أسعار الغاز الطبيعي ترتفع وأوروبا تبحث عن بدائل للطاقة
في الآونة الأخيرة أصبح أمن الطاقة محور الاهتمام، فمع ارتفاع سعر النفط لأعلى مستوي له منذ عام 2008 شهد سوق الغاز الطبيعي أيضًا ارتفاعات قياسية، وذلك مع تصاعد عدم اليقين الجيوسياسي في العالم والذي كان له تأثير عميق على سوق المواد الخام العالمية، مما قد يؤدي إلى إعادة هيكلة السلسلة الصناعية.
مع التصعيد العسكري المفاجئ للوضع في أوكرانيا من قبل روسيا، شهد سوق الطاقة الدولي تقلبًا حادًا خلال الفترة الماضية، تعتمد أوروبا اعتمادًا كبيرًا على روسيا في مجال الطاقة وقد عانت بالفعل من نقص الطاقة وارتفاع الأسعار قبل أزمة أوكرانيا، ومن الحرب الروسية الأوكرانية ستواجه أوروبا اختبارًا أكبر، ولن يقتصر الأمر فقط على أوروبا بل قد يمتد إلى العديد من دول العالم، بسبب التداعيات الاقتصادية للحرب على أسواق الطاقة، يشعر الناس من جميع مناحي الحياة بالقلق من أن روسيا ستنتهز الفرصة لخنق أسواق الطاقة الأوروبية، لكن في الواقع هذه الخطوة ستضر بجميع الأطراف.
يعتقد عدد من المحللين أنه في حالة انقطاع إمدادات الطاقة الروسية إلى الاتحاد الأوروبي فلن يتمكن الاتحاد الأوروبي من إيجاد خيارات بديلة على المدى القصير وسيواجه أزمة طاقة خطيرة، ولكن بالطبع ستفقد روسيا أيضًا مصدرًا مهمًا من مصادر الإيرادات الدولية في نفس الوقت.
أوروبا تعتمد على إمدادات الطاقة الروسية
بصفتها المصدر الرئيسي للنفط والغاز في العالم فلا يمكن الاستهانة بدور روسيا الرئيسي في إمدادات الطاقة العالمية، وتعتمد أوروبا اعتمادًا كبيرًا على صادرات الطاقة الروسية، في هيكل الطاقة الأولية لدول الاتحاد الأوروبي يمثل النفط والغاز الطبيعي حوالي 60% ويعتمدان بشكل أساسي على الواردات من روسيا التي تعتبر أكبر مورد للغاز الطبيعي والنفط الخام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث يستورد الاتحاد الأوروبي حوالي 40 % من الغاز الطبيعي وحوالي 30 % من النفط الخام من روسيا.
تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 90% من الغاز الطبيعي الذي تستورده فنلندا ولاتفيا والبوسنة والهرسك ومولدوفا ودول أخرى يأتي من روسيا، وما يقرب من 80% تستورده بلغاريا من روسيا، وأكثر من 40% تستورده ألمانيا وإيطاليا وبولندا، وما يقرب من 25% من واردات فرنسا من الغاز الطبيعي يأتي من روسيا. النفط هو الوقود الأكثر استخدامًا في استهلاك الطاقة النهائي في الاتحاد الأوروبي، تمثل المنتجات البترولية مثل زيت التدفئة والبنزين والديزل 41% من الاستهلاك النهائي للطاقة في الاتحاد الأوروبي، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة ذهب ما يقرب من نصف صادرات النفط الروسية في عام 2020 إلى الدول الأوروبية.
"ضيق التنفس" في أوروبا يزيد الأمر سوءًا
نظرًا للنمو السريع في الطلب على الطاقة الناجم عن الانتعاش الاقتصادي والانخفاض في توصيلات الغاز الطبيعي المسال، فإن مخزونات الغاز الطبيعي الأوروبية هي حاليًا عند أدنى مستوى لها منذ 10 سنوات، يتعرض الأوروبيون لضغوط من جراء ارتفاع أسعار الطاقة، ويعاني الاقتصاد الأوروبي من ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار تداول السلع بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة، لا شك أن الصراع الروسي الأوكراني سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الطاقة بل إنه يهدد النمو الاقتصادي للدول الأوروبية.
ونقلًا عن البيانات ذات صلة، أبلغت أنه اعتبارًا من 12 يناير من هذا العام كانت مخزونات الغاز الطبيعي الأوروبية أقل من نصف سعة جميع مرافق التخزين، وذكرت وسائل إعلام ألمانية أن مخزونات الغاز الألمانية كانت عند "مستوى الندرة".
بعد تصعيد الموقف في أوكرانيا أعلنت الحكومة الألمانية تعليق العملية ذات الصلة بمشروع "نورد ستريم -2" الذي كان من الممكن أن يزيد من إمدادات الغاز الطبيعي الروسي، في يوم 26 فبراير أعلنت الولايات المتحدة وأوروبا أنه سيتم استبعاد بعض البنوك الروسية من نظام الدفع المالي العالمي بين البنوك (SWIFT) والذي لا يفضي أيضًا إلى آفاق تجارة الطاقة بين روسيا وأوروبا، ويعتقد خبراء أنه إذا انقطعت إمدادات الغاز والنفط الروسية عن أوروبا تمامًا فلن تتمكن أوروبا من ايجاد بدائل.
منذ النصف الثاني من عام 2021 استمرت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا في الارتفاع، ومع زيادة التقلبات في أعقاب تصعيد الوضع في أوكرانيا ارتفعت أسعار الغاز بالجملة في المملكة المتحدة وهولندا بنسبة 30% إلى 40% على المدى القصير، ويتوقع الخبراء أن تظل أسعار النفط والغاز مرتفعة هذا العام حيث تؤدي المخاطر الجيوسياسية إلى تفاقم نقص الإمدادات العالمية.
يقول المحللون أن هناك مكاسب كبيرة في الاستثمار في قطاع الطاقة، خاصة مع ارتفاع الإنفاق الأوروبي على الطاقة إلى مستوى قياسي بلغ 1.2 تريليون دولار في عام 2022 وهو أعلى مستوى منذ عام 2008 وأعلى بكثير من 300 مليار دولار في عام 2021.
العلاقات الوثيقة في مجال الطاقة تجعل روسيا وأوروبا يتضرران
في السنوات الأخيرة، واصلت أوروبا تعزيز تحول الطاقة وأعلنت أكثر من اثنتي عشرة دولة عن خطط لسحب الفحم، ومع ذلك، يعتقد الخبراء عمومًا أنه من غير المرجح أن تجد أوروبا إمدادات بديلة على المدى القصير، في حالة فقدان إمدادات الطاقة المستقرة ستتأثر الحياة الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير، في الوقت نفسه، ستعاني روسيا التي تعتمد بشكل كبير على صادرات النفط والغاز من خسائر اقتصادية كبيرة إذا خسرت السوق الأوروبية.
أصدر قادة الدول الأعضاء في مجموعة الدول السبع بيانًا قالوا إنهم سيولون اهتمامًا وثيقًا بديناميكيات سوق النفط والغاز الدولي وسيدعمون الاتصالات المستمرة والبناءة بين موردي الطاقة الدوليين والمستهلكين الرئيسيين من أجل ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية والاستجابة للمخاطر المحتملة.
يقول أحد الخبراء البارزين في قطاع الطاقة "إذا أدى الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى انقطاع إمدادات الطاقة، فلا توجد دولة لديها القدرة على استبدال روسيا بما يكفي من الغاز الطبيعي لإمداد أوروبا، وأضاف أنه إذا كان هناك انقطاع مطول للإمدادات، فلن تتمكن أوروبا من إعادة بناء مخزونات الغاز الطبيعي هذا الصيف، وستواجه وضعًا كارثيًا حيث يقترب تخزين الغاز من الصفر في الشتاء، وسوف ترتفع أسعار الغاز الطبيعي بشكل كبير، مما يؤثر بشدة على الإنتاج الصناعي ويزيد التضخم وقد تؤدي أزمة الطاقة الأوروبية إلى حدوث ركود عالمي".
بالنسبة لروسيا فإن خنق موارد الطاقة في أوروبا هو ورقة مضادة، حيث إذا قطعت روسيا إمدادات الطاقة تمامًا فسوف تأتي بنتائج عكسية أيضًا على نفسها، على الرغم من أن روسيا شجعت على تنويع صادرات النفط والغاز في السنوات الأخيرة ووسعت صادراتها إلى آسيا ومناطق أخرى، لا يزال الاتحاد الأوروبي هو السوق الرئيسي لصادرات روسيا من النفط والغاز ومصدر دخلها الرئيسي.
إن الغالبية العظمى من عائدات تصدير الطاقة الروسية لا تزال تأتي من أوروبا، فكلما طالت فترة الأزمة الحالية ستضعف قدرة روسيا على الاستفادة من مواردها من النفط والغاز.
ونظرًا للاعتماد المتبادل بين روسيا وأوروبا في تجارة النفط والغاز، فإن انخفاض إمدادات الطاقة الروسية سيكلف كلا الجانبين ثمناً باهظاً، إذا كانت العقوبات الغربية تستهدف بشكل مباشر صادرات الطاقة الروسية فستؤدي إلى جولة جديدة من الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة العالمية، مما يجعل الطريق إلى تعافي الاقتصاد العالمي لا يزال في ظل الوباء.
تسجيلي