عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ثورة 30 يونيو
البنك الاهلي
ثورة الثلاثين من يونيو.. قراءة ثقافية

ثورة الثلاثين من يونيو.. قراءة ثقافية

في الثلاثين من يونيو 2013 خرج الملايين من المصريين في كل مكان في أنحاء مصر، ليعبروا تعبيراً واضحاً عن حيوية الشعب المصري العظيم وعمق ثقافته التاريخية ووعيه بذاته، وقدرته على تقرير مصيره بالاختيار الواضح الجلي للدولة المدنية الحديثة. 



مما يؤكد بوضوح نادر لا يقبل التشكيك أن الجماهير المصرية الغفيرة قد أعلنت حضورها وإرادتها في ميادين الثورة في مصر.

فالثلاثين من يونيو هي الثورة، والتعبير للرئيس عبدالفتاح السيسي التي "أعلن فيها المصريون للعالم أجمع أن هدوءهم لم يكن إلا قوة، وصبرهم لم يكن إلا صلابة، وتسامحهم لم يكن إلا حكمة متصالحة مع الزمن".

وهكذا يصبح إدراك الرصيد الثقافي والوعي الحضاري العميق للشعب المصري وإن صبر وبقى صامتاً وإن تسامح وبالغ في تسامحه، لهو الإدراك الذي يجعلنا نؤمن بحيوية المصريين وميراثهم الحضاري التاريخي.

وتبقى إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي والدولة المصرية واضحة جلية للعيان ويظل شرطها الجوهري قدرة هذا الشعب العظيم على العمل والصبر والبناء.

ولكن يبقى السؤال الضرورة الآن، ماذا يريد المصريون؟ تبقى ثورة 1952 رغم كل الملاحظات والأزمات التي لاحقتها قادرة على الاحتفاظ بكونها ثورة عظيمة، لقدرتها على منح الفقراء والغارقين في قاع الحياة فرصة للتنفس والعيش والزواج والعمل والتعلم مع مكاسب أوضح للطبقة المتوسطة المصرية يعرفها الجميع، وأبرزها القدرة على الصعود للثروة والسلطة والمكانة الاجتماعية عبر التعليم.

لا شك أن مصر لم تزل تصلح البنية التحتية وتفتح آفاقاً جديدة في الصحراء، وتضع الأساس لنهضة كبرى قادمة، إلا أن الجماهير الغفيرة التي شاركت في الثورة لم تزل وخاصة الطبقة المتوسطة المصرية تنتظر تساقط الثمار المرجوة لثورتها في الثلاثين من يونيه بين أيديها.

ينتظر الناس في مصر أملاً أكبر في حياة أفضل، في عصر يصنع فيه الرأي العام الأغلبية من المواطنين العاديين، في عصر الجماهير الغفيرة.

كان لثورة 1952 إنجاز واضح أيضاً على الصعيد الوجداني والقيمي في نشر الثقافة الجيدة على صعيد واسع، وإتاحتها للجماهير الغفيرة.

ولذلك يصبح السؤال أيضاً عن ضرورة دعم مؤسسات إنتاج ونشر وتوزيع الثقافة والفنون في مصر، وكيف يمكن إحداث نقلة نوعية في إنتاجها؟

أما السؤال الصعب فهو كيف يصبح الجمهور الكبير المطالب بحياة أكثر رفاهية، هو ذاته الجمهور المستهلك لتلك الأنواع الفنية التي تتعرض للهجوم النقدي المتكرر؟

من السهل جداً إرضاء تلك الجماهير الغفيرة الباحثة عن تحسين في مستوى المعيشة واستهلاك أكثر يسراً، ومن الصعب حقاً إعادة صياغة البنية التحتية والاتجاه نحو الصحراء والبناء والتنمية المستدامة وهذا هو الاختيار الأصعب.

وهو اختيار أدى إلى إحداث تفاوت واضح بين شعارات الثلاثين من يونيو الحالمة بطبيعتها الثورية، وبين مرحلة العمل الجاد الحقيقي.

لكن وبلا شك تحتاج الجماهير الغفيرة أن تصبح هدفاً إنسانياً يستهدف حياة أفضل، مع كل التقدير لما يجري إنجازه على أرض الواقع.

وتحتاج الطبقة المتوسطة لحمايتها من مخاطر الحياة اليومية ودعم قدرتها على حماية أفكار مصرية عظيمة عن الأخلاق والتعليم والمستقبل.

ويحتاج المصريون لفنون جديدة ولثقافة مختلفة، ولتأكيد لجوهر الهوية المصرية العظيمة والتي تجلت حاضرة في ميادين مصر في الثلاثين من يونيو 2013.

هذا وإن كان معظمنا يتفق في أن نجاح ثورة يوليو 1952 كان مدعوماً من القوى الكبرى، وكان برضاء واضح من الولايات المتحدة الأمريكية.

فإن نجاح الثلاثين من يونيو جاء بعيداً عن هذا الدعم التاريخي، جاء تحقيقاً لإرادة الشعب المصري الذي صنع أمراً واقعاً جديداً بثورته، وكان على الجميع أن يتعامل معه.

ولذلك فمصر وهي تتبنى سياسة تنمية تسعى لتحقيق الاحتياجات المصرية الحقيقية، فعليها أيضاً النظر بجدية نحو زيادة متوسط دخل الفرد، ونحو صناعة إبداع يمنح وجدانه الهدوء والسعادة.

حقاً لا أتحدث عن الإذعان للطموح الاستهلاكي الكبير للأفراد، وهي سمة عصر نعيشه، ولكن عن درجة أكبر من الرضا العام، نحتاجها للدخول إلى المستقبل.

وفي أيام أصبحت طبقية الثقافة والفنون فهما تاريخياً لا يتسق مع عصر التكنولوجيا والوسائط المتعددة والشبكة الدولية للمعلومات.

إلا أن التقسيم الحاد بين ثقافة منطقة دار الأوبرا، والمهرجانات الصاخبة، وعدد من الفنون نادرة الظهور لجمهور بعينه وبالتعاطي واسع الانتشار لأنواع درامية مسلية وضارة معا، رديئة على المستوى الجمالي، بعضها يحمل طاقة سلبية، ويقدم عنفاً رهيباً ويأساً مفرطاً لهو أمر يستعيد هذا التقسيم.

إن معظم الفقراء والبسطاء في مصر يتعاطون تلك الفنون المتاحة التي تصل إليهم، فقد استطاعت الثقافة العشوائية السهلة الطازجة الواثقة في ذاتها نشر نفوذها.

ولأنها تلبي احتياجات الغرائز المباشرة وتحقق التسلية فقد استطاعت الانتشار، خاصة أن تلك الظواهر الفنية والثقافية الغرائبية لها جذورها التاريخية، وهي ليست ابنة تلك السنوات القريبة في مصر، لقد بدأ حصارها بالتأكيد، وهو حصار يظهر يومياً كلما حضرت ملامح الجمال في شوارعنا، وكلما زادت ساعات البث للأعمال الفنية المهمة وكلما ازدادت مساحات الحركة خارج العاصمة بالعمل الثقافي في الأطراف.

لكن نحتاج بالتأكيد للمزيد وللخطط الجادة ولدعم المكانة الاجتماعية للمبدعين الكبار الجادين، وإتاحة الفرص للشباب المنتمي للثقافة الحقيقية المصرية من المتخصصين الموهوبين، وهم أعداد كبيرة.

تحتاج التنمية المستدامة وخطط البناء الكبرى الجارية في مصر الآن، لإنجازات إبداعية تليق بها لتحقق مفهوم التنمية الثقافية، والذي هو شرط جوهري للتنمية بمعناها العام.

هكذا نحلم وهكذا نتمنى لمصر وللشعب العظيم، في ذكرى الثلاثين من يونيو ثورة الحفاظ على الهوية المصرية، والتي وقف خلفها الميراث الحضاري الثقافي للملايين المصرية.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز