غادة نوارة
فجر الضمير
بقلم : غادة نوارة
يخاطب عالم الآثار الفرنسي مستر فوكيه صديقه المفتش الانجليزي مستر بلاك متحدثاً عن الفلاحين المصريين قائلاً ... "إن هذا الشعب الذي تحسبه جاهلاً ليعلم أشياءً كثيرة، يعلمها بقلبه لا بعقله ... إن الحكمة العليا في دمه ولا يعلم، والقوة في نفسه ولا يعلم .. لا تظن يا مستر بلاك أن هذه الآلاف من السنين التي هي ماضي مصر قد انطوت كالحلم ولم تترك أثراً في هؤلاء الأحفاد وهذا هو الكنز الدفين الذي يُحركهم وقت الأزمات... أما أخلاق المصريين الفاسد منها ليس من مصر بل أدخلته عليه أمم أخرى"
ورأي عالم الآثار الفرنسي هذا أيده ودعمه علماء آخرين كثيرين كتبوا، وعبروا عن انبهارهم بالمصريين الذين أقاموا أول حضارة عرفتها البشرية، وكما أقاموا أقدم حضارة في العالم .. فقد وضعوا أول منظومة للقيم والأخلاق والضمير في العالم .. وهذا ما تؤكده عشرات بل مئات من الحكم والمبادئ، والأخلاق التي وُجدت مكتوبة على جدران المعابد وعلى ورق البردي وعلى المسلات منذ آلاف السنين، فأول وثيقة أخلاقية في التاريخ هي نصائح الحكيم "بتاح حتب" .. وهذا ما جعل عالم المصريات الأمريكي جيمس هنري بريستد يؤلف كتاباً يتحدث فيه عن فجر الضمير، والذي نشرت ترجمته الهيئة العامة للكتاب وتم إصداره ضمن مكتبة الأسرة ... ويذكر في كتابه هذا أن الأخلاق ورقيها بدأت تتشكل منذ 5000 سنة على ضفاف نهر النيل .. أصل حضارة العالم ومهدها الأول .. حيث نشأ الضمير الإنساني وترعرع وبها تكونت الأخلاق النفسية قبل أي بلد في العالم.
وكما وهب الله مصر كل مقومات الحياة فقد أفاض علينا بطبيعة سمحة وفطرة طيبة، ما جعل المصري على مر العصور يتصف بمجموعة صفات تُميزه عن غيره.. كالوفاء .. المروءة .. الشهامة .. التسامح .. الاعتدال .. السلام .. الشجاعة .. الرضا .. الصبر .. الانتماء .. الرحمة .. الأمانة والإخلاص، إن هذه الصفات ترسخت في المصريين عبر آلاف السنين وصارت تمثل السمات العامة للشخصية المصرية، أما ما طرأ عليها من تغيير في العقود الماضية لهو شئ عارض ومؤقت.
وبالفعل فهناك عوامل طارئة أثرت سلباً للأسف في صفات المصريين، بل وأحدثت خللاً في المجتمع المصري ومن هذه العوامل ... النكسة، والانفتاح الاقتصادي والذي لم يكن المجتمع مهيئاً له وأدى لانتشار الفساد والعشوائيات،بالإضافة لتدهور التعليم .. وانتشار المخدرات .. والهجرة لبلاد النفط واستيراد أفكار دخيلة على مجتمعنا .. وتخلي الأسرة عن القيام بدورها، وتردي الأعمال الفنية والتي لم تساهم فقط في انحطاط الأخلاق في المجتمع ولكن ساهمت أيضاً في تدمير الشخصية المصرية، وتراجع دور الإعلام بل وقيامه بدور سلبي في أحيانٍ كثيرة ... كل هذا أدى لبروز صفات سلبية كثيرة، وتقديس المادة وضياع قيمة العمل ... وأدى أيضاً لتحويلنا لمجتمع استهلاكي غير منتج، ورسخ لاختلافات كبيرة بين الطبقات الاجتماعية مما أدى لشعور البعض بالحقد والغربة ونشر التطرف والتعصب وأدى لحالة التردي الأخلاقي والانحراف في السلوك والفظاظة في التعامل.
وإن كنا نعترف بتغير الأخلاق في المجتمع في الآونة الأخيرة وانتشار الصفات السابقة .. فلا ينكر أحد أيضاً أن الخير مازال في بلدنا ومازال الكثير من المصريين يتمتعون بهذ الصفات.
إن الأمانة والرضا والوفاء وعزة النفس والكرامة هي التي جعلت العامل المصري البسيط بن سوهاج الذي وجد شنطة بها 168 ألف ريال و5 آلاف دولار لا يستولى عليها ويسلمها لصاحبها ويرفض حتى الحصول على نسبة 10% منها مقابل أمانته .. وهي نفس الصفات التي تجعل سائق تاكسي يُسلم شنطة بها آلاف الدولارات لسائح نسيها في سيارته وغيرهما كثيرون .. ونفس الصفات التي تجعل رجل بسيط صاحب كشك يسلم لإبني حاسبه الشخصي الذي نسيه عنده.
والشهامة والمروءة والنخوة هي التي جعلت ضابط الشرطة يطارد ذئاب بشرية ويضحي بنفسه في سبيل إنقاذ فتاة من الاغتصاب ... ونفس هذه الصفات التي جعلت عامل القطار يُضحي بنفسه ويلقي بها في النيران المستعرة في القاطرة ليفصلها عن باقي القطار وينقذ مئات إن لم يكن آلاف من أرواح الركاب.
ونفس هذه الشهامة والمروءة والطيبة هي التي تجعل سائق تاكسي يقف لي لإصلاح كاوتش السيارة ساعة الإفطار في رمضان ويرفض الحصول على مقابل .. وهي نفس الصفات التي تجعل المصري الأصيل د: مجدي يعقوب يقيم مركز متخصص للقلب في أسوان ويُجري فيه عمليات جراحية مجاناً ... وهي نفس الصفات التي تجعل د: أحمد زويل يتبرع بقيمة جائزة نوبل التي حصل عليها لإنشاء جامعة.
إن العزيمة والإرادة وتحمل المسئولية والانتماء و والإيثار والصبر والإخلاص في العمل والوفاء والمثابرة والتعاون وحب الوطن هو الذي جعل مصر تستطيع تحقيق الانتصار في 73 على أعتى الجيوش تسليحاً وتحصيناً في واحدة من أعظم الحروب التي عرفها العصر الحديث.. ونفس هذه الصفات هي التي تجعل هؤلاء الرجال يُضحون بأنفسهم هذه الأيام للقضاء على الإرهاب وحماية بلدنا من أي خطر.
لا أحكي مواقف فردية أو فريدة من نوعها ولكن أحكي عن مواقف تتكرر ونقابلها جميعاً كل يوم .. فكما نقابل أشخاص قد لا نحسبهم من فصيلة بني البشر .. فهناك الكثيرون الذين يثبتون لنا كل يوم أن هذه الأرض الطيبة لا تنضب أبداً بالرجال ... فمازلنا نسمع كل يوم عن هؤلاء الذين تعكس سلوكياتهم المحترمة أخلاقهم ومبادئهم وقيمهم وأصلهم الطيب ... ولكن تظهر فقط المواقف السيئة والسلبية لأن الخبر هو أن يعض الإنسان كلب وليس العكس.
ولا يجب السخرية والاستهزاء من أنفسنا والتقليل من شأننا فإن هذا يعكس عدم ثقة في النفس والترويج لصفات سلبية تتسرب في العقول وتقبع في النفوس وتؤدي في النهاية لتشويه الشخصية المصرية والتقليل من شأن المصريين وقيمتهم وقدراتهم وسماتهم الطيبة والمتحضرة التي كتب عنها الكثير من العلماء الأجانب والمستشرقين، والتي أثبتتها أحداث جسام، وبإذن الله ستظلسمات المصريين الطيبة أبدا الدهر.
إن الفطرة الطيبة التي خلقنا الله عليها والطبيعة المتسامحة والمتعاونة في أوقات الصعاب والتي اختصنا بها الله هي أقوى قوة نواجه بها كل التحديات حتى وإن كانت جسام ... ولا يجب أن نسمح لأنفسنا أو لأحد أن يسلبنا تلك السمات .. وثراء مصر الحقيقي يكمن في قدرات شعبها الهائلة، وسماتهم الطيبة التي تميزهم عن غيرهم من الشعوب وإن كانت هذه الصفات أصابها عطب فستزول عاجلاً أو آجلاً بإذن الله.. وعلينا البدء بأنفسنا وتغيير سلبياتنا، فمن غير المعقول أن يُغير المصريون رئيسين في فترة وجيزة ولا يستطيعون تغيير أنفسهم، فعلينا استعادة قيمنا النبيلة وأخلاقنا الحميدة ..وأخيراً " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم"
يخاطب عالم الآثار الفرنسي مستر فوكيه صديقه المفتش الانجليزي مستر بلاك متحدثاً عن الفلاحين المصريين قائلاً ... "إن هذا الشعب الذي تحسبه جاهلاً ليعلم أشياءً كثيرة، يعلمها بقلبه لا بعقله ... إن الحكمة العليا في دمه ولا يعلم، والقوة في نفسه ولا يعلم .. لا تظن يا مستر بلاك أن هذه الآلاف من السنين التي هي ماضي مصر قد انطوت كالحلم ولم تترك أثراً في هؤلاء الأحفاد وهذا هو الكنز الدفين الذي يُحركهم وقت الأزمات... أما أخلاق المصريين الفاسد منها ليس من مصر بل أدخلته عليه أمم أخرى"
ورأي عالم الآثار الفرنسي هذا أيده ودعمه علماء آخرين كثيرين كتبوا، وعبروا عن انبهارهم بالمصريين الذين أقاموا أول حضارة عرفتها البشرية، وكما أقاموا أقدم حضارة في العالم .. فقد وضعوا أول منظومة للقيم والأخلاق والضمير في العالم .. وهذا ما تؤكده عشرات بل مئات من الحكم والمبادئ، والأخلاق التي وُجدت مكتوبة على جدران المعابد وعلى ورق البردي وعلى المسلات منذ آلاف السنين، فأول وثيقة أخلاقية في التاريخ هي نصائح الحكيم "بتاح حتب" .. وهذا ما جعل عالم المصريات الأمريكي جيمس هنري بريستد يؤلف كتاباً يتحدث فيه عن فجر الضمير، والذي نشرت ترجمته الهيئة العامة للكتاب وتم إصداره ضمن مكتبة الأسرة ... ويذكر في كتابه هذا أن الأخلاق ورقيها بدأت تتشكل منذ 5000 سنة على ضفاف نهر النيل .. أصل حضارة العالم ومهدها الأول .. حيث نشأ الضمير الإنساني وترعرع وبها تكونت الأخلاق النفسية قبل أي بلد في العالم.
وكما وهب الله مصر كل مقومات الحياة فقد أفاض علينا بطبيعة سمحة وفطرة طيبة، ما جعل المصري على مر العصور يتصف بمجموعة صفات تُميزه عن غيره.. كالوفاء .. المروءة .. الشهامة .. التسامح .. الاعتدال .. السلام .. الشجاعة .. الرضا .. الصبر .. الانتماء .. الرحمة .. الأمانة والإخلاص، إن هذه الصفات ترسخت في المصريين عبر آلاف السنين وصارت تمثل السمات العامة للشخصية المصرية، أما ما طرأ عليها من تغيير في العقود الماضية لهو شئ عارض ومؤقت.
وبالفعل فهناك عوامل طارئة أثرت سلباً للأسف في صفات المصريين، بل وأحدثت خللاً في المجتمع المصري ومن هذه العوامل ... النكسة، والانفتاح الاقتصادي والذي لم يكن المجتمع مهيئاً له وأدى لانتشار الفساد والعشوائيات،بالإضافة لتدهور التعليم .. وانتشار المخدرات .. والهجرة لبلاد النفط واستيراد أفكار دخيلة على مجتمعنا .. وتخلي الأسرة عن القيام بدورها، وتردي الأعمال الفنية والتي لم تساهم فقط في انحطاط الأخلاق في المجتمع ولكن ساهمت أيضاً في تدمير الشخصية المصرية، وتراجع دور الإعلام بل وقيامه بدور سلبي في أحيانٍ كثيرة ... كل هذا أدى لبروز صفات سلبية كثيرة، وتقديس المادة وضياع قيمة العمل ... وأدى أيضاً لتحويلنا لمجتمع استهلاكي غير منتج، ورسخ لاختلافات كبيرة بين الطبقات الاجتماعية مما أدى لشعور البعض بالحقد والغربة ونشر التطرف والتعصب وأدى لحالة التردي الأخلاقي والانحراف في السلوك والفظاظة في التعامل.
وإن كنا نعترف بتغير الأخلاق في المجتمع في الآونة الأخيرة وانتشار الصفات السابقة .. فلا ينكر أحد أيضاً أن الخير مازال في بلدنا ومازال الكثير من المصريين يتمتعون بهذ الصفات.
إن الأمانة والرضا والوفاء وعزة النفس والكرامة هي التي جعلت العامل المصري البسيط بن سوهاج الذي وجد شنطة بها 168 ألف ريال و5 آلاف دولار لا يستولى عليها ويسلمها لصاحبها ويرفض حتى الحصول على نسبة 10% منها مقابل أمانته .. وهي نفس الصفات التي تجعل سائق تاكسي يُسلم شنطة بها آلاف الدولارات لسائح نسيها في سيارته وغيرهما كثيرون .. ونفس الصفات التي تجعل رجل بسيط صاحب كشك يسلم لإبني حاسبه الشخصي الذي نسيه عنده.
والشهامة والمروءة والنخوة هي التي جعلت ضابط الشرطة يطارد ذئاب بشرية ويضحي بنفسه في سبيل إنقاذ فتاة من الاغتصاب ... ونفس هذه الصفات التي جعلت عامل القطار يُضحي بنفسه ويلقي بها في النيران المستعرة في القاطرة ليفصلها عن باقي القطار وينقذ مئات إن لم يكن آلاف من أرواح الركاب.
ونفس هذه الشهامة والمروءة والطيبة هي التي تجعل سائق تاكسي يقف لي لإصلاح كاوتش السيارة ساعة الإفطار في رمضان ويرفض الحصول على مقابل .. وهي نفس الصفات التي تجعل المصري الأصيل د: مجدي يعقوب يقيم مركز متخصص للقلب في أسوان ويُجري فيه عمليات جراحية مجاناً ... وهي نفس الصفات التي تجعل د: أحمد زويل يتبرع بقيمة جائزة نوبل التي حصل عليها لإنشاء جامعة.
إن العزيمة والإرادة وتحمل المسئولية والانتماء و والإيثار والصبر والإخلاص في العمل والوفاء والمثابرة والتعاون وحب الوطن هو الذي جعل مصر تستطيع تحقيق الانتصار في 73 على أعتى الجيوش تسليحاً وتحصيناً في واحدة من أعظم الحروب التي عرفها العصر الحديث.. ونفس هذه الصفات هي التي تجعل هؤلاء الرجال يُضحون بأنفسهم هذه الأيام للقضاء على الإرهاب وحماية بلدنا من أي خطر.
لا أحكي مواقف فردية أو فريدة من نوعها ولكن أحكي عن مواقف تتكرر ونقابلها جميعاً كل يوم .. فكما نقابل أشخاص قد لا نحسبهم من فصيلة بني البشر .. فهناك الكثيرون الذين يثبتون لنا كل يوم أن هذه الأرض الطيبة لا تنضب أبداً بالرجال ... فمازلنا نسمع كل يوم عن هؤلاء الذين تعكس سلوكياتهم المحترمة أخلاقهم ومبادئهم وقيمهم وأصلهم الطيب ... ولكن تظهر فقط المواقف السيئة والسلبية لأن الخبر هو أن يعض الإنسان كلب وليس العكس.
ولا يجب السخرية والاستهزاء من أنفسنا والتقليل من شأننا فإن هذا يعكس عدم ثقة في النفس والترويج لصفات سلبية تتسرب في العقول وتقبع في النفوس وتؤدي في النهاية لتشويه الشخصية المصرية والتقليل من شأن المصريين وقيمتهم وقدراتهم وسماتهم الطيبة والمتحضرة التي كتب عنها الكثير من العلماء الأجانب والمستشرقين، والتي أثبتتها أحداث جسام، وبإذن الله ستظلسمات المصريين الطيبة أبدا الدهر.
إن الفطرة الطيبة التي خلقنا الله عليها والطبيعة المتسامحة والمتعاونة في أوقات الصعاب والتي اختصنا بها الله هي أقوى قوة نواجه بها كل التحديات حتى وإن كانت جسام ... ولا يجب أن نسمح لأنفسنا أو لأحد أن يسلبنا تلك السمات .. وثراء مصر الحقيقي يكمن في قدرات شعبها الهائلة، وسماتهم الطيبة التي تميزهم عن غيرهم من الشعوب وإن كانت هذه الصفات أصابها عطب فستزول عاجلاً أو آجلاً بإذن الله.. وعلينا البدء بأنفسنا وتغيير سلبياتنا، فمن غير المعقول أن يُغير المصريون رئيسين في فترة وجيزة ولا يستطيعون تغيير أنفسهم، فعلينا استعادة قيمنا النبيلة وأخلاقنا الحميدة ..وأخيراً " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم"