عاجل
الأربعاء 18 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
المتاجرة بالدماء .. بين خالد و شيماء

المتاجرة بالدماء .. بين خالد و شيماء

بقلم : إيهاب الشيمي

في الخامس و العشرين من مارس من عام 2014 أعلنت محكمة جنايات الإسكندرية حيثيات حكمها الصادر بالسجن المشدد عشر سنوات ضد فردى شرطة بقوة قسم سيدى جابر، لإدانتهما بالقبض بدون وجه حق، وتعذيب الشاب خالد سعيد على نحو أسفر عن مصرعه، والذى جاء إثر إعادة محاكمتهما بعد قيام محكمة النقض بنقض حكم سبق إصداره ضدهما من دائرة سابقة مغايرة من دوائر محاكم الجنايات الإسكندرية، بمعاقبتهما بالسجن سبع سنوات.



 
خبر لم يعره الكثير من المصريين الكثير من الاهتمام بالرغم مما مثله خالد سعيد في وجدان الشعب المصري كأيقونة للثورة في يناير 2011, لكنه استدعى إلى ذاكرتي كل مشاعر الغضب و الألم التي عصفت بي في يونيو 2010 حين تم قتل ذلك الشاب، و كيف امتلأت الصحف و وسائل الإعلام و من وراءها ممن منحوها عقولهم مجاناً و طواعية ليروجوا لفكرة براءة الشرطة من قتل الشاب الأعزل، بل إن البعض تعدى كافة الخطوط ليستبق التحقيقات و يعلن براءة الشرطة لمجرد أن الفتى وجد بحوزته ما قد يكون لفافة من نبات مخدر، و في المقابل بدأ العديدون في تنصيب أنفسهم شهود عيان لواقعة لم يشهدها سوى صديق الشاب و الشاهد الوحيد في القضية، ليرووا كيف أن فردي الشرطة هم من دسوا لفافات المخدر في فم الشاب، بعد أن أوسعوه ضربا حتى الموت ليبرروا فعلتهم.
 
و ليس المهم هنا تأييد أحد الفريقين، بقدر ما هو كيف حول الجميع القضية لمجرد صراع على كون الشاب متعاطياً للمخدرات من عدمه و كأن ذلك يبيح للشرطة اعتقاله و ضربه و تعذيبه حتى الموت في حال ثبوته، أو ينفي ذلك الحق عنها في حال نفيه !!
 
و قد يتساءل البعض عن مغزى تطرقي لهذا الأمر الآن، بل إني موقن أن الكثيرين ممن حصروا حب الوطن في تأييد الحاكم و السلطة و الأجهزة الأمنية على طول الخط، و افتراض عصمتهم من الخطأ، سيذهبون بعقولهم المريضة إلى تلك الزاوية المظلمة من التخوين و العمالة و اتهامي بالرغبة في تشويه أجهزة الدولة لصالح أعداءها، و كيف أن قلمي يقطر سماً أريد به قتل الوطن!
 
و دعوني أتجاوز هؤلاء فلا حاجة بي لمخاطبتهم، فهم لا يسمعون إلا ما يحبون، و لا يرون من الوطن إلا أنفسهم، و لا يرون في السلطة سوى ألوهيتها و عصمتها من الخطأ. و لا يدركون أن قوة مصر لن تتحقق إلا بوجود "سلطة قوية" تعترف بحق "المعارضة الوطنيةالمسئولة"  في الحرية في ممارسة "النقد البناء" ليقفا سوياً في مواجهة أعداء الوطن.
 
إن ما دعاني  و بشدة للخوض في هذا الأمر من جديد، هو ما حدث خلال إحياء ذكرى ثورة يناير منذ أيام، و مقتل الناشطة السياسية شيماء الصباغ أثناء مسيرة سلمية بميدان طلعت حرب كان الغرض منها، كما أعلن حزبها و أيدته أجهزة الأمن، وضع أكاليل تذكارية من الزهور في أماكن سقوط شهداء الثورة.
 
و لن أخوض هنا من جديد في كل ذلك اللغط الذي خاض فيه الجميع تقريباً في الأيام القليلة الماضية حول ملابسات الحادث، و لكن ما أود التركيز عليه هنان و هو اهم في نظري، هو ضرورة ألا نسقط في نفس الأخطاء التي ارتكبها الجميع في قضية خالد سعيد، فما لاحظته بعد سقوط شيماء مباشرةً هو تحول الجميع إلى شهود عيان و وكلاء نيابة و قضاة،  بل و آلهة و العياذ بالله، تقرر من له الحق في الحياة و من يجب أن يموت دون مساءلة !
 
و كما رأيت المشهد فهناك ثلاثة فرق استحوذت على المشهد عقب مقتل شيماء..
الفريق الأول و هم من تدافعوا و بدون أية دلائل، و حتى قبل أن يتم تشريح جثمان الشهيدة شيماء، للدفاع عن الشرطة و عن قوات فض الشغب و تأمين ميدان طلعت حرب، و الترويج لفكرة أن القاتل بالضرورة من الإخوان لتوريط الشرطة و تشويه صورتها، ثم تنصيب أنفسهم خبراء في تسليح قوات فض الشغبو الحديث عن أن تسليحها لا يشمل بنادق "خرطوش" من النوع الذي قتلت به شيماء، بل و الذهاب لأبعد من ذلك و الهبوط لأدنى مراتب الإنسانية، و ما دونها،  بالترويج لمشروعية قتل الفتاة لمجرد أن المسيرة كانت "بدون تصريح" !!
 
الفريق الثاني و هم من أزعجهم المشهد برمته، و تألموا لسقوط شابة في مقتبل العمر، و أم لطفل لم يتجاوز الثلاثة أعوام، و أظهروا تلك المشاعر النبيلة، و لكنهم في الوقت ذاته يثمنون و بشدة، كحال أي مصري مخلص،  تضحيات رجال الشرطة المخلصين  و دماء من استشهد منهم و من إخوتهم في القوات المسلحة من أجل أمن الوطن، و النتميون لهذ الفريق هم من دفعهم خوفهم على مصر في هذه المرحلة الدقيقة و العصيبة، و رغبتهم في ألا يتم استغلال الموقف لصالح الأعداء في الداخل و الخارج للبحث عن كل ما يمكن أن يبعد الشبهات عن  أجهزة الأمن فبدأوا من هذا المنطلق و تحقيقاً لها الهدف النبيل في نشر مقاطع مصورة،  ظنوا أنها من مصادر موثوقة أو من ادعوا أنهم شهود عيان، تظهر أشخاصاً بأسلحة مندسين وسط المسيرة،  بينما اتضح فيما بعد أن كل تلك المقاطع لا علاقة لها بالمسيرة بل و لأحداث قديمة لمناطق بالاسكندرية و ليس القاهرة من الأساس.
 
الفريق الثالث و هم من أدمنوا التجارة بدماء الضحايا و الشهداء منذ انطلاق الثورة و حتى الآن، من أنصار و مؤيدي و أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، و كذلك من مدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، و الحركات الثورية التي يديرها هؤلاء الذين لا يستطيعون إدراك أن الحراك الثوري  في المرحلة الحالية يتطلب المشاركة السياسية و طرح الحلول و التمثيل النيابي و المعارضة البناءة و ليس مجرد الصراخ و العويل في الميادين و على شاشات الفضائيات المشبوهة.
 
و هذا الفريق وجد في دماء شيماء ضالته التي يبحث عنها لكي يروج من جديد لفكرة أن من يحكمون مصر هم مجموعة من القتلة الذين تلطخت اياديهم بدماء الأبرياء في ميدان رابعة و صاروا الآن يقتلون الناس في الطرقات بسبب أو بدونه لحماية "سلطة الانقلاب" كما يطلقون عليها لإرضاء سادتهم، أو لنيل البركة من مموليهم، و ليشعل هذا الفريق من جديد فتيل غضب الشارع ظناً منه أن الملايين ستنضم إليه من جديد في مسيراته الكريهة التي لا تنشر شيئاً سوى الخوف و التخريب و الكراهية.
 
و لهذا الفريق أقول، أني لن أستطيع بحال من الأحوال إلقاء اللوم على أجهزة الدولة في استخدام كل ما يلزم من قوة طالما ظلت قناعتكم هي حقكم في نشر الذعر و الإرهاب و حرق الممتلكات و استخدام الأسلحة لقتل المواطنين و رجال الأمن على حد سواء، فالعنف حين يهدد كيان الوطن لا يمكن أن يتم مواجهته إلا بعنف أشد و قوة أكبر قادرة على كبح جماحكم و جماح من هم على شاكلتكم، و وقف مخططاتكم للاستيلاء على مقدرات الوطن، و لن أستطيع ان أجد نفسي إلا في خندق واحد يداً بيد مع رجال القوات المسلحة و الشرطة في مواجهتكم و مواجهة من يقف وراءكم.
 
من يعنيني هنا هو الفريق الثاني، الذي يؤمن بوطنه، و يقدر تضحيات جنوده، و لكنه في الوقت نفسه يعلم أن من يسقط هنا و هناك هم إخوته في الوطن.
 
فلهؤلاء أقول أن ما سيضمن الحفاظ على صورة أجهزة الأمن كمدافعة عن أمن الوطن و المواطنين، و ما سيضمن هيبة الدولة و نفي صفة "الانقلاب" عنها كما يروج أعداءها عنها، هو حساب من قتل إخوتكم في حب الوطن، و إن اختلفوا معكم في طريقة إظهار هذا الحب، و إجراء تحقيق محايد و نزيه يضمن حقوق المواطنين و يعلي قيمة دولة القانون و الحريات، و أن تتحمل أجهزة الدولة مسئولياتها بتحديد القاتل و ضبطه إن كان من خارجها، أو بعدم حمايته و عقابه و بيان أن القانون يطبق على الجميع إن كان من بين صفوفها.
 
نعم، لا يستطيع إلا جاحد أو ذو مصلحة أو عدو للوطن أن ينكر كل تلك التضحيات التي يقدمها رجال مصر المخلصون من القوات المسلحة و الشرطة لحماية الوطن، و لكن قناعتي أن من يشوهون تلك التضحيات ليس الإخوان و أعداء الوطن، و لكن من يبررون بتلك التضحيات انتهاك آخرين للقانون و الحقوق و الحريات.
 

حفظ الله مصر و أعان بقوته رجالها على حفظ أمنها، و تغمد شهداءها بواسع رحمته.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز