيرك ولكنك تستمتع بصحبة نفسك...لذلك كل ما يهم هو أن تستمتع بما تفعل.
بالطبع تكون الوحدة مؤلمة ولكنها أهون بكثير من أن يتذكرك الناس فقط وقت فراغهم. 



تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز