"الصياد" قارئ من جيل العمالقة.. «ملك الفجر» و«صوت من السماء»
تحتفل أسرة القارئ الإذاعي الكبير - الشيخ شعبان عبدالعزيز الصياد - يوم السبت المقبل بالذكرى الرابعة والعشرين على رحيله، كما تحتفل إذاعة القرآن الكريم، في ذلك اليوم بعرض تلاوات نادرة.
ورفض الشيخ العمل أستاذا فى الجامعة وأصبح صوته يغرد فى سماء القرآن، وحفظ القرآن الكريم في السابعة من عمره ونشأ في بيت يعشق كلام الله.

لم تشهد دولة التلاوة القرآنية قارئا امتلك ناصية القوة والأداء والتميز والثقافة الصوتية والمقامية القرآنية وجمال الصوت مثل هذا القارئ والذي يعتبر أول مدرسة - تميزت فى أدائها بهذا اللون الخاص والتي عُرفت باسم المدرسة «الصيادية» عُرف عنه بأنه يمتلك حنجرة ماسية .
نشأ الشيخ الصياد في بيت قرآني فالأب هو الشيخ عبدالعزيز إسماعيل الصياد الذي كان يتمتع بجمال فى الخلق إضافة إلى جمال عذوبة صوته - الذي كان يعرفه الجميع فى القرى والمجاورات، فقد كان صوته ملائكيا عذبا رنانا رائعًا نقيًا.
ولد الشيخ شعبان عبدالعزيز الصياد فى 20 سبتمبر 1940م .
وكان الشيخ مجاملا لمحبيه فى المناسبات يذهب إليهم لتلاوة القرآن الكريم وكان متميزا عن أقرانه القراء بأنه كان عالما بالأزهر الشريف - حيث حصل على العالمية فى 31 يوليو عام 1966م.
وعرفته الإذاعة المصرية منذ العام الميلادي 1975م بعد أن عشق طريقته الملايين واستطاع أن يجتاز امتحان الإذاعة ليدخل على البرنامج العام مباشرة دون المرور على البرامج القصيرة كما جرت العادة.
واستطاع أن يصنع لنفسه مكانة بين أكبر القراء وذلك بفضل صوته العذب ونفسه الطويل ومهارته فى التنوع بين مقامات الصوت والنغمات العامة، فأصبح اسم الشيخ شعبان الصياد عالقا فى قلوب وآذان مستمعيه ومحبيه.
وأُطلق عليه بعض الألقاب مثل ملك الفجر وقارىء العالم الإسلامي، ونجم الأمسيات، إلى غير ذلك من الألقاب، سخر حياته كلها لتلاوة القرآن الكريم، لدرجة أنه ضحى بمستقبله فى جامعة الأزهر الذي رشحته جامعة الأزهر.
ولكى يقوم بالتدريس بها كمعيد، ثم مدرس، ثم دكتور وآثر أن يبقى وسط محبيه ومستمعيه من أهل القرآن.. لأنه وجد حياته ومستقبله وسط القرآن وأهله وكما أن فضيلته حصل على أعلى النياشين والأوسمة المحلية والدولية والعالمية.. وفى العام الميلادى 1998م يرحل القارىء العبقرى والعالم الأزهرى والذي طالما ومازال يسمع الملايين آيات القرآن الكريم.
وفاضت روحه الطاهرة يوم 29 يناير عام 1998م، الأول من شهر شوال مع تكبيرات أول يوم من عيد الفطر المبارك رحم الله القارىء الكبير الشيخ شعبان الصياد لما قدم من تلاوات خدمت العالم أجمع.. ومازال صوته معنا - نسمعه من الحين للآخر..
الصياد والمنشاوي
ارتبط فارسا القرآن الكريم - الشيخان الصياد، ومحمود صديق المنشاوى - علاقة قوية وهما أصحاب مدرستان مختلفان ولهما جمهورهما وتلاميذ كثيرة على مستوى الجمهورية.
وأتذكر أثناء سفرهما إلى دولة إيران عام 1991م - وكان الاختيار من دولة إيران، ولما علما الشيخان أنهما فى صحبة قد سعدا كثيرا.. وكانت المناسبة إحياء ذكرى الإمام الخومينى وكان هناك صور على اليوتيوب توضح مدى استقبال المسؤولين من كبار رجال الدولة لأعظم قراء العصر العشرين.. فقد قرأ الاثنان ولهما تلاوات متعددة فى أماكن كثيرة فى إيران.. وأنا شخصيا لا أفارق تلاوة المنشاوى يوميا من سورة غافر - والصياد فى سورة الإسراء - فمن أراد أن يؤكد كلامى هذا يكتب اسم أحدهما عام 1991 فى إيران.
امتحان الإذاعة
ذات يوم حضر الشيخ مصطفى إلى الجامع الأزهر وحوله العديد من محبيه، فإذا به يراه ينام واضعا حذاءه ملفوفا بكيس تحت رأسه، فالتفت إليهم، وقال لهم:إن هذا الشاب النائم صوته ملائكى وسيصبح له شأن عظيم فى دنيا التلاوة.
كان الشيخ متوفقا فى دراسته الجامعية، وحصل على الليسانس بدرجة جيد جدا عام 1966، وجاء ترتيبه من بين الخمسة الأوائل على الكلية، ووصله خطاب ترشيح من جامعة الأزهر ليتسلم عمله معيدا بالكلية إلا أنه رفض نظرا لاهتمامه بالقرآن.
عمل الشيخ الصياد مدرسا بالمعهد الدينى بمدينة سمنود بمحافظة الغربية، وكان ينتقل إليها يوميا من مقر إقامته بمدينة منوف - محافظة المنوفية، ثم نقل إلى معهد الباجور الديني، ثم إلى معهد منوف الثانوي، ثم إلى مديرية الأوقاف بشبين الكوم، حيث رقى إلى موجه فى علوم القرآن، لأنه كان يقوم بتدريس القرآن والتفسير والأحاديث النبوية الشريفة، ثم رقى إلى موجه أول حتى وصل إلى درجة وكيل وزارة بوزارة الأوقاف.
بعد أن اتسعت شهرة الشيخ شعبان الصياد بجميع أنحاء الجمهورية، تقدم للامتحان بالإذاعة والتليفزيون المصري عام 1975، واجتاز الامتحان بنجاح باهر، وتم اعتماده قارئا للقرآن الكريم بالبرنامج العام مباشرة دون المرور على إذاعات البرامج القصيرة.
غواص في بحر النغم
صال وجال بتلاواته فى جميع أنحاء مصر من أقصاها إلى أدناها. وذلك فى المناسبات المختلفة وبصورة شبه يومية، وكان محبوه يحرصون على سماع صوته فى كل الظروف.
حينما توفى والد القارىء الشيخ محمود على البنا، طلب منه الحضور للمشاركة فى ليلة العزاء بقرية شبراباص، ليفاجأ فور وصوله بوجود العديد من أعلام التلاوة بالعزاء، منهم المشايخ مصطفى اسماعيل وعبدالباسط عبدالصمد، وعبدالعزيز على فرج، ومحمد الطبلاوى وغيرهم.
قام الشيخ البنا باستئذان الجميع فى أن يصعد الشيخ الصياد التخت ليقرأ فوفقا جميعا، وقرأ من سورة الإسراء وسط إعجاب وتشجيع من القراء والمعزين الذين تجاوبوا مع أدائه المبهر والمعجز فى نفس الوقت.
بدأت أعراض المرض تظهر على الشيخ الصياد عام 1994 بعدما أصيب بمرض الفشل الكلوي، وعلى الرغم من ذلك فقد استمر فى تلاواته حتى أقعده المرض تماما، ثم لبى نداء ربه صبيحة أول أيام عيد الفطر فى 29 يناير .1998.
سافر إلى كثير من الدول العربية والإسلامية والأجنبية فسافر إلى الأردن وسوريا والعراق وأندونيسيا ولندن وباريس وأمريكا.
ونال التقدير الكبير من الجاليات الإسلامية والعربية بهذه الدول له آذان مسجل بالإذاعة ويعتبر صاحب الصوت الذي يصدح لإعلام الصلاة، رحل عن دنيانا عام 1998 ولم يناهز الثامنة والخمسين عامًا.




