الثلاثاء 23 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

آثار المرابطين في غرب إفريقيا

ا.د إبراهيم مرجونة
ا.د إبراهيم مرجونة

ترك المرابطون أثارا عميقة في ثقافة وحضارة غرب أفر يقيا، ومن أعظم الآثار التي كانت في عهدهم تأسيس مدينة تمبكتو في أواخر القرن الخامس من الهجرة، وأصبحت أعظم الحواضر الإسلامية في غرب إفريقيا. 

سارت مملكة غانا  مع بدايات في القرن الرابع حتى القرن الحادي عشر الهجري مملكة إسلامية ذات حضارة مزدهرة وقد امتد نفوذ هذه الدولة إلي شمال النيجر الأعلى وشماله الغربي حدودها الشرقية نهر النيجر والغربية نهر السنغال والشمالية الصحراء وقد سماها القزازي الذي زارها عام 200 هـ أرض الذهب ولم تدون أخبارها إلا في القرن الثاني الهجري عندما زارها الرحالة وهب ابن منبه عام 137هـ .

وقد زارها المسعودي عام 312 هـ ثم الزهري والبري الذي شهد أواخر أيامهم عام  هـ476 عندما قام المرابطون إخضاعها تحت زعامتهم ذكر جميع الرحالة أن غانا عرفت الحديد وصناعة الأسلحة.

 كما عرفت الذهب الذي يتاجرون به مع أهل الشمال ويبادلونه بالملح والسلع الأخرى وفي موضع أخر يقول المسعودي، كانت دولة قويه اعتمدت علي التجارة المنظمة فأن أهل  غانا لم يتعلموا التجارة فقط بل مارسوا فنونها ووضعوا قواعد للضرائب والرسوم الجمركية فمثلا كانت الحكومة تفرض دينارا من ذهب علي كل حمل حمار من الملح يدخل المدينة وكل ذلك يعكس لنا حالة الثراء ونعمة الأمن والطمأنينة التي كان ينعم المسلمون بها في إفريقيا كما يعكس لنا التقدم الحضاري الذي كانت عليه حياتهم . 

ولما انتهت إمبراطورية غانا الإسلامية قامت على أثارها مملكة مالي من القرن الثالث عشر إلي القرن الخامس عشر الميلادي قامت عام 640هـ أي قبل انهيار الخلافة العباسية بقليل، وقد اتسعت حدودها اتساعا كبيرا نحو الشرق  حتى النيجر الأوسط، كما اتسعت نحو الغرب فشملت أراضي السنغال الحالية عدا الأجزاء الممتدة في الصحراء أشهر ملوكها منسي  موسي الذي سافر لحج بيت الله الحرام ومعه قافلة من أتباعه وحاشيته وجواريه قدروا بالمئات مارا بالقاهرة عام 724هـ 1324 م،  حيث استقبلها سلطانها الملك الناصر محمد بن قلاوون وانزله القلعة وأكرم قادته وقد سجل العمري هذه الزيارة وأخبارها.

وكتب حسن بن الوازن يصف الحياة العقلية في تمبكتو أنها احتضنت عددا كبيرا من القضاة والأطباء ورجال الدين ينعم كلهم بمرتبات حسنة يدفعها لهم الملك، وفي البلاد إقبال عظيم علي الكتب المنسوخة التي ترد من الشمال الإفريقي وتجار الكتب يريحون أكثر متن تجار أي صنعة أخري في السوق.

 كما زار هذه المملكة الرحالة ابن  بطوطة ووصف الرخاء والإماء والتجارة والصناعة وجميع مظاهر الحياة . 

ثم  قامت على أنقاض مملكة مالي مملكة صنغي الإسلامية من القرن الخامس عشر إلي القرن السابع عشر الميلادي، ويرجع قيامها إلى النصف  الأول من القرن السادس الهجري، وقد قامت علي نهر النيجر الأوسط واتخذ زعماؤها مدينة جو في مالي حاليا عاصمة لهم وأول زعمائها ضياء بن قس 409 تقريبا،  وقد اهتم شعبها بالأدب والعلوم والتدوين بعد أن اعتنقوا الإسلام وتعلموا اللغة العربية وبعد إسلامهم امتدت حدودها لتشمل دولتي غانا ومالي، واتسعت نحو الشرق إلى حدود  النيجر، ومن ملوكها سني علي 864 ، واسكي العظيم واسمه محمد توري 893 الذي مد مملكته في الغرب والشمال ونظم إدارتها تنظيما لم يسبقه أحد من قبله، ووجد كلمتها في ظل  الدين الإسلامي الذي قضي علي العصبيات، وبدأ حكم هذه المملكة يتدهور مع الهجمة البرتغالية.

وكانت مملكة كانم قامت في أقصى الشرق حول بحيرة تشاد وامتد سلطانها إلي أراضي غانا ومالي في الغرب قال عنها أحد الغربيين كانت في القرون الوسطي أستاذة الحضارة السودانية، وكانت تدين بالإسلام وتكتب بالحروف العربية.

 كانت تسيطر علي أهم الطرق التجارية التي يربط المنطقة بساحل البحر المتوسط عند قزان وبوادي الني عن طريق دارفور. ولقد لعبت التجارة دورا مهما في نشر الإسلام والثقافة العربية في غرب إفريقيا فكانت أخلاق التجار المسلمين وما عرف عنهم من الأمانة والنظافة وحسن الخلق، سببا في دخول الكثير من الأفارقة في الإسلام. 

وكان بعض التجار يجمع بين التجارة والعلم فكانوا ينشؤون حلقات تعليم القرآن  ومن القبائل التي لعبت دورا هاما في التجارة عبر الصحراء قبائل صنهاجة ولمتونة و جدالة فكان لهم دور هام في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، وأنشأوا مراكز تجارية مثل أودغشت التي صارت مصدر إشعاع ديني وثقافي . 

وكانت لفريضة الحج دورا مهما في نشر الإسلام حيث حرص سلاطين الدول الإسلامية في غرب إفريقيا على أداء هذه الفريضة، وكانت قبائل الهوسا من أحرص القائل على أداء فريضة الحج . 

وارتبط انتشار الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا بالذات بانتشار الطرق الصوفية والأخص الطريقة القادرية والتيجانية.  ولقد توافد على غرب إفريقيا العديد من العلماء ورجال الدين من مختلف الأقطار الاسلامية للتدريس في مدارس ومساجد تمبكتو وجنى ومالي وغيرها من حواضر غرب إفريقيا، إحساسا منهم بواجبهم تجاه إخوانهم في هذه البلاد، وأسهم هؤلاء في نشر الثقافة العربية والإسلامية. 

وارتبط انتشار الإسلام في غرب إفريقيا بالحركات الإصلاحية التي قامت بغرض تخليص الدين مما علق به من شوائب، واستطاع هؤلاء الزعماء أن يجمعوا حولهم عدد من الأتباع والمريدين لما رأوا فيهم من التقوى والصلاح، ومن هذه الحركات حركة الشيخ عثمان بن فودى الذي استطاع أن يقود قبائل الفولاني ويؤسس سلطنة سوكوتو، التي لعبت دور هاماً في نشر الإسلام في غرب إفريقيا. 

وقام دوره على الوعظ والإرشاد وتأليف الكتب الإسلامية، وكذلك على الجهاد من إمارة جوبير،  وأقام  دولة إسلامية حملت لقب الخلافة الإسلامية في سوكوتو، وظل أبناؤه يحكمون هذه الدولة الواسعة طوال قرن من الزمان، وكان لأحفاده شرف النضال والكفاح ضد الأوربيين  وشهداء العقيدة الإسلامية في أوائل القرن العشرين  . 

وكان نتيجة الجهود السابقة للمرابطين القبائل العربية والمصلحين والدعاة والتجار المسلمين أن انتشر الإسلام في غرب إفريقيا،  وأصبحت دولا ذات أغلبية مسلمة في غرب إفريقيا مثل نيجيريا وجامبيا، وكان الإسلام راسخا فيهم وفي سيراليون وغانا،  فعندما واجهت هذه الدول التحدي التنصيري  البريطاني بعد الحرب العالمية الأولى لم ترضخ لهذا التحدي، بل عرفت أغراضه ووقفت له بالمرصاد، وإن كانت البعثات التنصيرية عملت في المناطق الوثنية.  

تم نسخ الرابط