عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

"خفاجى" : اهتمام الرئيس السيسى بتاريخ مصر من سمات الحكم الرشيد

في أحدث دراسات المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة عن "إرساء النظام الفرعوني لسيادة القانون وأصول الحق ومقتضيات العدالة وحدث نقل المومياوات" بمناسبة حدث استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي موكب نقل المومياوات الملكية 22 مومياء للملوك القدماء ”18 مومياء ملوك و4 مومياوات ملكات” من المتحف المصري بالتحرير إلى متحف الحضارة الذي تزامن افتتاحه مع الحدث التاريخي في 3 إبريل 2021 الماضي.



 

وقال الدكتور محمد خفاجي إن هذا الحدث في العصر المعاصر يعد من سمات الحكم الرشيد، مؤكدا أن الحضارة الفرعونية علمت الدنيا أسس الحكم الرشيد بسيادة القانون والعدالة والتعايش السلمي.

 

وذكر الدكتور محمد خفاجي في دراسته الحديثة- المنبثقة من رسالته للدكتوراه التي حصل عليها منذ ربع قرن من الزمن عن الأساس التاريخي والفلسفي لمبدأ الفصل بين السلطات- أن سلطات الملك الفرعوني رغم اتصافها بالإطلاق في ممارستها، إلا أنها ظلت مقيدة بالبحث عن أصول الحق ومقتضيات العدالة وروح الحقيقة، فإن اتبعها الملك وعمل على هُداها، ترتب على ذلك الرضاء عنه بصفة أبدية، من جانب أجداده الاَلهة، ومن ثم يرقى إلى مصاف الاَلهة ذات الخلود الأبدي، وهكذا ظلت فكرة العدالة قيدًا حقيقيًا يرد على سلطات الملك المطلقة، فهو وإن كان يجمع بين قبضة يديه كل السلطات، إلا أن سلطاته كان لا بد أن تسير في محراب العدالة التي أضحت ضمانة جوهرية قوية لسلطات الملك حالت دن وقوع الاستبداد، وبذلك أصبحت جزءًا مهمًا من مجموعة الأسس التي من شأنها أن ساهمت في إقامة نظام بديل لغياب مبدأ الفصل بين السلطات، ذلك أنه إذا كان من شأن توزيع الاختصاصات على ثلاث سلطات في الدول المعاصرة بأن تختص كل سلطة بممارسة وظيفة محددة للحيلولة دون وقوع الاستبداد، فإنه يمكن القول بأن التزام الملك في مصر الفرعونية بضرورة سعيه نحو إدراك العدالة وتحقيق أهدافها ومراميها كانت السياج الواقى لينعم شعبه بالاستقرار ويحقق ذات الغايات.

 

وأضاف الدكتور محمد خفاجي في الدراسة أنه نظرًا لأهمية وقداسة العدالة لدى المصريين القدماء– خاصة في مجال ممارسة السلطات– فلقد كان الملك يقدم كل يوم تمثال العدالة "Maat" قربانًا للاَلهة التي حظيت بنظرات التقديس والإجلال لدى المصريين القدماء حتى لقبت بأنها ابنة الإله "رع" وسيدة السماء وحاكمة القطرين وعين الإله "رع" التي لا مثيل لها، وانبثاقًا من الإحساس الفطري للمصريين القدماء بفكرة العدالة فقد روت لنا بعض الوثائق تعبيرًا بليغًا شاملًا لمعنى العدالة، والصادر من أحد فراعنة مصر، إذ يقول "إن العدالة هي خبزي وأني أشرب دائمًا من نداها".

 

وأشار الدكتور محمد خفاجي إلى أن الوثائق التاريخية تحمل إلينا نصائح أحد كبار الموظفين في الدولة الفرعونية لابنه تتضمن معنى العدالة، بوصفها صمام الأمان لسلطاته، ففي الوثيقة قال الأب لابنه- كما ذكر العالم الألماني "أرمان"  "الإله قد خلق الإنسان من تراب ومن قش". ثم يركز على الأمانة والدقة في العمل فيقول: "لا تغمس قلمك في المحبرة لإيذاء أي شخص، لا تغش في المقاييس أو الأوزان ولا ترتشى." ثم يتحدث عن العدل فيقول:" أقض بالعدل بين الناس ولا تظلم الضعيف لصالح الغني".

 

ويمضي الأب في وثيقته المذكورة قائلًا: "إن جميع ما تفعله في غير عدالة لن يجلب لك بركة. إذ إن مكيالًا واحدًا يعطيه الإله خير من خمسة آلاف تكتسبها بغير حق. إذا جاءك أحد بثروة غير مشروعة فإنها لن تبقى معك ليلة واحدة، عند طلوع الصباح، لن تكون في بيتك، وخير للإنسان قلب راض من غنى مقرون بالهموم. لا تتخذ سفينة على نهر لتتكسب عن طريقها أجر عبوره، ولا تقبل ثمنًا لذلك إلا القادرين، أما غير القادرين فلا تتقاضى منه شيئًا، وانقل في مركبك كل من يطلب العبور طالما كان فيها مكان".

وينهى الأب نصيحته لابنه– كما ورد بالوثيقة المذكورة– بقوله: "كن رحيمًا في كل شيء، فلا تهزأ بالأعمى، ولا تسخر من الفقير، ولا تغضب على رجل ارتكب هفوة...". إن التأمل في هذه الوثيقة يعلمنا كيف كانت العدالة ينبوعًا ينهل منه الملك في مصر الفرعونية ليكون شريانًا في حياة المصريين.

 

ويوضح الدكتور محمد خفاجي أن مصر الفرعونية أول دولة في التاريخ الإنساني تعرف مبدأ سيادة القانون منذ اَلاف السنين قبل أن تعرفه المدنية الحديثة، فتروي لنا إحدى الوثائق إبان نصح الملك لأحد وزرائه في خطاب تعيينه بأن يحرص على مراعاة العدل بقوله: "انظر عندما يأتي شاكٍ من مصر العليا أو السفلى، عليك أن تتأكد من أن كل شيء يتم طبقًا للقانون.. إن كل امرئ يحصل على حقه.. إن ما يحبه الإله هو أن يتحقق العدل، أما ما يمقته الإله هو أن يُحابي جانب أكثر من الجانب الآخر". ومن الوثائق التي تحث على العدالة كذلك، نصائح الملك "خيتي الرابع"، أحد ملوك الأسرة العاشرة، لابنه "مريكا ورع" وهو يعظه بقوله: "يا بني تحلَّ بالفضائل حتى يثبت عرشك على الأرض، هدئ من روع الباكي، لا تظلم الأرملة، لا تجرد أحدًا مما يملك، ولا تطرد موظفًا من عمله، ولا تكن فظًا بل كن رحيم القلب، لا ترفع ابن الشخص العظيم على ابن الشخص المتواضع، بل قرب إليك الإنسان حسب كفاءته".

 

ويستطرد الدكتور محمد خفاجي أن العدالة أصبحت هي عماد الإدارة المصرية الفرعونية الواعية، الأمر الذي دعاها إلى تحقيق التنمية والرخاء والثقة والسعادة بين أرجاء المجتمع الفرعوني الذي عاش بفضل العدالة في الرفاهية الدينية والعقلية والحسية والقانونية، وصارت العدالة في نظر الملوك الفراعنة من أهم أهداف نظام الحكم المصري الفرعوني وسمة من سماته المميزة الخالدة، ذلك أن القانون الفرعوني في أصله قانونًا أخلاقيًا تحتل الفضيلة فيه مكانة كبيرة في حياة الدولة الفرعونية بجانب كونه قانونًا ذا صبغة إلهية مما نجم عنه إرساء المساواة ورفع الظلم وجلب الخير ودفع المضار ونشر العدل والقيم، الأمر الذي أدى إلى تميز القانون الفرعوني عبر الزمان بسمة التطور لارتباطه بالحياة الفعلية للشعب الفرعوني، من خلال التعايش السلمى تعبيرًا عن اتجاهاته بلا جمود أو ركود، وهو ما يمثل عنصر العبقرية والخلود لنظام الحكم الفرعوني.

 

ويختتم الدكتور محمد خفاجي الدراسة بأن العدالة هي قطب الرحى الذي يدور حوله نظام الحكم الفرعوني، أو أن نظام الحكم الفرعوني قاطبة تدور كل أحكامة وقواعده حول فكرة العدالة التي تم تأليهها لقداستها وأطلقت عليها اسم معات "Maat" بحسبانها عين العدالة والحقيقة، وظل الملوك الآباء يوجهون النصح والإرشاد والتوجيه إلى أبنائهم وورثتهم في الحكم وإلى وزرائهم ومعاونيهم ومساعديهم لجعل العدالة شرعهً ومنهاجًا وقبسًا ونبراسًا، نابعًا من ذلك الينبوع الخالد والنور الساطع المتمثل في الإله "رع" ذاته الذي ظل يغرس في أبنائه الفراعنة من بعده حب العدالة قولًا وعملًا وحرفة وصناعة حيث تذكر كلماته القيمة لكل سلفه: "قل العدالة، واصنع العدالة، لأن العدالة قادرة، إنها عظيمة، إنها سرمدية خالدة".

 

وصفوة القول إذن إن العدالة هي ذلك الشعاع النوراني الذي ينطلق في أبعد نقطة في السماء Lumière d'en haut"  " وذلك الوحي الذي بعث في نفوس الملوك الفراعنة الإلهام والخيال والارتقاء بجعل جميع السلطات الفرعونية تدور في فلك العدالة. فكم عظيم بعد ألاف السنين أن يأتي الرئيس عبد الفتاح السيسي بنظرته الثاقبة ورؤيته الحكيمة ليعيد للعالم وجه هذه الحضارة الخالدة بملوكها العظماء استقبالًا لموكبهم المبهر الساحر.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز