
فن الدبلوماسية.. وإتيكيت اختيار الهدايا
الهدية هي لغة هي من لغات الحب المتعددة، معبرة معطرة بطيب الاشتياق والاحترام، وهي عالم واسع يعكس فن وحضارة وثقافة الشعوب، بالإضافة إلى أنه يعكس كاريزما الشخص وثقافته وبيئته، وانتقاؤها بدقة يعكس مدى ونسبة الحب والاهتمام بالآخر.
وتتبارى المدارس الدبلوماسية في وضع أسس حديثة وراقية لفن إتيكيت اختيار وتقديم الهدايا، بحيث لا يمكن تقديم الحلوى إلى مريض بمستشفى، يتشافى من مرض السكر أو عملية قلب مفتوح.
وهناك نوعان من الهدايا، الأول وهي النوع الرسمي والتي تمثل محبة واحتراما وتقديرا للضيف، وغالبًا ما تكون من تراث الدولة، والثانية شخصية وتنبع من تعاطف وتواصل من طرف إلى آخر، وتتفرع إلى عدة أنواع.
على سبيل المثال نقرأ أن الحضارة الصينية قديمًا وحديثًا، هي من أكثر حضارات شُعوب الأرض اهتمامًا بتقديم الهدايا بأشكال مختلفة، تعكس معاني كثيرة، وتضرب في عمق ثقافة شعب من أعرق شعوب الأرض، وغالبًا ما تكون الهدية يدوية مصنوعة بحرفية وحنكة يشهد لها العالم، مثل الفخاريات الصينية المعروفة عالميًا باسم "شينوا " Shinea، وهي من أغلى وأحلى ما يمكن تقديمه على شكل هدية، منحوتة ومرسومة يدويًا، وتأخذ أشكالًا مختلفة مثل المجوهرات والتحف والجداريات والسجاد، والحرير بصفة خاصة، ويغلف الصينيون هداياهم بأوراق الموز بعد معالجتها بطرق مختلفة.
وكذلك اليابانيون، تعكس هداياهم رقي الحضارة القديمة والحديثة، وأبرزها اللؤلؤ والحرير الطبيعي والمنمنمات، جميعها يغلف بأوراق يدخل في صناعتها الحرير وخيوط الفضة، ويعتقدون أن الهدية هي تعبير عن كل مكنونات النفس، حتى السلبية منها، كالغضب الذي له هدايا خاصة ترمز له، مثل صورة عاكسة لشكل بركان في حالة فوران وثورة، وهدايا أخرى تعكس الحب والتواصل كجداريات صغيرة تعكس بحيرات من الفضة بريشة أشهر التشكيليين في اليابان، والزهور هدايا يابانية تعرف (بالأكينبا).
أما تاريخ الهدايا، فإنه يبدأ من الفراعنة، حيث ابتكرت فكرة لف الهدية بالورق وتزيينها، ويتطرق القرآن الكريم إلى ذلك، حيث يخبرنا بأن الملكة بلقيس قد قدمت للنبي سليمان- عليه السلام- هدية في قوله تعالى: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون". الآية 35 النمل، وبذلك فإن بلقيس تطبق مبدأ التفاوض بفن الدبلوماسية، وتجنب بلدها وشعبها ويلات الحروب والتدمير، كجزء تعبيري عن المحبة والتواصل الإنساني.
وفي العصر الإسلامي فإن الهدية سُنة نبوية، ومبعث سعادة وفرح، وتشرح القلوب، وقد حرص النبي- صلى الله عليه وسلم- على تشريع كل ما مِن شأنه أن يؤلف القلوب، حيث قال: (تَهَادُوا تَحَابُّوا) رواه البخاري.
وتركز المدارس المتخصصة على فن إتيكيت طريقة اختيار الهدايا وتقديمها وكيفية طرحها، كونها تدلل على فن وثقافة الشخص، علمًا بأن الهدايا أصبحت تعكس تطور المجتمعات المختلفة، وجزءًا من منظومة التعامل الإنساني على كل المستويات.
أما في شرقنا الجميل وعالمنا العربي، فإن الاعتقاد السائد هو أنه لا بد أن تكون الهدية غالية الثمن، كبيرة الحجم، وربما يعكس ذلك عادات وتقاليد الكرم الطائي الذي ما زال يحكم العديد من سلوكياتنا، ويعكس ثقافة التفاني التي تحكم العديد من المجتمعات العريقة، ربما يكون الهادي للهدية قد صرف مبالغ كبيرة حتى يُظهر تقديره للآخرين، على عكس ما نجده في الغرب فباقة ورد بسيطة في عيد ميلاد، أو تخرج في جامعة مع ابتسامة نابعة من القلب وبشاشة الوجه أفضل بكثير من هدية يملؤها النفاق الاجتماعي.
وتعتبر الهدايا الشخصية إحدى المشاكل التي تؤرق الكثير من الناس، حيث ستنتابك الحيرة والتردد في اتخاذ القرار قبل شرائها، من حيث نوعها وقيمتها، وهَل اختيارها سيفي بالغرض، ويذهب بعض الناس إلى تقديم مبلغ بدلًا من شراء شيء معين، وهذا ما يحصل في حفلات الزواج للعوائل المتوسطة والفقيرة، لأن المبلغ سوف يسد ويغلق أحد أبواب الإنفاق لديهم، وفي وقتنا الحاضر تسأل العوائل عن احتياج الزوجين الجدد، ليتعاون الجميع في شراء هدايا تساعدهم في حياتهم اليومية، مثل الأجهزة الكهربائية، وهي أعلى مراحل وقيم التكافل الاجتماعي، بدلًا من التوجه لأخذ قروض لشراء تلك الأجهزة، وبالتالي تكون أكثر فائدة.
وهناك عدة أنواع من الهدايا لكل مناسبة، فهناك مناسبات مثل: التخرج/ المولود الجديد/ العمل/ شراء البيت/ شراء السيارة/ عيد الميلاد/ دعوات العشاء والغداء وحفل الشاي/ الترقية/ التعافي من العميلة الجراحية/ الخطوبة، وغيرها.
وأغلب الهدايا الجميلة التي تظهر الفرحة والسعادة وتكون معبرة، هي باقات الورد ذات اللون الأبيض، مع قليل من الورد أو الزهور باللون الأحمر، لتعبر عن الفرح والسعادة، خاصة في حفلات التخرج والاحتفال بالمولود.
ولا ننسى أن نرسل رسالة شكر لكل من أرسل لنا هدية، مهما كان نوعها ليشاركنا فرحتنا، وللتعبير عن امتناننا له.
دبلوماسي سابق
كلية عُمان للإدارة والتكنولوجيا