عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ثورة 30 يونيو المشروعات القومية
البنك الاهلي
بحر البقر.. بين قمة الفداء وإعجاز البناء كلمة السر سيناء 

30 يونيو.. ثورة بناء الجمهورية الجديدة 12

بحر البقر.. بين قمة الفداء وإعجاز البناء كلمة السر سيناء 

بحر البقر، ليس اسمًا لقرية عادية، فقد ارتبط في الذاكرة الوطنية بحدثين نحتا في سجلات التاريخ، لآلاف الأجيال القادمة، الأول: قمة التضحية والفداء، والثاني: إعجاز التنمية والبناء، وفي كليهما كلمة السر سيناء.



في صبيحة الثامن من إبريل، عام ١٩٧٠، استيقظ المصريون والعالم على جريمة حرب، مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني بحق الإنسانية، طائرات الفانتوم تقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية بمركز الحسينية محافظة الشرقية، مخلفة استشهاد 30 طفلًا، تناثرت أشلاؤهم، واختلطت دماؤهم و50 مصابًا آخرين بصفحات كراريس دروسهم.

انتفضت الإرادة الوطنية، لمواجهة المحتل الجاثم على صدر سيناء المحتلة، سارعت القيادة السياسية والقوات المسلحة المصرية، من تحركات وإجراءات بناء حائط الصواريخ، لبتر كل يد صهيونية تسعى لاستباحة العمق المصري، متأثرة بالضربات المصرية الموجعة في حرب استنزاف بطولية، بدأت بمعركة رأس العش 1967، وتعالت وتيرتها، بإغراق المدمرة إيلات 21 أكتوبر 1967، عيد القوات البحرية.

 

30 يونيو بين سقوط الفانتوم بحائط الصواريخ وسقوط الجماعة الإرهابية بحائط الإرادة الوطنية 

   

لم يحرك العالم ساكنًا سياسيًا، رغم الإدانات الشعبية، فالإرادة المصرية دائمًا هي القادرة على تغيير الموقف، بالتلاحم الشعبي الكامل مع قواته المسلحة، استكمل الجيشان الميدانيان تجهيز مسرح العمليات بتعزيز النطاقات الدفاعية والهجومية، ومرابض النيران، وخنادق بطول ألف كيلو متر، تكفي نصف مليون مقاتل، وصولًا إلى اكتمال بناء حائط الصواريخ، ليبدأ أسبوع تساقط الفانتوم  من 30 يونيو حتى 7 يوليو 1970، ثأرت  قوات الدفاع الجوي المصرية لشهداء بحر البقر وكل الشهداء ضحايا أهداف الغارات الصهيونية على العمق المصري.

 

فكان عيد قوات الدفاع الجوي، 30 يونيو من كل عام، ذلك اليوم الذي سطر فيه رجال جيش مصر 1970، واحدة من أشرف معارك الدفاع عن الأرض والعرض، وكسر غطرسة المحتل، ذلك اليوم شهد أول إسقاط لأربع طائرات هجومية إسرائيلية، اثنتان فانتوم، ومثلهما سكاي هوك، تمثل أحدث أجيال المقاتلات الحربية، وأسر ثلاثة طيارين إسرائيليين، فكان الردع والقصاص وحماية العمق المصري، ليصل إجمالي ما تم إسقاطه في أسبوع 24 طائرة إسرائيلية فانتوم وسكاي هوك، وصولًا لحرب تحرير سيناء، أكتوبر المجيدة 1973.

 

في الذكرى الـ48 لملحمة التحرير، تُبهر مصر العالم، قيادة وشعبًا وجيشًا، بقوة إرادتها وعُمق حضارتها، وتلاحمها في التحديات والمحن، فتلك القيادة والشعب والجيش، الذين صمموا في اليوم التالي لنكسة 1967، على القتال من أجل التحرير، هي ذاتها القيادة والشعب والجيش، الذين صمموا على القتال في السنوات الأخيرة للحفاظ على الهوية وبنيان الدولة، من أجل التطهير والتعمير.

 

وكلمة السر سيناء، في بحر البقر التضحية والفداء 1970، وبحر البقر البناء والتنمية والتعمير 2021، ويا لها من تصاريف الأقدار ودلالات التواريخ، 30 يونيو 1970، التي صد فيها جيش مصر أعتى هجمات المحتل، حاميًا العمق المصري، كاسرًا أنف المحتل المتسلح بأحدث تكنولوجيا العدوان، يمده بها داعموه الأمريكان، هو ذلك التاريخ 30 يونيو الذي صد فيه شعب مصر 2013، أخطر هجمة استهدفت بنيان الدولة والهوية المصرية، فتحطمت على قلاع الإرادة المصرية الجماعة الإرهابية عملاء المستعمرين الجدد والمتآمرين، كما تحطمت على حائط الصواريخ الفانتوم وسكاي هوك الأذرع الطولى حينها للمحتلين.

 

في أغسطس 2011، زرت سيناء محققًا، وجدت دموع سنوات على وجنتيها، تنتظر  تحقيق جزء ضئيل من وعود التعمير بعد سنوات طويلة على التحرير، الأنفاق كانت تخترق جسد الوطن، والسكك الحديدية اقتلعت قضبانها، ولم يبق من محطة بئر العبد إلا أثر بعد عين، الجنائيون خرجوا من مخابئهم، والإرهابيون بدأت تشتم رائحتهم، ترعة السلام بلا قطرة مياه، وبحيرة البردويل تشكو الإهمال، كنوز مفقودة ومهملة، هناك في سيناء شاهدت روعة المكان وأوجاع الإنسان، وعدت لأسطر بعقلي وروحي سلسلة من التحقيقات نُشرت في جريدة "روزاليوسف" بعنوان: "سيناء.. ثلاثون عامًا من التحرير في انتظار التعمير"، بدأت حسابات الزمن من تحرير آخر شبر في سيناء طابا 1981.

 

معجزة البناء والتعمير 

 

الاثنين الماضي، كان افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسي، لمحطة بحر البقر لمعالجة مياه الصرف، معجزة تنموية، قدرة البناء والتعمير، تلك التي حُفرت في التاريخ المصري، خالقة ذكرى جديدة مُضيئة عن بحر البقر، ستظل حية لمئات الأجيال القادمة، شاهدة على قدرة الدولة المصرية، والإرادة السياسية، على خلق مورد تنمية حقيقية في سيناء.

 

سيناء التي وجدت من يحنو عليها، ويمسح دموعها من وجنتيها، يُعمر أرضها، يزرعها بالبشر ليُثمر الشجر، يخوض معركة تعمير، تتوازى مع التطهير من فلول الإرهاب، يفي  بحق الدماء الطاهرة التي سالت لحماية الأرض من الإرهابيين وكسر أنوف محركيهم  وداعميهم، حق للأرواح الطاهرة أن ترفرف وهي ترى أن دماء أصحابها لم تذهب هباءً فالوطن في ازدهار، وفي القلب منه سيناء المعطرة برحيق الشهداء.

 

معجزة بكل المقاييس، لا تكمن في بناء المحطة الأكبر والأحدث عالميًا لمعالجة مياه الصرف، بأعلى معايير الجودة العالمية للاستخدام الزراعي، ما جعل موسوعة جينس تنبهر لحصول مصر على ثلاث شهادات بأرقام قياسية في مشروع واحد، بل المعجزة تكمن في قدرة العقل المصري الاستراتيجي، تحقيق حزمة أهداف قومية: أمنية، وتنموية، وبيئة، وإدارة للثروة المائية تضاعف من القدرة، حماية للأمن القومي، والأمن المائي، والغذائي والاجتماعي، مواجهة الإرهاب، والعدائيات بالأسلحة التنموية.

 

فهذه المحطة المقامة على مساحة 155 فدانًا بتحالف شركات مدنية مصرية، تحت إشراف وتخطيط الإدارة الهندسية بالقوات المسلحة، إعجاز هندسي، وقدرة فائقة على استغلال أمثل للموارد المصرية، وهنا أشير لزوايا لم يتطرق لبعضها الإعلام- حتى الآن- أرى من المهم عرضها ليدرك القارئ الكريم مدى الحرص على تعظيم مواردنا.

 

1- كانت هناك مناطق أخرى مقترح إقامة محطة المعالجة عليها، لتبعد عن منطقة قناة السويس خشية وجود ملوثات بيئية، لكن تلك المناطق أراضٍ زراعية، إقامة المشروع عليها يهدر 155 فدانًا صالحة للزراعة، ويناقض توجهات الدولة الداعية للحفاظ على الرقعة الزراعية وتعظيمها، فاختير ذلك الموقع غير المنزرع، مع ضمانات تكنولوجية لتحقيق كامل الاشتراطات البيئية.

 

2- أهم التحديات البيئية، تكمن في التعامل مع الحمأة، وهي المخلفات الناتجة عن معالجة وتنقية مياه الصرف.

 

كان الخيار الأول للتعامل مع مخلفات معالجة المياه، ذلك الخيار الأكثر شيوعًا بمحطات مثيلة بطاقة أقل بعدد من دول العالم، تخصيص مساحات شاسعة من الأرض تُخزن بها لتجف في العراء، فتتولد عن الرطوبة والسمك، فطريات وملوثات وغازات ناتجة عن التحلل، فتلوث البيئة وتبعث الروائح الكريهة وتمنو الحشرات، وتهدر من الأرض مساحات في التخزين، وهو الخيار المرفوض من الإدارة الهندسية المشرفة على المشروع.

 

في محطة بحر البقر، تحقق إنجاز علمي بعقول وسواعد الإدارة الهندسية للقوات المسلحة، حوّلت تحدي معالجة الحمأة إلى فرصة استثمارية، وحماية بيئية بطاقة نظيفة متجددة، ولك أن تتخيل أن عمليات المعالجة تنتج في الثانية الواحدة 360 جرامًا، بما يعادل 31 طنًا في اليوم الواحد. 

فما هو الأثر البيئي السلبي إذا ما جففت في الهواء الطلق، وكم فدان يتطلبه ذلك، كحل تقليدي، بيد أن العقل والقدرة في محطة بحر البقر، أسفر عن استخدم أحدث تكنولوجيا، بإنشاء أكبر محطة تخفيف مغطاة بألواح الطاقة الشمسية على مساحة 160 ألف متر مربع، بالممرات تصل إلى 200 ألف متر مربع.

 

والأهم من ذلك استخدام تلك الحمأة بعد المعالجة والتجفيف، في تقوية جودة الأراضي الزراعية في سيناء، وتقليل فاقد مياه الري، وذلك باستخدامها لزيادة سمك التربة الرملية، بما يضعف سرعة مسام التربة الرملية على امتصاص المياه، فتطول مدة الرطوبة تحت جذور النباتات والأشجار، وهي قمة الحرفية في تحويل التحدي إلى منحة، الحمأة تحوّلت إلى مواد تقلل من سرعة تشرب التربة للمياه، وبالتبعية تقليص نسب الفقد من مياه الري.

 

3- القوة الإنتاجية لهذه المحطة، ضعف ما دونها من أكبر محاطات معالجة مياه الصرف في العالم، متقدمة بذلك محطة معالجة أمريكية طاقتها الإنتاجية 2.5 مليون متر مكعب يوميًا، بينما تمتلك مصر أكبر محطة معالجة عالميًا، بطاقة 5.6 مليون متر مكعب يوميًا، برقم قياسي عالمي يصعب كسره لاحتوائها على أحدث تكنولوجيا وصل إليها العالم.

 

4- استخدام مصر للأوزون في محطة المعالجة، قمة التكنولوجيا الآمنة، لتنقية المياه، بدرجة خلو من الجراثيم الناقلة للأمراض، تصل لمستويات نظافة ونقاء مياه النيل.

فتطهير المياه من البكتريا، والملوثات يقوم على عدة بدائل: الأول التسخين، وهو ما يتطلب طاقة كبيرة وكلفة اقتصادية بالغة، الثانية: المواد الكيماوية القاتلة للبكتريا والجراثيم، بما لها من آثار جانبية، بينما التكنولوجيا الأحدث والأكثر أمنًا وجدوى اقتصادية، هي حقن المياه بعد إضعاف البكتريا، بالأوزون.

 

فسرعة قتل الأوزون للبكتيريا تفوق سرعة الكلور وغيره من مواد التطهير الكيميائي بحوالي 3250 ضعفًا، ويستحيل مع الأكسدة الناتجة عن حقن المياه المعالجة بالأوزون بقاء أي جراثيم على قيد الحياة، بل وتنعدم قدرة الجراثيم على التمحور والتكيف في مياه مؤكسدة بالأوزون، وهو ما يُنتج مياهًا يصل نقاؤها وسلامتها إلى معدلات نقاء مياه النيل.

 

ولعل ذلك عزيزي القارئ يُشعرك بالفخر، فمصر الآن تمتلك أكبر محطة في العالم لإنتاج الأوزون بطاقة إنتاجية 5 ملايين متر مكعب في العام، تلك الطاقة الإنتاجية لمحطة واحدة مصرية، توازي الطاقة الإنتاجية لـ6 محطات أمريكية مجتمعة، لذلك حصلت محطة إنتاج الأوزون المصرية على رقم قياسي لأكبر طاقة إنتاجية لمحطة إنتاج الأوزون في موسوعة جنيس للأرقام القياسية.

 

حققت مصر معجزة، رفع قدرة الدولة على إدارة موردها المائي، لتحوّل فاقد مخلفات الصرف والري- التي تتجمع من صرف 5 محافظات بمصرف بحر البقر، بداية من جنوب القاهرة، مرورًا بالقليوبية والشرقية والإسماعيلية والدقهلية، ليصب في بحيرة المنزلة، محدثًا تلوثًا بيئيًا وهدرًا في طاقتها الإنتاجية السمكية- إلى قيمة مضافة لثروة مصر المائية.

 

تلك القيمة المضافة لثروة مصر المائية تقدر بـ2 مليار متر مكعب سنويًا، وهي قيمة كبيرة إذا ما علمت أن حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب، يُضاف لها 9 مليارات من الأمطار والمياه الجوفية والتحلية.

 

قيمة الـ2 مليار متر مكعب مياه المعالجة المضافة لثروة مصر المائية، كفيلة وحدها بتنمية نصف مليون فدان في سيناء، تُضاف للقدرة الإنتاجية الزراعية في مصر.

 

نصف مليون فدان زراعي جديد، في سيناء يُضاف للرقعة الزراعية المصرية، إنجاز عملاق، فتلك المساحة تمثل 5.1% إضافة لإجمالي المساحة المنزرعة في مصر التي تقدر بـ9.7 مليون فدان.

 

يُضاف لذلك 186 مليون متر مكعب من إنشاء 16 محطة تحلية لمياه البحر، يعني أن مصر 30 يونيو، تحافظ على الموارد، وتعظم القدرة بأساليب علمية تراعي الاحتياجات الحالية، والمستقبلية، مع تعظيم القدرة المائية بهندسة الري الحديث، والصوب التي تضاعف الإنتاجية، وتبطين الترع لتقليل نسب ومعدلات التسرب، والفقد.

 

وما يزيد هذا الإعجاز أهمية، أثر ودور المشروع التنموي في شبه جزيرة سيناء، بوابة مصر الشرقية التي رويت على مدار تاريخها بدماء شهداء مصر، الشهداء الأبطال قادة وجنودًا، تلك التنمية تخلق خطوطًا دفاعية، وفرص عمل لآلاف الشباب، تدمج ملايين من أبناء الوادي، مع أبناء سيناء، تزيد من لُحمة المجتمع.

 

تنمية شاملة متوازنة، لكل مكونات القوة، تعظم من القدرة الشاملة المصرية، عاشت مصر عظيمة أبية، بقيادة عبقرية وطنية، ومؤسسة عسكرية حامية شريكة في التنمية، وشعب واعٍ مدرك لتاريخه بخبراته، وحاضره بتحدياته، ومستقبله بآفاقه وتوقعاته.

 

وللحديث، إن شاء الله، بقية  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز