رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم الوساطة والمحسوبية والإفساد في الأرض
السيد علي
ألقى الدكتور محمد حسين المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، محاضرة تحت عنوان: "الفساد الإداري.. صوره وأسبابه وطرق علاجه"، اليوم الأربعاء، في مقر قاعة الاجتماعات الجديدة بإدارة الجامعة بمدينة نصر.
واستهل رئيس الجامعة محاضرته بالتأكيد على أن الله خلقنا وأمرنا بالإصلاح في الأرض فقال تعالى: ﴿وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾، وأشار إلى أنه -عز وجل- قضى بعدم صلاح أعمال المفسدين، وبيَّن بغضه للفساد وأهله، فقال: ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، وقال أيضًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ﴾، مضيفًا أن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- جاء بدعوة الإصلاح، وأعلن الحرب على الفساد الإداري والمالي؛ ففي الحديث: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ".
وأكد رئيس جامعة الأزهر أن الفساد الإداري من أشد أنواع الفساد، مشيرًا إلى انتشاره للأسف خاصة في الوظائف، سواء أكانت وظائف حكومية أم وظائف في مؤسسات خاصة؛ لافتًا إلى أن الفساد الإداري هو استغلال السلطة العامة لتحقيق مصالح شخصية دون وجه حق، ومن أسبابه: السلبية، وانهيار القيم الأخلاقية، واستخدام الوظيفة لتحقيق المصالح الشخصية، كذلك الروتين، وسوء التخطيط.
وأوضح أن من صور الفساد الإداري: الوساطة، والمحسوبية، والرشوة، من باب المقولة التي يتم تفسيرها بالهوى: "النبي قَبِل الهدية"، لكن الهدية المصحوبة بمنفعة شخصية لا تسمى هدية وإنما تسمى رشوة.
مؤكدًا أن المحسوبية والوساطة محرمة في الإسلام، فالبشر كلهم سواء في عرف الإسلام أصلهم واحد، خُلقوا جميعًا من أصل واحد، ولا تفاضل بينهم إلا بالتقوى والعمل الصالح؛ فليتق الطبيب الله في مرضاه، وليتق المحامي الله في من يقصده لرد حق أو دفع مظلمة، وليتق الموظف الله في قضاء حاجة الناس، وليتق المهندس الله في عملائه، مشددًا على أن الواسطة والمحسوبية من أشر الأبواب التي تؤثر بالسلب على المجتمع والفرد.
لافتًا إلى أن من صور الفساد استخدام الأجهزة والمعامل في مصالح شخصية، وتكهين الأجهزة والأثاث وهي ما زالت صالحة، كذلك الطبيب الذي يبيع مرضاه لشركات الأدوية ومعامل الأشعة والتحاليل حين يطلب عملها دون حاجة لها؛ لكي ينتفع بنسبته من تلك المستشفيات والمعامل وشركات الأدوية، والتواطؤ بين المحامي والخصم، وغير ذلك من الصور الكثير التي لا يمكن حصرها.
كما أكد أن الفساد الإداري يؤثر على المصالح كلها، ويسبب ضعف موارد الدولة، حيث تصاب العقول بالفساد والعطب، وتجمد مواهب المفكرين والمبدعين، وتضيع جهود العاملين المخلصين، كما تساءل: كيف ننتظر خيرًا من مجتمع مِقياس الكفاءة فيه لمن يتزلف لرؤسائه بالهدايا؟! وأيُّ إنتاج وإنجازات ترجى ممن لا تسير عنده المصالح والأعمال إلا بعد تقديم الهدايا والرشى؟! مستشهدا بحديث يروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلا على صدقات بنى سليم يدعى ابن اللُّتْبِيَّة، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلَّا جلستَ في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كُنْتَ صادقًا؟!.
ثم أوضح في نهاية محاضرته أن علاج هذه الظاهرة يبدأ من الذات؛ فالضمير هو السلطة الرقابية العظمى، وأن يدرك كل فرد عظم المسؤولية والأمانة ويتحرى الحلال، كذلك إصلاح الإدارات ومراقبتها، ويساعد في وأد هذا المرض أيضًا عقد الدورات التدريبية للإدارة والمناصب العليا، والعدل في المكافآت والمستحقات؛ وإنصاف الموظفين وتقديم الأكفاء والجادين على من دونهم، ووضع الخطط المناسبة والمدروسة للمراقبة والمتابعة الجادة من الجهات المعنية والرقابية على وجه الخصوص.