حكاية مملكة نُوبَاديا الإفريقية أو بلاد المريس
تعرف هذه المملكة باسم "نوباتيا"، وكذلك ورد ذكرها حسب البعض: (نوباديا) Nobade، وهذا الأخير هو الأكثر ذيوعًا حيث يتحول حرف الدال (في اسم نوباديا) إلى حرف التاء (في اسم نوباتيا)، ولعل لفظ "نوباتيا" بهذا النطق هو ما حدا بالبعض أن يربط بين سكان بلاد (نوباتيا) النوبية من جانب وشعب "الأنباط" (أو النبطيين) من جانب آخر، وهم من العرب القدامى الذي سكنوا بلاد الشام، وتنسب لهم اللغة العربية القديمة التي تشتهر بـ"النبطية"، وهم فيما يقال من ولد "نبايوت"، أو "نابت" جد شعب الأنباط العرب، وهو ابن النبي "إسماعيل" (عليه السلام) جد العرب المُستعربة.
وتشغل أراضي هذه المملكة النوبية القديمة حاليًا ما يطلق عليه المؤرخون المحدثون اسم: بلاد "النوبة السفلى" Lower Nubia، أو ما يُعرف بـ"أرض المريس"، والنسبة لها: "المريسي" وكانت عاصمتها مدينة "فَرَس".
وعلى هذا يقول أحد المؤرخين عن هذه البلاد (أي: أرض المريس): "وأرض المريس، وهي من بلاد السودان..". وهذه البلاد هي التي تنسب لها أيضًا: "الرياح المريسي". وكانت "مملكة نوباديا" تنقسم إلى قسمين رئيسيين: "دودياخونيوس" أو "بلاد العلي". والآخر: "ترياكونتا خونيوس" (بلاد الجبل). وعن بلاد المريس، يقول المقريزي (ت: 845هـ/ 1441م): "فالنوبة، هم المريس المجاورون لأرض الإسلام، وبين أول بلدهم وبين أسوان خمسة أميال...".
ومن جانب آخر ورد لقب "المريسي" في العديد من المتون التي دونت على بعض (أوراق البردي العربية) التي تم الكشف عنها في أرض مصر. ويذكر المستشرق "جروهمان"، وهو العالم المتخصص الذي اهتم بدراسة أوراق البردي العربية، وتحليل ما ورد بها من أخبـار، أن تسمية "المريسي": هي نسبة لإحدى الكور والتي اشتهرت باسم: كورة "مريسية"، وهي كورة أو بلدة صغيرة تقع في بلاد الصعيد جنوبي الأراضي المصرية.
وقد ورد اسم أرض "المريس" في العديد من المناطق والأقاليم المصرية الأخرى سواء في شمال مصر (مصر السفلى)، أم في الأقاليم الجنوبية (مصر العليا)، ولعل منهـا: بلدة باسم (مريس)، إلى الجنوب من مدينة أشمون وهي تقع بمحافظة المنيا حاليًا، أي في بلاد الصعيد الأوسط. كما توجد مناطق أخرى تحمل ذات الاسم، وعن ذلـك يقول جروهمان: "وقد ذكر البعض أنه كان في مدينة الفسطاط التي شادها الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه مكان يُسمى: مريس، أو المريس، على أنه يحتمل ألا تكون لهذه النسبة صلة به..".
وعن بلاد المريس، وموقعها، وارتباط هذه البلاد بنوع من الرياح يهب منهـا، يقول المؤرخ البغدادي (429ه/ 1037م): "أن الجنوب إذا هبت عندهم الشتاء والربيع وفيما بعد ذلك، كانت باردة جدا يسمونهـا المريسي لمرورها على أرض المريس، وهي من بلاد السودان...". ويذكر تقي الدين المقريزي (ت: 845هـ/ 1441م) أن أول الأراضي التابعة لـ"بلاد المريس" من جانب، وبين مدينة "أسوان" من جانب آخر تقع على بعد خمسة أميال.
وحسب بعض الروايات، يقال إن شخصًا يُدعى: (سلها)، وهو جد شعب النوبة فيما يقال، بينما كان شخص آخر يدعى باسم (مقري)، وهو جد السكان الموجودين في "مملكة المقرة" التي تقع جنوب مملكة نوباديا فيما يقال، وقد كان كلاهما في الأصل من بلاد اليمن حسب تلك الرواية الآنفة ولعل ذلك أصل تسمية هذه البلاد حسب الروايات الشعبية المحلية.
وقيل في إحدى الروايات: إن كلًا من (النوبة) و(مقري) كانا في الأصل من "القبائل الحميرية" التي كانت تقطن في الأصل جنوب جزيرة العرب، وعلى هذا فهما– أي شعب النوبة وشعب المقرة- كانوا من عرب قحطان، وهم المشهورون أيضا باسم: "عرب اليمن" (أو عرب الجنوب).
ثم يقول المؤرخ المقريزي في روايته حول نسب النوبيين جميعا: "وأكثر أهل الأنساب على أنهم جميعًا من ولد حام بن نوح...".
ولعل الأصل الحامي لكافة النوبيين هو أمر تتفق عليه أكثر روايات المصادر التاريخية، ورواية علماء الأنساب القدامى.
أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي



