
المنصورة ... الحياة
بقلم : د. نهلة زيدان الحوراني
المدن الصغيرة التى تقف على قدميها سريعا حتى أثناء الهجوم هى تلك التى لا يمكن مهاجمتها ... هذا ما تعلمناه فى المنصورة أول أمس ... وجعلنى فخورة بانتمائى لهذه المدينة الرائعة ...
جميع سكان مدينتى فى الواحدة إلا عشر دقائق صباح الثلاثاء اهتزت جدران منازلهم بعنف ... البعض تحطم كل ماهو زجاجى أو خشبى ضعيف فى واجهة بنائه ... والمحظوظون انفتحت أبواب شبابيكهم وشرفاتهم بعنف فجأة ... والمحظوظون جدًا اهتزت الأرض من تحت أقدامهم ... لم يصدف أحد أن مكانًا واحدًا فى قلب المدينة هو ما تعرض للهجوم ... ثم سمع الجميع سارينات سيارات الإسعاف الكثيفة ... ثم رُفعت صور مديرية الأمن المنكوبة على مواقع التواصل الاجتماعى ...
أسكن بالقرب من المديرية ... فوجئت بسيل من الشباب يركض نحو المديرية ... وتأكدنا أن اخوتنا تحت الأنقاض ...
الأمر مفزع ... رائحة الدماء لا مسكن لها ... سمعت صراخًا من هول الموقف فى كل مكان ... لا أحد يحاول تهدئة أحد لأنه لا أحد هادئ من الأساس ... وفجأة تعالت النداءات بالحاجة للدم ... وبسرعة نداءات بالبعد عن الموقع لأن الإسعاف لا يستطيع الوصول للمديرية بسبب الزحام فى مدينة تعانى من الاختناق المرورى أصلًا ... فاقتنع المواطنون بأن يتركوا سياراتهم ويترجلوا ... شكلوا لجان لحماية المبانى المتضررة ... و من ضمنها اثنان من المبانى الأثرية : (جامع الصالح أيوب مسرح المنصورة القومى) ...
فى الصباح تزايد الغضب مع تزايد الشهداء والمصابين ... بدأت المسيرات الغاضبة تجوب المدينة ... أكثرها تأثيرًا مسيرة نسائية لأمهات المنصورة ... واشتعلت المدينة حزنًا ... كل هذا وأعمال تنظيف الركام مع التحقيق والإعداد للترميم تجرى على قدم وساق ... والمدينة تعمل بكامل طاقتها ...
فى صباح اليوم التالى كان الجميع فى طريقه للحياة ... قدم ترفض التحرك من أمام مبنى المديرية مع غصة فى القلب ... نقرأ الفاتحة فى صمت وندعو لهم بالرحمة ولأهلهم بالصب ولبلادنا بالخلاص ... سنخلص بلادنا بالعمل ... هذه مدينتى التى تركض نحو الحياة فى ثياب الموت ... وعن هذا دافع شهداء الواجب ...
الآن يجب أن أنهى المقال لسببين ... الأول أن ألحق باجتماع عمل والثانى أن لوحة مفاتيح اللاب توب صارت ندية من دمعات فرت من عينى ومن أصابعى ...
اللهم اجعلها آخر الأحزان ...