عاجل
الإثنين 10 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي
العوده

العوده

بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني

 كل ليلة يعود لشقته ... يضئ نصف الأنوار فقط ... يطالعه على الحائط ذلك التابلوه الأخير الذى شكل حدوده خشب مذهب حفر تفاصيله ابنه ... مازال يسمعه : (أردت أن تمر بصماتى بعمق حول كل شبر يحيط بصورتى معك ومع ماما) ... اندهش حين وجد خديه جافين فى المرآة تحت ضوء الفلورسنت ... لم يعد يبكى مع أن ألمه يزيد ... متناقضة شعورية ...



    وضع بعض الشطائر الملفوفة بورق الزبدة فى تجويف الميكروويف ... وعلا صوت ثلاث صفارات ... هرع للاب توب ... أطلت زوجته من خلف غلاف الشاشة الشفاف الرقيق ... مبتسمة كعادتها ...

-        حمد الله على سلامتك ...

-        اشتقت ...

-        ومن سمعك ...

-        لدى مفاجأة ...

-        صور تسلم (رائد) لكأس الجمهورية فى (الجودو) ...

    صمت قليلًا ... أشاح ببصره عن الشاشة ... أدركت أنه يشعر بالألم ... الكثير يفوته هنا ... الكثير الذى يعنى له ضياع عمره فى كل مرة لا يكون فيها موجودًا ... قالت :

-        أليس رائد بعض منك ؟! ... إذن فقد كنت موجودًا ...

-        لكنك لا تعلمين كيف تغيبين عن بعضك ؟!

-        وكيف لا أعلم وأنا أيضًا بعضك ؟!

   كانت تجهز له الصور ريثما ذهب هو ليحضر الشطائر ... كل ليلة يتناولان العشاء معًا ... تحكى له ويحكى لها ... هو ليس تعيسًا فى عمله لكنه لا يستطيع الشعور بأى سعادة ينجح بالفعل فى صناعتها ... بعضه الذى يشعر به بعيدًا جدًا ... أطل رائد من الصور ... فتيًا ومبتسمًا ... يرفع صورة والده فى إحدى الصور ويقبلها فى أخرى ... وفى ثالثة تجمعت حوله خمس فتيات مراهقات فى مثل عمره ... ضحكت وهى تقول له :

-        معجبات ... كبر رائد يا أبا رائد ...

-        أمازال يأكل البلح بالجبن ويرمى البلحات التى لا تنقسم بحواف منتظمة ... لا يسمح لى بتناولها ...

-        نحت لك تمثالًا بالأمس ... لم أتبين ملامحه أول الأمر ... أخبرنى أن الخطوط مبدئية ... يا إلهى ... لا تخبره أننى أخبرتك ... أقسمت أن لا أفسد المفاجأة ...

-        ومن قال أنك أفسدتها ... كل ما يتصل برائد هو مفاجأة جميلة لى ... شاب رائع ...

-        هذا رأى كل من يعرفه ...

-        حمل المسؤولية باكرًا ... صار أبًا وابنًا ...

-        مالى أراك اليوم حزينًا ؟! أخبرنى ولا تتركنى أراود القلق عن نفسه ويراودنى عن نفسى ...

-        اليوم صباحًا توفى محمد خميس ...

-        لا حول ولا قوة إلا بالله ... هذا الرجل النبيل الذى أرسلت لنا معه بدلة رائد منذ شهرين ... مازال شابًا ...

-        لا أحد هنا شابًا يا حبيبتى ...

-        حبيبى ... نريدك ... لما لا تعود ؟! ... هذه الأرض أرض رائد لكن رائد لن يفتح أبوابها بغير أصابعك ...

    استطاع أن يهبها ورائد ليلة سعيدة فى انتظار العودة ... رائد وأم رائد هما الثروة الحقيقة وهما من يصنعها هنا وهناك ...

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز