عاجل
الأربعاء 13 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عام الانجازات الأمن الغذائي انجازات عهد السيسي المشروعات القومية تنمية الصعيد
البنك الاهلي
مصر تغرس الذهب وتنشئ الجنان والله المُستعان

مصر تغرس الذهب وتنشئ الجنان والله المُستعان

مصر تغرس الذهب، والله يزرع ويرزق الخير، نُنشئ الجنان، والله المُستعان، "أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون"، صدق الله العظيم، الواقعة "63 و64".. سبحان من يزرع لمن يغرس.



 

مصر تغرس الذهب، القمح هو مصدر الغذاء الرئيسي، وبماذا يفيد المال، عند انقطاع سلاسل الإمدادات، في ذروة أزمة كورونا، كانت الدول التي تملك احتياطيات كبيرة وغطاء من معدن الذهب، لا تستطيع تغطية احتياجاتها من أبسط السلع الغذائية الضرورية.

 

مصر تغرس الذهب الأصفر، قمح مصر، مصر التي ذكرها الله في كتابه الكريم، خمس مرات صراحة، وأكثر من ثلاثين مرة إشارة، ذكرها الله خالق الأكوان، بلد الخير، والجنات، بلد الأمن، فيها دون غيرها من بقاع الأرض تجلى للجبل، فجعله دكا، وخر موسى صعقًا، في سيناء كان سيدنا موسى، وفي مصر نشأ سيدنا يوسف، ومنها أهديت الحنطة والغذاء في زمن القحط للقبائل العربية لإغاثتهم قبل أن تكون هناك دول.

 

مصر تستصلح وتغرس، من نخيل وأعناب، وقمح، توشكى الخير، وسيناء النماء، والدلتا الجديدة، مصر تسعى علميًا، لاستعادة قدرتها الإنتاجية الزراعية، لتعزيز الأمن القومي الغذائي، وهو البعد الأمني الأهم لبقاء الدول واستقرارها بتوفير الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، إلى جانب البُعد الدفاعي، لحماية الحدود والشعب.

 

"وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍۢ وَٰاحِدٍۢ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنۢبِتُ ٱلْأَرْضُ مِنۢ بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ ٱهْبِطُواْ مِصْرًا فإن لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ".. صدق الله العظيم.

 

وهب الله مصر تربة صالحة للغرس والإنبات، ونهرًا جاريًا إلى يوم الدين بإذنه، ووعدًا بالأمن رغم كيد الحاقدين.. "فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ". صدق الله العظيم، يوسف "99".

 

ذكر الله مصر في الكتب المقدسة الثلاثة، فجاء في الإنجيل: "إذًا ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلًا: قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر". إنجيل متى "٢-١٣"، عن رحلة السيد المسيح والسيدة مريم إلى مصر، فقد اختصها الله أن تكون ملاذ الأنبياء وأهلهم والأولياء.

 

وفي التوراة، جاء إلى مصر خليل الله أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم، لما فيها من خير، بعد أن أصاب القحط فلسطين: "وحدث جوع في الأرض فانحدر إبرام إلى مصر، ليتغرب هناك لأن الجوع كان شديدًا".. "تكوين 12:10".

 

كل الإشارات في الكتب السماوية المقدسة الثلاثة، ذكرت فيها مصر ملاذًا لطالبي الأمن والسلام، وطالبي الرزق والخير، وهي الدولة الوحيدة بمعنى الدولة ذات السلطة السياسية والحدود والنفوذ السياسي والاقتصادي، منذ فجر التاريخ، لذا فهي أم الدنيا.

 

يُنسب للأم النشأة، فالسيدة حواء أم البشر، فقد خلق الله سيدنا آدم من صلصال من طين، ثم خلق منه أمنا حواء، ومنهما جاء البشر أجمعين: "لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سلالة مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخالقين".. صدق الله العظيم، "المؤمنون 12: 15".

 

وللقرى أم، فهي الأقدم والأعرق، فيها أول بيتٍ وضع للناس، "إِنَّ أول بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ".. صدق الله العظيم "آل عمران 96".

 

بينما لا يوجد ذكر في كتاب الله لاسم دولة غير مصر، فقد جاء ذكر أقوام وقرى ومدن، مصر وحدها الدولة التي ذكرها الله باسمها الذي هي عليه إن شاء الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولهذا فهي أم الدنيا حقيقة لا مجازًا.. الدنيا التي تتكون اليوم من دول تشمل قارات، فهي أول دولة بالمعنى العلمي مكتملة الأركان، أرض ذات حدود وسلطة سياسية حاكمة، وشعب تربطه إرادة العيش المشترك، وجيش يحمي أرضه وحدودها.

 

ذاك الشعب المصري، الذي امتدحه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأن منه خير أجناد الأرض، ومن سيداته اتخذ السيدة ماريا القبطية زوجة فأنجبت للرسول ابنه إبراهيم، الذي توفاه الله طفلًا.

 

سيدنا محمد سمى طفله إبراهيم، على اسم جده خليل الله، سيدنا إبراهيم، أبو الأنبياء، ذلك النبي الذي ندعو في صلاتنا يوميًا في التحيات أن يصلي الله ويبارك على سيدنا محمد وآله كما صلى على سيدنا إبراهيم وآله، عندما قدم مصر اتخذ منها السيدة هاجر زوجًا، فأنجبت له سيدنا إسماعيل.

 

وكرّم الله أمنا هاجر أم نبي الله إسماعيل، القادمة من أم الدنيا مصر، بالإقامة إلى جوار أول بيتٍ وضع للناس، بل وخلّد خطاها في السعي بين الصفا والمروة بحثًا عن الماء؛ ليكون السير على خطى سيدتنا هاجر من مناسك الحج والعمرة، مناسك لكل مسلمي العالم إلى يوم الدين.

 

"إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أو اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فإن اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ".. صدق الله العظيم "البقرة 158".

 

مصر بلد ذكره الله في قرآنه، فينقل السيوطي قول الكندي: "لا يُعلم بلدٌ من أقطار الأرض أثنى الله عليه، في القرآن الكريم بمثل هذا الثناء ولا هذا الوصف ولا شهد له بالكرم غير مصر".

 

فلكل مصري أن يفخر بأن منّ الله عليه أن وُلد في هذا الوطن الكريم، الذي اختصه الله بذكره وحفظه وأمنه وبركته.

 

مصر التي وهبها الله عظمة المكان، بجغرافيتها التي لخصها العالم الجليل الراحل جمال حمدان في كتابه الأبرز "شخصية مصر- دراسة في عبقرية المكان"، قائلًا: "ببساطة.. إن مصر أقدم وأعرق دولة في الجغرافيا السياسية للعالم، غير قابلة للقسمة على اثنين أو أكثر، مهما كانت قوة الضغط والحرارة، مصر هي قدس أقداس السياسة العالمية والجغرافيا السياسية".

 

"غير قابلة للقسمة على اثنين مهما كانت قوة الضغط والحرارة"، عبارة صالحة لكل زمان، تلك الضغوط التي تُمارس بمؤامرات تُحاك من أجهزة دول معادية، وحرارة معارك سياسية وأزمات اقتصادية.

 

عبرت مصر تحديات 2011، وهزات 2013، واستعادت هويتها من قبضة جماعة فاشية، سعت لاختطاف الدولة والسير بها في طريق التقسيم، تجاوزت مصر لهيب الأزمات الاقتصادية الناجمة عن جائحة كورونا وما تبعها من تضخم تصاعدت حدته مع الحرب الروسية- الأوكرانية، بفضل الله الذي وهب مصر قيادة سياسية مخلصة واعية بالتحديات، والقدرة على تنفيذ استراتيجيات مواجهة استباقية.

 

بالأمس شهدنا جميعًا، إحدى ثمار استراتيجيات المواجهة الجذرية للتحديات، الاقتصادية، ببدء حصاد موسم القمح في مئات آلاف الأفدنة المستصلحة في توشكى، ذلك المشروع القومي، الذي رسّخ مضللون في الأذهان أن مآله الفشل، ليترك سنوات مهملًا حتى جاء الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفريقه، لإحيائه وجني ثماره.

 

قمح مصر الذي كان يغيث العرب في مصر القديمة، بفضل الله الذي رزق مصر سيدنا يوسف، بفضل الله الذي بعث برؤية إلى ملك مصر في منامه، تكشف له في منامه مُستقبل مصر في 14 عامًا قادمة: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ".. صدق الله العظيم "يوسف آية 43".

 

أنعم الله على ملك مصر بهذه الرؤية، التي تحذر من سنوات القحط، وتحمل في طيها استراتيجية المواجهة، ليختص الله نبيه يوسف- عليه السلام- بتأويل تلك الرؤية واستراتيجية مواجهة السنوات العجاف: "قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ، ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ".. صدق الله العظيم "يوسف آيات 47:49".

 

ولما سمع ملك مصر تفسير سيدنا يوسف قال ائتوني به، وتتوالى الأحداث لنصل إلى وصف نبي الله يوسف لمصر في الآية 55 بوصف رائع: "قالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"، مصر خزائن الأرضِ، وهنا إشارات النجاح في مواجهة الأزمات والتحديات، الملك طلب من لديه علم للاستعانة به، وصاحب القدرة والعلم لم يتورع في طلب المنصب بما لديه من صدق وأخلاق وعلم، "حفيظٌ عليمٌ".

 

والإشارة الأكثر دلالة هي ما قاله السحرة: "قالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ"، وما قاله الحفيظ العليم، وما اتخذه من إجراءات عملية علمية ببناء الصوامع واستصلاح الأرض وتكثيف الزراعة، لإنتاج ما يكفي سنوات الجفاف.

 

وهنا إشارة ربانية لأهمية العلم والتدبر، بل أول إشارة إلى ما تعرفه الدول الحديثة اليوم بـ"المخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية"، تحسبًا لأي أزمات طارئة.

 

ونلاحظ مع حدوث أزمة جائحة كورونا وانقطاع سلاسل إمدادات القمح وغيره، نتيجة أزمة الحرب في أوكرانيا، خرجت الحكومة المصرية لتؤكد أن المخزون الاستراتيجي المصري من القمح يكفي خمسة أشهر، فضلًا على قرب موسم حصاد القمح المصري الذي يؤّمن احتياجاتنا لأربعة أشهر إضافية.

 

الدولة المصرية في جمهوريتها الجديدة، تعمل بأساليب علمية، تتوسع في الزراعة أفقيًا ورأسيًا، من خلال استنباط سلالات جديدة من النباتات، ذات طاقة إنتاجية أعلى، وتطوير أنظمة الري لتوفير كميات مياه تستخدم في زراعة آلاف الأفدنة الإضافية، مع استصلاح مليون ونصف المليون فدان في توشكى والدلتا الجديدة وسيناء، لمضاعفة إنتاج السلع الرئيسية بما يقلص الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك سعيًا لبلوغ درجة الاكتفاء الذاتي.

 

هذه السياسات تحقق الأمن الغذائي، وتقلص الاعتماد على الخارج، بما يقابله من أمن في مواجهة أي أزمات طارئة، بل درجات أعلى في إتاحة المتطلبات الغذائية وثبات الأسعار في مواجهة موجات تضخم عالمية.

 

ستعود مصر خزائن غذاء الأرض، بإذن الله، وجنات من نخيل وأعناب، ففي الوادي الجديد وتوشكى وكل بقاع مصر، نهضة تنموية وبنية أساسية وزراعية، وجنات النخيل.. وقد أسعدني ذلك المشهد الذي رأيت فيه الرئيس السيسي يتفقد مزارع النخيل في توشكى، يسأل عن عدد الفسائل التي تنتجها النخلة الواحدة، وعرض الشاب الذي يرعى النخيل الرقم الكودي لكل نخلة وبياناتها، أسلوب علمي ينبئ بالخير القادم بإذن الله، ما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

ستنتشر في مصر الجنان، فالجنة في الأرض كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وفي الآخرة هي دار النعيم المقيم، "وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَٰابٍۢ وَحَفَفْنَٰاهُمَا بِنَخْلٍۢ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا".. صدق الله العظيم "الكهف 32".

 

ألم أقل لكم إن مصر تغرس الذهب، فالقمح الذهب الأصفر، وأثمن من الذهب فهو قوت الشعوب، وتنشئ الجنان، بما تستصلح وتغرس من نخيل وأعناب وبينهما مختلف النباتات.

 

هذه مصر.. فاستبشروا خيرًا نحن على الطريق الصحيح بفضل الله وعونه وكرمه.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز