عاجل
الأربعاء 15 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
مسرح الطليعة المصري فى سن الستين.. نضج أم إحالة للتقاعد؟

مسرح الطليعة المصري فى سن الستين.. نضج أم إحالة للتقاعد؟

تملكتنى مشاعر إيجابية حقيقية، تحدثني عن إمكانية عودة دفء علاقات العائلة المسرحية المصرية.



 

وهي تلك الحساسية المهنية المشتركة التي تصنع انتظاما يسمح بتبادل الخبرات والتواصل بين البشر والأجيال، وهو السر التاريخى الذي وقف خلف سحر المسرح المصري فى أيام ازدهاره وتألقه.

 

إنه ذلك التجمع المسرحي الأنيق الذي حضر استجابة لدعـوة المخرج المتفرد المحب للمهنة وللزملاء عادل حسان، مدير مسرح الطليعـة المصـرى، لحضور حفل تدشين برنامج 60 سنة طليعة (1962 – 2022)، برعاية وحضور أ. د. إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافـة المصرية.

 

هذا وقد فكر الطليعة تفكيراً مختلفاً عن العديد من فرق البيت الفنى للمسرح، إذ يحاول استعادة الدور والجوهر، من خلال خطة لإعادة تقديم عدد من عروضه القديمة الناجحة، وبعضها علامات فى تاريخ المسرح المصري الحديث.

 

استعادة ربما تعود بنا للمفاهيم وللتفكير المؤدى لعمل تراكمى نوعى، افتقدناه فى تنوع وظائف فرق مسرح المؤسسة الثقافية الرسمية وتكاملها.

 

ولا شك أن إنشاء مسرح الجيب، وهو الاسم الأول لمسرح الطليعة فى فبراير 1962، وهو المسرح الذي جاء تخطيطه على يد المفكر والمخرج والمترجم والباحث والأستاذ المعلم سعد أردش، الراحل الإنسان، الجاد جداً فى علاقته بفن المسرح، والمدرك لأهميته فى صناعة وجدان الشعوب والتعبير عن آلامها وآمالها، وترتيب وصناعة سلم قيمها الأخلاقى والجمالى.

 

كان أردش قد خطط له ليكون استعراضا تاريخياً لفكر المسرحى العالمى.

 

وكانت أوضح تجاربه آنذاك تجربة مسرح العبث، بعد أن تم افتتاحه بعمل الكاتب أنطوان تشيكوف.

 

وظل مسرح الطليعة المختبر الجاد، وبيتا للتجارب المسرحية التجريبية التجديدية طوال الستينيات، وكانت تلك المرحلة واضحة جداً فى إخلاصها للضمير المهنى الفنى المسرحى، وإن عانت من عثرات التفاعل مع جمهور غير مدرب على تلك الصياغات العالمية الحديثة آنذاك، إلا أن الطليعة كان له جمهوره النخبوى، ودوره الواضح وحضوره العربى وتأثيره فى المحيط العام.

 

ثم حدث مع نهاية فترة الستينيات انقطاع فى المحاولات التجريبية، ولعقد من الزمان، هو عقد السبعينات، ازدهر المسرح التجاري المصري.

 

وظل الطليعة يقاوم، واستعاد وهجة بالفارس المسرحى المبدع سمير العصفورى، الذي قدم كتيبة من المبدعين الجادين.

 

وهو الدور الذي نتمنى استعادته فى التنسيق بين الأدوار المختلفة لفرق قطاع الإنتاج الثقافى المصري، الذي يستطيع بقيادة المخرج الكبير الصديق خالد جلال،استعادة هذه الأدوار التي تحقق التكامل عبر الاختلاف.

 

واستعادة الحساسية المشتركة لأعضاء الفرق المسرحية، واستعادة الدعاية المحترفة، لأن الدعاية والإعلان عن عرض مسرحى جيد، أفضل بكثير من الصمت عن عرض هام وجيد جداً.

 

ذلك أن الدعاية هى شرط الاحتراف لمسرح الدولة الذي يفتح شباك التذاكر، أما الهواة والعروض المجانية فلا يمكن سحب طريقتها فى الدعاية لعروضها عبر وسائل التواصل الاجتماعى على الإنتاج المحترف، الذي يجب أن يدر دخلاً مادياً مناسباً بجانب عوائده الثقافية.

 

تلك كانت أفكارى ومشاعرى فى ذلك التجمع الفنى المسرحى الجميل، الذي احتفى فى بداية فعالياته بعرض فى الهواء الطلق لأزياء مسرحية لمصممة الأزياء المهندسة نعيمة عجمى رحمها الله، والتي كانت صانعة للابتكار وللجودة فى عروضها المسرحية المتعددة. وقد استطاع صناع الاحتفال صنع فاصل من الموسيقى المعاصرة بطريقة فصلت المحيط السمعى للمكان عن الضوضاء خارجه.

 

مما يؤكد إمكانية عودة منطقة الأزبكية لجمالها القديم، بنقل السلوك الحضارى من المراكز الثقافية الهامة داخلها إلى محيطها الذي يحتاج للنظر الجاد لإعادة تنظيمه وتجميله، فهو المركز الثقافى القديم للقاهرة الخديوية.

 

ثم بدأ الجزء الثاني من الحفل البهيج بعرض من إنتاج ورشة الحكى، هو متعة حقيقية معبرة عن بساطة الفن المسرحى وعفويته، والذي يجعله عميقا وإنسانيا ومؤثرا.

 

العرض أسمه "خلطة شبرا"، وهو عبارة عن حكى مسرحى مأخوذ عن كتاب الشاعر الجميل يسرى حسان الصادر بذات العنوان، وهو أحد أهم شعراء العامية المصرية الآن، وهو شخص مبهج مصري من طراز خاص لا تكاد وأنت تراه بالمرح الصاخب مع أصدقاء على مقهى عابر، أن تصدق مركزه الفصحى الهام كنائب رئيس تحرير جريدة المساء المصرية.

 

يسرى حسان انجذب من عالم الشعر بسبب خبرته الصحفية ليترأس تحرير أول جريدة أسبوعية مسرحية هى جريدة مسرحنا، وقد كانت تجربة هامة ومتميزة فى الصحافة المسرحية المتخصصة.

 

يملك يسرى حسان ذلك الاهتمام الفطرى بملاحظة البشر الصادرة عن محبة تظهر فى حكيه العادى عن بشر من الهامش.

 

يستطيع أن يأخذهم إلى صدارة النشر العام، هو يحكى عن بشر من حارة شعبية فى شبرا، بساطة العيش وتشاركيته، يحكى عن وعى البسطاء بالعالم، ومقدرتهم العميقة على التسامح، يحكى عن شبرا القديمة ودور العرض السينمائى الشهيرة التاريخية، التي هى دور عرض شعبية تقدم ثلاثة أفلام فى "بروجرام واحد" والتي شكلت الواقع الموازى الخيالى، بل الملجأ للهروب من مشكلات الواقع لأجيال عديدة، يحكى عن النسيج المصري المتضافر للمسلمين والمسيحيين في شبرا، يحكى عن أخلاق أولاد البلد، وعن شبرا التي لم تعرف أبدا إساءة معاملة الضعفاء، أو الفقراء، والتي عاش الناس فيها تعبيراً عن تسامح وعطف وعشق للحياة، عاشوا لأحلام صغيرة لكنها مليئة بحب الحياة.

 

وقد قدم المخرج المسرحي محمد سليم عرضه المستند على الحكى المسرحى بيسر وأناقة تعتمد على خصوصية الحكى، فى طريقة تجمع بين الحكى وتجسيد بعضاً من المشاهد والشخوص المبهجة.

 

وكان إبداع الملحن الكبير الراحل أحمد الحجار لأغنيات وموسيقى العرض التي قدمها مجموعة الشبان الموهوبين، ومنهم الفنان ماهر محمود الذي يجمع بين مهارات التمثيل والغناء والعزف على الآلات الموسيقية.

 

إنه بهاء الموهوبين الجدد، مصممة المناظر البسيطة ذات التفاصيل الجمالية، والملابس الدرامية المناسبة لشخصيات حى شبرا العريق المهندسة مى كمال، والممثلين علاء النقيب، أحمد عبد الجواد، محمد هانى، محمود عبد الرازق.

 

أما سماعى لصوت أحمد الحجار الدافئ الطيب جدا، فأخذنى إلى أيام باكرة كانت تجمع الأحباء، وفى القلب منهم أحمد الحجار المبدع الذي يشبه أولياء الله الصالحين.

 

والذي يحمل روح الأنقياء، وسماحة المبدعين الكبار، صاحب البصمة الخاصة فى ألحان الأغنية المصرية المعاصرة، وصاحب الصوت الطيـب، والذي كان قد أنجز هذا العمل الرائع قبل رحيله المفاجـئ.

 

وقد أهدى صناع العمل لروحه التحية، وتم تكريم أسمه من وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم وتسلم أولاده هذا التكريم.

 

لاشك أن البهجة والمحبة التي أحاطت بتلك الليلة قد خطط لها بكل دقة المخرج عادل حسان مدير مسرح الطليعة.

 

كانت ليلة مبهجة هى مزيج مصري مسرحى مختلف، مبشر حقا بأن عودة اللقاء الدافئ للأسرة المسرحية المصرية أمرا ممكنا، إذا خلصت النوايا، وقد كانت خالصة فى تلك الليلة المبهجة.

 

أما ما يبقى فى الشأن المسرحى المصري العام هو انتظارنا لعودة مسرح الطليعة لجوهر دوره الهام، وهو الاتصال بأحدث المنجزات المسرحية العالمية المعاصرة.

 

وأيضا نبقى فى انتظار عودة الاحتراف المسرحى وهوية الفرق المسرحية المتعددة التي تختلف من أجل أن تتكامل، وهو التفكير المسرحى المصري التاريخى الذي يجب استعادته للحاضر والمستقبل معًا.

 

نتمنى تلك الليلة المبهجة تعبيراً عن النضج وليس الاستمرار فى خلط عمل الهواة والمحترفين، لأن ذلك الخلط كفيل بإحالة المسرح المصري لسيولة تأخذه إلى سن التقاعد.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز