صورة الملفات المكدسة في غرف قلم المحضرين بأروقة المحاضر أو الأرشيف أو إدارة الحفظ، من الصور الذهنية الثابتة لدى المتعاملين مع المحاكم، سواء المتقاضين أو المحامين، وكونت بديهيات راسخة لديهم عن صورة المحكمة والتقاضي.
وكل مواطن لديه قضية يستعد بكم كبير من المستندات والوثائق، فتراهم يحملون حقائب كبيرة تسع جميع ملفات القضايا، الأمر الذي يستلزم أن يكون لدى كل قاضٍ متسع كبير من الوقت لفحص تلك الدعاوى والبت فيها، وهو ما يُعجز دوائر التقاضي، ويبطئ إجراءاتها.
وكم سمعنا عن قصص ضاعت حقوق أصحابها بسبب التباطؤ في حسم القضايا، وأصبحت مقولة "يرفعها الأجداد ويحصد نتائجها الأحفاد" تتردد بين دهاليز المحاكم بكل أنواعها، ويعرفها- عن ظهر قلب- القضاة والمحامون، وكذلك المتقاضون ولم ينته الحديث عن العدالة الناجزة والمطالبة بتحقيقها على أرض الواقع. من هنا أصبح التحول الرقمي، أولوية وطنية فرضتها المتغيرات التكنولوجية الحديثة، واستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة في رفع الدعاوى وإعلانها عبر هذه الوسائل كانت سبيل الدولة المصرية لإقرار العدالة الناجزة، وتطوير منظومة العدالة، وإقرار الآليات والأدوات اللازمة لتحقيقها، وكانت البداية بإطلاق منصة التقاضي الإلكتروني أمام المحاكم الاقتصادية، تنفيذًا لرؤية مصر 2030 نحو تطبيق التحول الرقمي في مؤسسات الدولة، لتحقيق التنمية والرخاء، وضمان دقة العمل والأداء.
وتمثلت أولى النتائج في البدء بإجراءات التقاضي أمام المحاكم الاقتصادية، والتيسير على المتعاملين وتخفيف عبء الحضور إلى مقرات المحاكم، بالإضافة إلى توفير الوقت والجهد لأطراف عملية التقاضي، والحد من التداول الورقي، فضلًا على التسهيل على الشركات والمتقاضيين من أصحاب الشركات خارج الجمهورية، وهو ما يأتي تكريسًا للتوجه الاستراتيجي للدولة للحاق بركب التطور، من خلال تبنّي التكنولوجيات الرقمية في تقديم الخدمات.
وزارة العدل سعت من جانبها إلى تطوير منظومة التقاضي وتيسير إجراءاته بالتعاون مع وزارات الاتصالات والتخطيط والمالية، والشركات المتخصصة في هذا المجال.
وأصبح مشروع الرقمنة نواة لتعميم إجراءات التقاضي عن بُعد لمواكبةً مجريات العصر، ورغبةً في تحقيق العدالة الناجزة، بما تتضمنه من رفع الدعاوي إلكترونيا، بل واستئناف الحكم الابتدائي الصادر فيها، وإكمال المنظومة باتخاذ إجراءات تنفيذ الأحكام النهائية إلكترونيا، وغيرها من المشروعات التي سيتم تفعيل إجراءاتها عبر شبكة الإنترنت.
نائب رئيس تحرير جـريدة الجمهورية



